كثرت الآراء وتباينت حول الخطوة الجريئة التي قام بها "مجلس النواب" حيث أقرّ "قانون الايجارات الجديد" ورفعه الى رئيس الجمهورية للتوقيع عليه. وقد اعتبر المستأجرون القدامى أن هذه الخطوة غير منصفة أبداً، مشيرين الى أن القانون بمثابة نقطة سوداء توضع على سجل "المجلس النيابي". حتى أن المالكين -الذين قبلوا بالقانون الذي يعيد بعض حقوقهم- بقيت لديهم تحفظات كثيرة، إذ أن مهلة 9 سنوات لإخلاء البيوت من المستأجرين ليست قليلة أبداًُ..

وقد أقرّ "مجلس النواب" قانون الإيجارات الجديد بشكل جريء ومتسرّع، فاعتبر البعض المعارض له أنه سيؤدي لتغييرات جذرية بالهيكلية السكانية في بيروت، ويعمل على دعم فرز مناطقي جديد لعدد كبير من المدن ال​لبنان​ية، الأمر الذي يتسبب بخلق أزمة إجتماعية. بينما كان للنصف المؤيد للقانون وجهة نظر أخرى، حيث اعتبر هؤلاء أنه يعيد بعض الحق للمالكين الذين انتظروا أعواماً طويلة، وهم غير قادرين على التصرف بحرية في أملاكهم.

وفي هذا الإطار، كان للنشرة الاقتصادية حديث مع الخبير الإقتصادي ​لويس حبيقة​ الذي أشار الى أن القانون معقّد "وبدون سبب"، موضحاً أن تقييم الايجار اليوم مشكلة بحد ذاته، متسائلاً: "كيف يمكن أن نقيّم دون ان ينشأ فرق بين الايجار الحالي والايجار الذي يجب أن يكون؟ وكل سنة يتصاعد قليلاً، حتى يذهب المستأجر بعد 9 سنوات ويصبح الايجار حراً؟!".

وأضاف: "نتفهم ونقدّر أن المالك مظلوم، ولكن ليس كل مستأجر قديم قادر على دفع هذه الفروقات بسرعة، فاليوم يوجد صراع حول تقييم الايجار العادلِ.. من سيقيمه؟ وكيف؟، وبالتالي، فإن هذه الطريقة يصعب على المستأجر القديم الفقير أن يتأقلم معها".

كما اقترح حبيقة خطوات أسهل بكثير من القانون الجديد الذي تم اقراره، وقد اختصرها لنا: "إيجاد عرض يتم تقديمه للمستأجر، بحيث يكون لديه خيار من اثنين، إما أن يشتري أو يبيع.. أي امكانية تخييره بين أن يشتري نسبة 60% مثلاً أو أن يبيع ويقبض خلو بنسبة 40%، أو حتى 50/50". لافتاً الى أن الأمر يحتاج الى دراسة طبعاً.

وفي سؤال حول ما اذا كان الصندوق الخاص الذي سيتم انشاؤه لمساعدة قسم من المستأجرين سيزيد ثقلاً على أعباء الخزينة العامة، أجاب: "ليس بالضرورة أن يزيد الصندوق الذي اقترحه القانون أي أعباء على الخزينة العامة، فالدولة قادرة على أخذ منحة او قروض من المؤسسات الدولية أو "البنك الدولي" الذي يعطي قروضاً تتعلق بهذه القضايا، كما يمكن أن تأتي هذه الأموال من خلال تبرعات، ولا ضرورة أن تكون من الخزينة". مشيراً الى أنه في حال تم أخذ لون معين يملأ الصندوق، فلن يكون هناك تداعيات اقتصادية سلبية، وبالتالي، تسير الأمور بشكل صحيح".

وختم حبيقة كلامه قائلاً: "بصراحة القانون يستهدف ظلمٌ يصل عمره الى 30 سنة، فالبعض استأجر مثلاً منذ العام 1992 وسعر الايجار ما يزال على حاله من يومها". مضيفاً: "هناك تفاوت كبير بين اوضاع المالكين والمستأجرين، القضية ليست أن المستأجرين فقراء والملاك أغنياء، فيوجد اليوم مستأجرون أغنياء جداً استغلوا القانون القديم وبقوا لسنوات يسكنون شققاً استأجروها منذ زمن بعيد بسعر زهيد، وهذا غير مقبول!".

وقال: "المشكلة هي أن المستأجرين ليسوا كلهم فقراء، كما الملاك أيضاً ليسوا كلهم أغنياء. فحين نقول أننا نعتزم رفع الايجار بشكل سريع، لن يكون لدى المستأجر الغني أي مشاكل، لكن الفقير ستنشأ لديه مشاكل. من ناحية أخرى، المالك الفقير يريد أن يرتفع الايجار بسرعة، أما المالك الغني فقد لا يبالي بهذا الأمر كثيراً".

أما مدير مركز الدراسات الاقتصادية في مجموعة "بنك بيبلوس" ​نسيب غبريل​ فقد كان له موقفاً مغايراً حيث قال: "أنا أرى أن خطوة تمرير القانون مناسبة، وقد اخذت وقتاً طويلاً، طبعاً كانت تستحق مدة نقاش أكبر في المجلس النيابي ، لكن تمت مناقشة القانون من قبل اللجان في وقت سابق ولفترة طويلة، وكان ينتظر المرحلة المناسبة للتصويت عليه. مضيفاً: "برأيي، لا احد من الملاك يريد أن يعمل على تشريد المستأجرين، لكن من جهة ثانية، على المستأجر أيضاً أن يضع نفسه مكان المالك الذي قد يكون مالكاً لشقة أو قطعة أرض وهو غير قادر على التصرف بها لمدة 40 سنة!".

وتابع: "منطقياً، لا يمكن أن يبقى الوضع جامداً على ما هو عليه كل هذه المدة، خاصةً أن الايجارات منذ عام 1992 وما قبل أيضاً.  موضحاً أن هذا الأمر يؤثر على البنى التحتية للمباني المستأجرة، "فصاحب الملك ليس لديه أي حافز لعمل صيانة لملكه، إذ أن تكاليف الصيانة ستكون أكبر من مردود الايجار بكثير! وهذا الأمر يشكل خطراً على المستأجر أيضاً".

وفي سؤال لغبريل حول ما اذا كان مؤيداً لإقرار القانون، أجاب: "أنا مع العدالة، مع حق تصرف المالك بملكيته، ومع حق الحفاظ على كرامة المستأجر طبعاً.. لا يمكن غض الطرف عن وجهة نظر أحد الطرفين، مع أن وجهة نظر المستهلك تطغى في مكان ما على وجهة نظر المالك". مضيفاً: "لكن من غير العدل أيضاً ان يبقى المستأجر في ملك غيره حتى يتوفى فيأتي ابنه من بعده ليكمل ما كان عليه أبوهّ! يجب تصحيح هذا. الموضوع لا يحتاج رأياً عاطفياً، بل يحتاج عقلانية وموضوعية، فلا اصحاب الاملاك يريدون تشريد المستأجرين، ولا المستأجرون يقبلون بأخذ حق المالك غصباً".

ولفت الى أن القانون يشمل إنشاء صندوقٍ خاص لمساعدة المستأجرين الذين لا يتجاوز معدّل دخلهم الشهري ثلاثة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور، قائلاً: "هذه الفكرة جيدة، فالصندوق سيساعد المستأجر، ولن يكون عبئاً على الموازنة، فهو يعمل على تسديد حاجة اجتماعية". وأوضح: "هناك العديد من الأبواب الأخرى -التي يعرف طريقها الكثيرون- والتي تعمل على تخفيف العبء عن الموازنة، منها مكافحة التهرب الضريبي على سبيل المثال، وتفعيل جباية الضرائب، والتخفيف من الهدر والفساد.. اذا تمت هذه الأمور لا يكون الصندوق عبئاً على الموازنة العامة أبداً".

واضاف: "المهم هو بأي سرعة سيتم تأسيس هذا الصندوق؟ وتحت أي آلية تطبيق؟ فالأمور تأخذ وقتا بالادارة العامة، وأيضاً كم سيكون رأسمال هذا الصندوق؟".

وقال: "يبقى الأمر شديد الحساسية.. فللطرفين حق ما في وجهتي نظرهما، لكن عموماً ليس هناك من ينوي تشريد الناس، أو إخراج المستأجرين من بيوتهم الى الطرقات، فالقانون يتضمن فترة 9 سنوات للمستأجر ولكن بإيجار أعلى نسبياً. ومن جهة أخرى، من غير الصواب أن يبقى صاحب الملك لفترات طويلة جداً غير قادر على التصرف بملكه الخاص!".

وقال: "من يقرأ القانون يجد أن بإمكان المستأجر البقاء في شقته 9 سنوات على الأقل، لكن مع زيادة نسبية بسعر الايجار الذي لا يذكر أصلاً قبل سريان القانون! ثم يرتفع الايجار تدريجياً".

وختم غبريل قائلاً: "ما نشير اليه هنا، هو أن للطرفين وجهتي نظر مقبولتين عموماً، وطبعاً صاحب الملك لا يريد تشريد المستأجر، لكنه يريد استرجاع حقه وملكه، أو أن يصبح لديه حرية التصرف بملكه، وهذا أبسط الحقوق في بلد أساسه هو اقتصاد السوق الاقتصاد الحر، وهذا مع حماية المستهلك، وحماية المستأجر".