عندما تقابل تاجراً أو رجل أعمال في فترة انتعاش أو نمو اقتصادي، لإجراء حديث صحفي معه للاطلاع على سير أعماله أوعلى الوضع ​الاقتصاد​ي بشكل عام ، تتداعى الأرقام والمعلومات أمامك على لسانه، بمجرد طرحك أول سؤال. ليس الحال هكذا عندما يكون الاقتصاد متراجعاً والأعمال سيئة، أو تمر بمرحلة حرجة، إذ يجيبك كمن تورط بمصيبة  أو بمأساة، تخرج الكلمات وكأنه أطلق سراح رهينة للتو.

الدكتور "فؤاد ​زمكحل​" ​رئيس تجمع​ رجال الأعمال ال​لبنان​يين أقابله هذه المرة ، وفي قلبه غصة كانت واضحة على محياه، قال:" سأحاول جاهداً أن أضعك في صورة الحقائق التي تريدين، لكن تأكدي بدأنا نصرخ نحنا كرجال أعمال وتجار،  وإن الأحوال سوداوية بسبب تفاقم الأحداث في سوريا من جهة ، والتطورات الأمنية والسياسية المتتابعة في لبنان من جهة ثانية ، فيما لا أحد يحفل من كافة الأقطاب السياسية بنا. تريدين ان تعرفي واقع صادراتنا ووارداتنا، نعم نحن بلد بارع في استيراد الأزمات والمشاكل واستقطابها واستثمارها داخلياً بشكل يؤذي اقتصادنا ويضر بمنجزات ازدهارنا الاقتصادي وتقدمنا، ونوغل في تكرار أخطائنا، فيما برعنا ايضاً في تصدير النخب والخبرات والطاقات ومواردنا البشرية .!

أضاف "زمكحل" في حديثه لـ "النشرة الاقتصادية" ،لا شك أعمال التجار تضررت بشكل كبير جداً، بسبب استمرار الأحداث في سوريا، وقد تراجعت مبيعات الشركات والتجار بنسبة تراوحت ما بين 50 و70% بحسب القطاعات المختلفة.

الأضرار التجارية

وأوضح  "زمكحل" أن قيمة الاضرار غير المباشرة التي أصابت الشركات والتجار اللبنانيين الذين يعتمدون على السوق ​السوري​ أو الاسواق العربية  تفوق قيمة الأضرار المباشرة.

ولفت رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين الشاب، الى المشهد التجاري المأساوي الخطير المتمثل بواقع تجارة لبنان مع الأسواق العربية المجاورة، موضحاً أن لبنان يعتمد لتصريف منتجاته نحو  أسواق هذه الدول عبر الشريان البري السوري والذي توقف بشكل كامل منذ بدأت الأحداث، ما يعني ان التجارة توقفت بنسبة 100% مع هذه الدول، فيما تراجعت عائدات التجار اللبنانيين عبر المنفذ السوري بنسبة 85%.

وكشف "زمكحل" أن هناك خطاً تجارياً  "سرياً" هاماً كان يؤمن عائدات للتجار ويسهم بنسبة 6 أو 7%  في إجمالي حجم التجارة اللبنانية،  كان يعرف بخط "السوق السوداء"، وهو خط تجاري سريع  كان يربط بين بعض التجار والسوق السوري، فيما توقف هذا الخط وتوقفت عائداته كلياً، مشيراً الى حقائق مرة بدأ يشعر بها التجار، والتي زادت من عمق المشكلة خصوصاً مع غياب الآمال الرسمية في إيجاد حلول شافية لإنقاذ التجارة من براثن المرحلة التي يمر بها ، خصوصاً وان الوضع السوري لا يبشر بالخير حتى الآن، فيما أرزاق الكثير من الشركات والمؤسسات التجارية تعطلت أو شلت، معتبراً أن سياسة النأي بالنفس التي تمارسها الحكومة في الشأن الداخلي اللبناني، تعكس بآثارها على كافة المستويات، مشيراً الى ما اعتبره تقصير في الجهات المعنية للمسارعة واستقطاب طبقة رجال الأعمال السوريين ممن أقفلوا أعمالهم في بعض المناطق، وعدم المسارعة الى وضع محفزات ومغريات أمامهم لنقل أعمالهم الى لبنان.

وإذ أشير له ان لبنان لا يمكن له أن يكون بديلاً لرجال الأعمال السوريين عن بلادهم في ظل ارتفاع تكلفة المنتج  في لبنان، بسبب ارتفاع اسعار العقارات وفواتير الكهرباء والتلفون وغياب البنى التحتية الضرورية لمثل هؤلاء، راي "زمكحل" أن الحكومة بالإضافة للهيئات المعنية بإمكانها عمل الكثير في هذا المجال، " لا نريد أن نتحدث عن البنى التحتية ولا الكهرباء ولا ارتفاع تكلفة الهاتف" لقد تخطينا هذا الأمر، على الاقل يمكن لهذه الطبقة أن توجد بيئة مستقرة أمنية وإيجابية للاعمال من الناحيتين السياسية  والاجتماعية. عبثاً استمرار الأخطاء نفسها، لقد سبق أن أطلقنا صرختنا كهيئات اقتصادية منذ نحو اسبوعين وحذرنا السياسيين بأن واقع البلاد وصل الى المحظور ولم يعد بوسعنا التحمل، خصوصاً مع تفاقم الأوضاع الاجتماعية التي بدورها انعكست سلباً على واقع مبيعات الشركات والتجار".

منظومة الاقتصاد والسياسة

لهجة رجل الأعمال الشاب دفعتني للاستفسار حول المنظومة التي تحكم العلاقة ما بين سلطتي الاقتصاد والسياسة، وكيف يمكن أن تعمل إحداهن بمعزل عن الضغط على الأخرى او على الأقل بالتناغم معها، كونهما سلطتان تحكمهما المصلحة المشتركة.

يومىء "زمكحل" برأسه يميناً وشمالاً وهو ينظر الى بضعة ورقات أمامه ، يؤكد نظريتي، لكنه سرعان ما يبتعد باتجاه آخر ويقول:" إن ما يجري في لبنان تجاوز أي أبعاد طبيعية  تعودنا عليها في السابق، أنظري مثلاُ ،  الوضع السوري من سىء الى أسوأ، ومعظمهم  يتلهى بالتراشق الاعلامي والسياسي وتحصين وضعه انتخابياً، فيما الأمور أحوالنا جميعاً ذاهبة اذا استمرت الأمور هكذا باتجاه الإفلاس".  

خسائر التأمين والشحن

ويستطرد قائلاً: "خذي مثلاُ وضع قطاعي الشحن والتأمين  على البضائع المتجهة عبر سوريا الى البلدان العربية ، هناك حقائق مخيفة بات يسجلها هذان القطاعان، وذلك بسبب ارتفاع نسبة المخاطر في ظل استمرار المعارك في المناطق السورية المختلفة، فقد زادت نسبة أسعار بوليصات التأمين على المؤمن لتصبح قيمتها 20% من قيمة الفاتورة المؤمن، فضلاً عن ارتفاع اكلاف الشحن الجنونية ايضاً.

وختم رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين قائلا:" نأمل من الحكومة ومن السياسيين أن يكونواعلى قدر كامل من المسؤولية لهذه المرحلة، فحالنا وحال الناس ينذر بواقع سيىء على اقتصاد الدولة اذا استمر التعاطي من قبل السياسيين معنا بهذا الشكل من التعاطي، فنحن من نسهم في تأمين الإيرادات اللازمة للاقتصاد، فماذا هم فاعلون، خصوصاً بالنظر لطريقة التعاطي مع الحلول  للكثير من الملفات الاقتصادية والاجتماعية  ومنها الموازنة التي أصف الطريقة التي تم التعامل معها بالجريمة ، فمنذ عام 2005 يتم ترحيل نفقات وأكلاف ميزانية لأخرى، ونعيش بدون ميزانية منذ ذلك الحين، لتأتي على ما هي عليه من نفقات، لا نعلم كيف يمكن لهم أن يحققوا الإيرادات التي يريدونها في ظل الواقع الاقتصادي المتردي.