ماذا يعني لكم عندما يصرخ مصرفي لبناني من الطبقة الوسطى أمام حشد من رجال الأعمال والمصرفيين والتجار  والقانونيين في اجتماع مغلق ويقول:

"أنا مواطن في هذه المزرعة التي هي في طور التخلف؟,, افرحوا الآن فواقعكم الذي أنتم فيه الآن هو أفضل ما ستحصلون عليه في ما بعد.".!!

في الواقع في كل دول العالم سلطة الاقتصاد والمال هي الضاغطة على الطبقة الحاكمة وهي التي تحكمها من الخلف، وبالتالي تكون السياسة بخدمة الاقتصاد..

في لبنان الأمر كذلك،،، أما أمس، فلقد أدركت شيئاً نافراً وشاذاً عن القاعدة، فمن خلال انضمامي لطاولة مستديرة نظمها تجمع رجال الأعمال اللبنانيين وجمعت تجاراً و رجال أعمال، ومصرفيين ورجال قانون مستقلين، ومنهم من يعمل في دوائر قانونية في ​مصرف لبنان​ ومصارف خاصة، تبين لي أمر لم أعهده من من هذه النخب اللبنانية عبر المنابر والمؤتمرات الاقتصادية.

ففي حين كشف البعض منهم  عن تململه من ممارسات المسؤولين في الدولة لجهة عدم المسارعة الى  حماية حقوق رجال الأعمال والاهتمام عبر تشريعات قانونية محددة باستثماراتهم وأعمالهم، لم يتورع آخر لإطلاق صرخته منتقداً اياهم عجزهم عن التعامل بكفاءة مع الوضع السياسي والأمني في البلاد، والمخاطرالتي تتعرض لها أعمالهم، ويقول :" لن أقول أني رجل قانون اومصرفي، فأنا مواطن في هذه المزرعة التي في طور التخلف، وافرحوا الآن لأن هذا أفضل ما ستحصلون عليه قياساً في ما بعد، إذا استمرينا بقبول ما نحن عليه."

الطاولة التي خصصت لمناقشة قضية التشيكات المرتجعة، بغية إيجاد الحلول اللازمة للتخفيف من وطأتها على عمليات التجار أوطرفي التقسيط الآخرين كل من العميل والبنك، وصولاً الى رجل القانون او القاضي لدى التعثر بدفعها، خرجت مراراً عن الموضوع، وعادت إليه، ولكن كل مرة بأثواب مختلفة، عبر أحدهم ساخراً عن السبب الذي يجعله يقبل شيكاً بدون تاريخ او "مجير" أو مؤخر، "هي حالة الكساد السائدة في البلاد، التي تجعلني في موضع اتقبل هذا الأمر، فإن لم أقبل هذا الشيك، فغيري سوف يقبله، وهنا تقع المخاطرعلى عاتقي "..

ورد قانوني آخر على تاجر عندما اقترح التقدم امام السلطات المعنية لتعديل مواد في قانوني التجارة والعقوبات، وقال: " كونوا واقعيين ولا تحلموا بتشريع او بتعديل مادة في قانون التجارة ، لدينا هذا القانون الذي صدر عام 1942 فهو الأحدث ولما التململ!؟، التزموا به واستفيدوا من ميزات السند كما ميزات الشيك ولا ترموا أنفسكم بالتهلكة، ولا تتوقعوا من المشرع الآن أن يعدل في  أي مادة!".

أحد التجار عدل بجلسته وقال:" ماذا علي أن أفعل إذا وافقت على السند، ثم جاء بمزاج أحد محبي المشاكل في الشمال ان "يتسلى ويقوص" ويلخبط أوضاع البلاد، وتتعطل أعمالي وأعمال عملائي المدينين لي وكيف سأحصل مستحقاتي منهم؟"

لعل لهجات المجتمعين التي أخفت الكثير من المخاوف حول المستقبل الذي ينتظرهم وينتظر شركاتهم ووأعمالهم، بسبب تأزم الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد المتأثر بالأزمة السورية، إلا أن الظاهر منها كان كافياً لتقديم صورة واضحة تكشف حجم لومهم للطبقة الحاكمة، لا بل وصل الأمر الى حد انتقادها بشكل مباشر وجريء، محملينها مسؤولية المساهمة في تراجع أعمالهم وإن كان بشكل غير مباشر،لأنها لم تقم بدورها كاملاً سياسياً واقتصادياً وقانونياً.

الخسائر فادحة,,, قال أحد المصرفيين وهو مسؤول للدائرة القانونية في أحد البنوك الرئيسية في لبنان: " علمني هذا البلد أن أكثر من يصل الى المراكز العليا ويحقق النجاح  في هذا البلد، هو ليس من حملة الشهادات العليا!".

إذن إنها طبقة أرباب العمل والتجار، والبعض الآخر من الميسورين والطبقة الوسطى، ممن كشفوا عن تململهم ، لا بل شرعوا بإطلاق صرختهم. وإذا كانت هذه الطبقة التي تعودنا على تحالفها مع الطبقة السياسية، بدأت تستشعر سخونة الأوضاع وتنتقد السياسيين، أين هي القطبة المخفية؟، وإلى أين نحن ماضون؟، وهل يتوقع أن تنشق طبقة الأعمال الى قسمين: قسم يحتل المركز الأول في اهتمامات السلطة كونه يحتكر قطاعات تدر الأموال بشكل مباشر، وتكثر معها العمولات والسمسرات، وقسم  آخر أصبح في المركز الثاني ( seconde hand)، لإن القطاعات التي يعملون بها تتعلق بالصناعة والخدمات والسلع الاستهلاكية،؟ وهل يمكن أن نتوقع من هؤلاء أن ينضموا الى صفوف الشعب أو على أقل الى دعم مطالبهم،  ولو بعد حين؟

سؤال فعلاً يحيرني,,, علماً أنني سأحاول ايجاد اجوبة عليه في القطاعات المختلفة في الأيام التالية...