انتهى العام 2013، عام الفراغ والتمديد والتفجيرات والخلافات السياسية والصدمات والخيبات، التي أدت الى تراجع ملحوظ في كافة القطاعات الاقتصادية، والى نمو العجز في الموازنة العامة على نحو خطير ومقلق، وتدهور الحركة السياحية والتجارية بسبب مقاطعة الدول الخليجية وضعف القدرة الشرائية للمواطن، والتزايد المستمر وغير المنظم للاجئين السوريين الذي ألقى بعبئه على اللبنانيين وعلى سوق العمل. اضافة الى الأوضاع الأمنية المتردية انطلاقا من التفجيرات الارهابية المتلاحقة التي هزت مناطق لبنانية عدة، ووصولا الى الاشتباكات في كل من طرابلس وصيدا التي ما تلبث أن تنتهي حتى تبدأ جولة جديدة من القتال.

كما أن البنية الإقتصادية الهشة والضعيفة في لبنان وغياب الخطوات الجدية لتصحيح الأوضاع ووقف الإنهيار، إضافة الى إنعدام الأفق الإيجابي بسبب الأوضاع التي تعاني منها المنطقة، تدخل لبنان واللبنانيين في دوامة تذهب بهم الى المجهول.

ولتقييم مسار العام 2013 على الصعيد الاقتصادي كان لـ"النشرة الاقتصادية" جولة على عدد من الخبراء الذين أجمعوا على أن العام 2013 كان سيئا للغاية ولكنه ليس الأسوأ في تاريخ لبنان، لأن النمو بقي ايجابيا، ولم يلامس الصفر. كما توحدت آراؤهم حول وجوب الوصول الى حد أدنى من التوافق السياسي الذي سينعكس ايجابا على الأوضاع الأمنية وبالتالي على الاقتصاد المحلي.

حبيقة

وكانت البداية مع الخبير الاقتصادي لويس حبيقة الذي اعتبر أن العام 2013 كان سيئا إقتصاديا، لكن على الرغم من ذلك بقي النمو إيجابي، تحت الـ1%، وبالتالي فإن 2013 ليس الأسوأ، لأن هناك أعوام مرت على لبنان كان فيها النمو سلبيا.

وقال أن "المشكلة اليوم هي أن الرؤية المستقبلية مجهولة وغير واضحة، وكل الظروف تشير الى أن المستقبل أسود. ففي الماضي، وخلال أيام الحرب اللبنانية، كانت الأفق أفضل والأمل أكبر حيث كان الناس يأملون بأنه مع إنتهاء الحرب ستتحسن الأوضاع وسنشهد نهضة إقتصادية. لكن اليوم لا نعرف ماذا ينتظرنا، لأن الحلول في المنطقة ليست في أيدينا، ولا نستطيع أن نفعل شيئا بخصوص الأزمة السورية".

وأضاف حبيقة أن المشكلة في لبنان ليست إقتصادية، بل سياسية، وعند إرتياح وتحسن الوضع السياسي والأمني سيتحسن الوضع الإقتصادي. فالنمو الذي تحقق هذا العام جاء من خلال القطاع الزراعي والصناعي لأن العمل في هذين القطاعين مستمر، وسيتحسن أكثر مع استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية، كما أن القطاع السياحي سيشهد تحسنا من خلال عودة الخليجيين. موضحا أن هذه الأمور داخلية، وبامكاننا أن نجد حلولا لها، من خلال توافق سياسي وتشكيل حكومة والعمل على عدم الوصول الى الفراغ الرئاسي.

كما لفت الى أن الأمور المرتبطة بالأزمة السورية، التي تشكل سببا لثلثي الأزمة الإقتصادية في لبنان. لكننا لا نستطيع أن نفعل حيالها شيئا، لأن حلها مرتبط بتوافق إقليمي ودولي.

وتابع " إذا بقي الوضع على ما هو عليه اليوم، ولم يتم إتخاذ إجراءات داخلية تحسن من الوضع الأمني والسياسي، فنحن ذاهبون حتما الى نمو سلبي في 2014".

أبو سليمان

بدوره أشار الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان الى أن الوضع الاقتصادي خلال العام 2013 كان للأسف مترد، موضحا أنه في بداية 2013 كان لدينا نفحة أمل تتمثل بالانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة، لكن هذا الأمل فقدناه ووصلنا الى فراغ أدى بدوره الى تردي الأوضاع.

وقال "القطاعات الاقتصادية برمتها ترزح تحت وطأة الاهتزازات الامنية والفراغ الحكومي والاشتباكات، وجميع المؤشرات في انحدار باستثناء القطاع المصرفي الذي حقق نموا بنسبة 8%".

وأوضح أبو سليمان أن القطاعات الخدماتية، التي تشكل ركيزة للاقتصاد اللبناني، مثل القطاع العقاري والسياحي، تعاني من انخفاض كبير، بالاضافة الى أن التجارة واقعة تحت وطأة التجاذبات والخضات الأمنية". وتابع "كل هذه العوامل تؤثر سلبا على اقتصادنا، الذي يتمثل مفتاحه بالاستقرار الأمني والسياسي".

كما أضاف أنه لا يمكن القول أن 2013 كان العام الأسوأ، لكنه كان سيئا، والدليل هو نمو الدين العام بنسبة لا تقل عن 10%، اذ أننا شهدنا نموا للدين العام وعجزا في الميزانية. وقال "اذا استمرت الأوضاع على هذه الحال، سيكون 2014 أسوأ من 2013، لذلك المطلوب اليوم صدمات ايجابية، مثل تشكيل حكومة، نرسل من خلالها رسالة الى المجتمع الدولي أننا لا نعيش في فراغ. كما يجب استتباب الأمن بهدف تحصين الساحة الداخلية".

يشوعي:

من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي "لا شك في أن 2013 هو عام سيء، ولكنه ليس الأسوأ. ففي 2013 تراجعت كل القطاعات، وانخفضت الصادرات الصناعية وحركة البناء، وارتفع العجز في الموازنة العامة، إضافة الى ميزان المدفوعات، والميزان التجاري".

وأوضح أن القطاع الوحيد الذي شهد زيادة في 2013 هو القطاع الزراعي حيث إرتفعت الصادرات 40% وهذا طبيعي بسبب الأزمة في سوريا. ولكن المقلق في 2013 هو النتائج الكلية، التي أتت سيئة وسلبية. كما أن عجز الموازنة تخطى الـ12% في حين أنه لا يجب أن يتخطى 5%.

كما لفت الى أن البنية الإقتصادية في لبنان هشة وضعيفة، وليس هناك أي خطوات جدية لتصحيح الأوضاع، ووقف الإنهيار على الأقل.

وعن الخطوات التي يمكن إتخاذها في 2014 لتحسين الأوضاع، قال يشوعي أنه بإمكاننا إتخاذ العديد من الخطوات إذا قررت الطبقة السياسية التحرك، والوصول الى حد أدنى من الوفاق الداخلي مما سيسهم في تحسن الأوضاع الأمنية.

وختم يشوعي قائلا "أن الصراع على الأديان لا يساهم في بناء الأوطان، بل الإيمان والكفاءة هي الركيزة لبناء الوطن. ويجب تطبيق اللامركزية الإدارية لأن دولة المركزية هي دولة فاشلة". ودعا الى المشاركة بين القطاع الخاص والقطاع العام، وعدم إهمال موضوع النفط لأننا بأمس الحاجة اليه في ظل الظروف الإقتصادية الراهنة.

رياشي

من جهة أخرى أشار الخبير الاقتصادي ألفرد رياشي الى ان العام 2013 لم يكن الاكثر سوءا من الناحية الاقتصادية، ذلك لأن لبنان كان قد عاش في السابق ما هو اكثر سوءا وسلبية، خاصة في عقد الثمانيات، الذي شهد تدهور درماتيكي بقيمة النقد اللبناني.

وأضاف انه من المتوقع، ان يشهد العام 2014 نموا بنسبة 1.2%، وهذه الأرقام هي بدون شك أقل من التي شهدها عامي 2011 و2012. وقال "لقد انعكس الوضع الاقتصادي في العام 2013 على أداء كافة القطاعات وخاصة القطاع السياحي، بحيث لم يسجل اي نمو في قطاع الفنادق، وكذلك فلقد تراجعت نسبة النمو على صعيد المطاعم الى 90%".

وازاء هذا المشهد الاقتصادي يرى رياشي ضرورة اتخاذ اجراءات استراتيجية وتكتيكية عديدة. ومن الخطوات الاستراتيجية المطلوبة إعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني الذي يعتمد على قطاع الخدمات الذي يشكل 70% من الدخل قومي، هو نقطة ضعف لهذا الاقتصاد، وذلك بسبب سرعة تأثره بالاوضاع المحلية والاقليمية والدولية.

وقال "لهذا لا يجوز الاعتماد على هذا القطاع بذات النسبة العالية، اذ ينبغي تقوية بقية القطاعات من صناعية وزراعية، و غيرها حتى ترسو هيكلية الاقتصاد الوطني على توازن تقريبي بين قطاعاتها".

كما أوضح أنه ينبغي اعادة النظر في السياسات المالية للدولة وخاصة ما يتعلق منها بالمصارف، وذلك ان المصارف درجت على الاستثمار في سوق السندات بنسبة 40% من موجوداتها. وهذا لا يساهم البتة بنمو الاقتصاد الوطني، لذلك ينبغي الدفع بإتجاه أن توظف المصارف في مجالات الانتاج بعيدا عن الاستثمار في سندات الخزينة وبهذه النسبة العالية.

وعلى الصعيد العقاري، أشار رياشي الى أنه في السابق كان يساهم بنك الاسكان في الانماء الوطني، اما اليوم فقد وصل الى مرحلة من الجمود. لذلك ينبغي ان يقدم "بنك الاسكان" رزمة حوافز لتخفيض الفوائد ورفع سقف الاستلاف منعا من زيادة التضخم.

وتابع "بالاضافة الى ما تقدم فإن عاملا اضافيا سلبيا دخل على المشهد الاقتصادي اللبناني، وذلك بنزوح ما يقارب مليون ونصف مليون سوري الى لبنان حيث شكل هذا النزوح عاملا ضاغطا على الاقتصاد الوطني  والمالية العامة، فلقد ازداد الانفاق الحكومي ووصل العجز الى زيادة بمليارين ونصف مليار دولار، اي بنسبة 10% من العجز العام". اضافة الى المضاربة التي وقعت نتيجة وجود اليد العاملة السورية في سوق الوظائف. كل هذا ادى الى تراجع التصنيف الائتماني للبنان الى "B-" من قبل "ستاندر اند بورز".

وأمام هذه التحديات يرى رياشي أنه لابد من حصول اتفاق عام جذري حول الاساسيات في وجود الدولة وسياساتها العامة وهذا ما يتعدى الحكومات وتشكيل الحكومات.

غصن

كما رأى رئيس الاتحاد العمالي العام غسان عصن أن العام 2013 كان الأسوأ بالنسبة لعمال لبنان خاصةً وللاكثرية الساحقة من الشعب اللبناني عامة على مستوى العيش ولقمة الخبز. وقال أن عمال لبنان كما غالبية اللبنانيين دفعوا غالياً من مستوى معيشتهم وفرص أعمالهم في العام 2013 نتيجة الأزمات السياسية المتكررة على المستوى الداخلي، كذلك نتيجة تداعيات الأزمة السورية على الداخل اللبناني، وتحديداً في ما خص  ملف النازحين السوريين الذي ضرب عمق لبنان الإجتماعي.

وأضاف غصن: "كان من المفترض لو أن الدولة -الحكومة- مارست دورها في العام 2013 ولم يقفل باب المجلس النيابي" وتعطل نشاطاته بسبب سياسة النأي والاعتكاف لكان أُقِرّ أكثر من مشروع قانون موجود في المجلس النيابي، له علاقة مباشرة بتحسين الوضع الاجتماعي للبنانيين، مثال ذلك: سلسلة الرتب والرواتب، قانون المياومين، فضلاً عن مشروع "الاتحاد العمالي العام" المتعلق بالتغطية الصحية للمضمونين بعد تركهم العمل.

وتابع "المناخات السياسية الداخلية والاقليمية كانت تحول دون تحقيق هذه المشاريع ما أدى في المقابل الى خلق مناخات سلبية تأثر بها عمال لبنان والاكثرية الساحقة من البنانيين، سيما بعد أن تبين أن سياسة الاقتصاد الريعي التي اعتمدتها الحكومات المتعاقدة أثبتت هشاشتها في مواجهة التطلبات التي ضربت وتضرب لبنان، وأنتجت بالتالي عاطلين عن العمل في غياب سياسيات تشجيع قطاعات الانتاج والصناعة والزراعة والخدمات".

وأضاف غصن أن عبء النزوح السوري كان له آثاراً سلبية على مجتمع العمل اللبناني، ما ولّد -في ظل ضعف تعاطي الحكومة مع هذا الملف- منافسة غير متكافئة لليد العاملة اللبنانية وهذه مسؤولية تتحملها الحكومة التي فشلت في التحرك بشكل فاعل وجدي لمعالجة ملف النازحين السوريين، وبالتالي في تحميل أعباء هذا الملف الى الدول المعنية بالحرب على سوريا، لا تحميل لبنان عبء هذه المعضلة التي تتسبب في منافسة غير متكافئة لعمالة اللبنانية من ما يرفع من عدد العاطلين عن العمل.

وختم قائلاً: "نأمل أن تتبدل الصورة في العام 2014 ليتمكن عمال لبنان من تعويض الخسائر الجسيمة التي لحقت بهم في 2013، وأن بداية العمل تكمن أولاً في تشكيل حكومة وطنية جامعة تعمل على معالجة الملفات الاجتماعية والاقتصادية والحياتية، وثانياً في ملاقاة الاستحقاق الرئاسي بأجواء طبيعية ومن ثم انجاز هذا الاستحقاق في موعده".