أحبت الرياضيات وساهمت في إدخال مفهوم الكومبيوتر وطريقة استخدامه الى العديد من الطلاب الذين استعانوا بخبراتها وبثقافتها الواسعة في هذا مجال، في عصر كان الكمبيوتر حكرا على البعض، ومعضلة للبعض الآخر. انها مديرة مركز الدراسات الجامعية في الجامعة اليسوعية، "USJ"، فرع الشمال فاديا علم الجميل، التي تحدثت مع "النشرة الاقتصادية" حول مسيرتها المهنية في هذا المنصب، وعرضت لواقع المرأة في لبنان من ناحية الحقوق والمساواة مع الرجل.

حازت فاديا علم الجميل على إجازة في الرياضيات المطبقة على الكمبيوتر من الجامعة اللبنانية، وعملت في شركة متخصصة بالبرمجة، قبل أن تبدأ بالتعليم في الجامعة اليسوعية نهاية العام 1991، أي عندما بدأت دروس الكمبيوتر تصبح اجبارية. وفي العام 1999، قرر رئيس الجامعة الأب سليم عبو تعيينها مديرة عن قسم الشمال. واليوم، وبعد حوالي 15 سنة من استلامها هذا المنصب، لا تزال تتولى مركزها بجدارة، وتقود مسيرة مهنية ناجحة، تتجلى أوجهها بالانجازات المتلاحقة التي حققتها على مر السنوات.

- ما الذي ساعدك على التقدم مهنيا؟

أنا أحب عملي، وأهم عامل للنجاح هو المحبة، وسر النجاح هو الحب. فأي شخص يبحث عن الريادة والتقدم يجب أن يحب عمله ويحب الناس من حوله.

- هل صادفت أية صعوبات خلال مسيرتك المهنية؟

لا يوجد أي عمل خال من الصعوبات والمشاكل، لذلك أعزي نفسي بالقول أنه لو لا وجود المشاكل لما انوجد العمل، اذ أن جزءا كبيرا من عملي يقوم على حل المشاكل، وبالتالي لا مشاكل لا عمل. فمن واجباتي، كمديرة للجامعة، حل أي مشكلة تقع.

أما الصعوبة الثانية فكانت في البدايات، عندما تم تعييني في هذا المنصب، والمشكلة كانت أنني دخلت الى مجموعة جديدة موجودة من قبلي، وكنت العنصر الجديد بينهم. ومن الطبيعي في أي مؤسسة أو قطاع عمل، أن يواجه الرئيس الجديد بعض الصعوبات في التأقلم مع المجموعة في بداية الأمر، لأنها تعتبره دخيلا عليها. لكن تدريجيا، ومع مرور الأيام، بدأت هذه المشكلة بالتلاشي حتى اختفت كليا.

- هل واجهت أي تمييز لأنك امرأة؟

نعم واجهت تمييزا، وشك البعض في قدراتي كامرأة على تولي ادارة الجامعة. وعرفت بذلك بعد فترة من تعييني، كما علمت أنه خلال السنة الأولى التي استلمت خلالها هذا المنصب، كانت المراهنات كثيرة علي، فإما أنجح وأكمل أو أفشل وأتنحى. وأعتقد أن هذا التحدي كان موجودا فقط لأنني امرأة.

- ما الذي ساهم في نجاحك كمديرة ورفع من شعبيتك بين الطلاب؟

عملي يتمحور حول الشبان والفتيات، ووظيفتي كمديرة للجامعة، تفرض علي التعامل والتواصل معهم يوميا. لكننا نعيش في عصر الانفتاح والمعلوماتية، ولا يمكن أن نعامِل شباب اليوم مثلما كنا نعامَل قديما. لذلك أكون بمثابة أم وأخت للطلاب، وأتفاهم معهم على كافة الأصعدة، وأشرح لهم أسباب الـ"لا" أو الـ"نعم". كما أنني من خلال عملي، أحاول أن أزرع الأمل عند الشباب، وأتمنى دوما أن يتحول هذا الأمل الى أمل بالحياة، وبالتالي البقاء في لبنان.

فجيل اليوم مختلف عن الجيل القديم، ومن واجبنا أن نفهم أن الثياب والعقليات وطريقة التفكير، وكل شيء تغير، ومثلما أعلمهم، فأنا أتعلم منهم. اذ أصبحنا نعيش في ظل عصر مفتوح، حيث يمكن الحصول على جميع المعلومات بسهولة وسرعة، والأستاذ لم يعد المصدر الوحيد للمعرفة، بل صلة وصل بين المعلومات والطلاب.

كما أن كوني امرأة في هذه الحالة، هو عامل ايجابي، لأنه ساعدني على التقرب من الطلاب والاستماع اليهم والتعاطف مع مشاكلهم. وذلك لأنني أطمح بأن أترك بصمة ايجابية لديهم بعد التخرج، وهذا ما أعتبره أجمل طموح. وأسعى دائما لتبقى الجامعة اليسوعية في طليعة الجامعات في الشمال، وتستقطب الطلاب من كافة المناطق الشمالية.

- هل تحققت برأيك بعض المساواة بين الرجل والمرأة؟

هناك مراكز ومناصب لا يهم ان شغلتها امرأة أم رجل، لكن من منطلق العقل توجد بعض الأمور التي تحلها المرأة أسهل من الرجل، لذلك أنا لا أؤمن بالمساواة الكلية، فالمرأة امرأة، والرجل رجل، وهناك أمور تليق بالرجال أكثر من النساء، والعكس صحيح، كما أن هناك أعمال وممارسات لا تفرق بينهما.

لكننا كنساء مثلا لا نأخذ السيارة المعطلة الى الميكانيكي، فالمرأة بالاجمال لا تفهم بأمور السيارات، لذلك تستعين بالرجل في هذه الحالة، وبالتالي هناك أماكن تستوفي الاستعانة به، والعكس صحيح. وهذا أمر جميل لأنهما يمكلان بعضهما البعض.

- ما الذي لا زال يعيق من تقدم المرأة في لبنان؟

هناك جزء من تقوقع المرأة هي مسؤولة عنه، اذ أنها في الكثير من الأحيان تسكت عن حقوقها. فالولد نمد له يدنا في البداية لمساعدته على المشي وبعدها نتركه لوحده، وعليه حينها الاستفادة من ما قدمناه اليه. كما أن هناك فترة مرت، كانت خلالها المرأة تطالب بشدة بحقوقها، وكنا بذروة الاستعجال لنيل ما نريده، لكن الآن خف هذا الزخم وأصبح التحرك بطيء والمطالبة خجولة.

أما المشكلة الأساسية الأخرى عند المرأة هي أنها عاطفية بطبعها، وأنا بالطبع لست ضد العاطفة في التعامل، ولكن ضمن الحدود المعقولة.

- هل برأيك مجتمعنا اليوم ذكوري؟

المجتمع ذكوري نعم ولا، فالمرأة موجودة ولها مكانتها الخاصة فيه، والدليل على ذلك هو وصولها الى الريادة، وتوليها المناصب العالية. وأيامنا هذه مختلفة عن ما كانت عليه قبل 10 سنوات، اذ لم نكن نعيش في ظل الانفتاح الموجود اليوم، وكانت نسبة النساء العاملات ضئيلة جدا.

- كيف تقيمين دور الرجل في حياة المرأة العملية؟

بالاجمال هناك رجل متكل وآخر يتكل عليه، لكن بالنسبة الى الرجل في حياتي، فلطالما كان داعما، علما أنني دخلت الى مضمار العمل مع بداية انخراط المرأة في الوظائف والمهن في لبنان، وكانت الفكرة جديدة على المجتمع ولا يتقبلها الجميع.

لكنني أعتقد أنني أظلم زوجي في بعض الأحيان بسبب دوام عملي الطويل، لكنه يتأخر أيضا في عمله، كونه عميد كلية الاقتصاد في الجامعة أيضا.

- هل تؤيدين اقرار مبدأ الكوتا النسائية في البرلمان النيابي؟

أنا ضد مبدأ الكوتا، فالمرأة كالرجل، والكوتا تعني التفريق، في حين أن الفرق بينهما يكمن في الحياة والهوية الجنسية، وليس في المراكز والتعليم والشخصية والتعامل. كما أن الكوتا يمكن أن تساهم في وصول من لا يستحق المركز، لمجرد اشغار المقعد، وهذا ما يجب أن نتجنبه.

- في النهاية ما هي النصيحة التي تقدمينها الى المرأة؟

نحن نعيش في ظل مجتمع شرقي وذكوري في الطليعة، لكن للمرأة وجودها، وكلما تعلمت، كلما برزت أكثر وركزت وجودها أكثر. لذلك أقول لها "افعلي ما تحبينه"، فان كانت تفضل الزواج والبقاء في المنزل على التعلم والغوص في الحياة المهنية، أو العكس، فلتفعل ذلك، لكن بمحبة، التي تشكل أساسا متينا لجميع الأمور.

بالطبع هناك ظلم تجاه المرأة في الكثير من الأحيان، لكن بذكائها يمكنها التغلب عليه، فأنا مؤمنة بذكاء المرأة وفطنتها.