"ليس من الضروري أن يترشح الجميع على الانتخابات"، بحسب ما أشارت اليه مديرة معهد العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية فاديا كيوان، "فالترشح من المفترض أن يقوم ضمن مسار سياسي واستنادا الى برنامج عمل وتحالفات"، لافتة الى أنها "تقدر ترشيحات النساء اللبنانيات لكنها لا تحبذ دخول السياسة عن طريق التسلل". وذلك خلال اللقاء الذي جمعها مع "النشرة الاقتصادية" في مكتبها في مبنى الجامعة اليسوعية "Huvelin" في بيروت.

حازت فاديا كيوان على إجازة وماجستير في الفلسفة وعلم النفس من كلية التربية في الجامعة اللبنانية، قبل أن تنتقل بسبب الحرب الى فرنسا، وتحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة السوربون في باريس. عندما عادت الى لبنان، أعطت محاضرات في الجامعة اللبنانية واليسوعية ضمن الساعات المسموح لها بها في قوانين الجامعة اللبنانية. وعام 2000 قررت إنهاء عملها في القطاع العام، وانتقلت بشكل كلي الى الجامعة اليسوعية، حيث تم تعيينها مديرة للدراسات العليا، وخلال أشهر عينت نائب عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية، وبعد حوالي سنة ونصف قررت ادارة الجامعة اعادة تنشيط وتفعيل معهد العلوم السياسية الذي تأسس على يد الفرنسيين عام 1944، فأعادت كيوان تأسيسه وانطلق بالعمل وأصبح يشكل مؤسسة ضمن مؤسسات الجامعة اليسوعية في بيروت.

- ما الذي دفعك الى الاهتمام بالسياسة ولماذا اخترت مجال التعليم؟

كنت ناشطة سياسية في عمر 15 سنة، واهتميت منذ ذلك الوقت بالحياة السياسية وانتسبت الى حزب سياسي. في البداية كانت أمنيتي الدخول الى السلك الديبلوماسي، لكن الحرب أجبرتني على التوجه الى التعليم، وبالتالي مشيت في هذا الدرب. لم أفكر أبدا في التعليم والدكتوراه ولكن الظروف حكمت واضطررت الى سلوك هذا الاتجاه.

لكن يوما بعد يوم أصبح لدي شغف كبير للتعليم، لأنه أولا تبين لي تدريجيا أن لدي القدرة على ايصال فكرة ما بسهولة ووضوح، وعلى التواصل مع الناس. وثانيا لأن المواضيع التي أعلمها تستهويني، فأنا مهتمة بالسياسة، لذلك لا أشعر بأنني في عمل روتيني ومضجر.

والحياة المهنية فرضت علي أن أخفف من اهتمامي بالسياسية، كناشطة سياسية. فلم أعد ناشطة بالمعنى المباشر بل أصبحت أستاذة في العلوم السياسية وهذا أهم.

- هل صادفت صعوبات في مسيرتك المهنية لمجرد كونك امرأة؟

في عملي المهني لم أواجه صعوبات، كما أنني عندما كنت ناشطة سياسية، لم أواجه أي تمييز أولا لأنني كنت في حزب ليبرالي، وثانيا بسبب صغر عمري.

وعندما كبرت في السن لم أكمل نشاطي في هذا المجال، وفي هذه المرحلة من الممكن أن يواجه الانسان الصعوبات بسبب التنافس، فبالأصل هناك تنافس بين الرجال، وان أتت المرأة لمنافستهم أيضا سيحاولون بالطبع تحطيمها. لكنني لم أواجه هذه المشكلة لأنني لم أدخل بأي منافسة سياسية.

انما الحياة السياسية ليست ديمقراطية، فالرجل أيضا فرصه ضئيلة في هذا المجال لأن عملية التمثيل السياسي محصورة بهرم محدد.

- كيف عملت على مساعدة قضية المرأة في لبنان؟

خلال سنوات ما بعد الحرب، حكمت الظروف أن أتشارك مع بعص النساء في تفعيل دور لبنان في اعداد "مؤتمر بكين" للمرأة، وأصبحت أهتم من حينها بقضايا المرأة. لكن أعترف أن أولوياتي لم تندرج تحت اطار قضية المرأة، اذ أنني كنت أعتبر أنه يكفي عليها أن تقدم على خطوة حتى تنفتح أمامها جميع الأبواب.

كنت منخرطة في العمل في جمعيات نسائية، وشاركت في تأسيس الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، التي تعتبر هيئة متطوعة ولكن مدعومة من الحكومة، كما ساهمت في وضع قانون أساسي لها في منتصف التسعينيات، قبل أن يتم تعييني عضوا فيها عام 2003.

- لماذا لم نرَ فاديا كيوان بين المرشحات على الانتخابات النيابية القادمة في لبنان؟

ليس من الضروري أن يترشح الجميع على الانتخابات، فالترشح من المفترض أن يقوم ضمن مسار سياسي واستنادا الى برنامج عمل وتحالفات. أنا أقدر وأشجع ترشيحات النساء اللبنانيات لكنني لا أحبذ دخول السياسة عن طريق التسلل. أريد الدخول ضمن تحالف سياسي، وبحسب قانون الانتخاب المعمول به.

كما يجب التفرغ للغوص في الحياة السياسية، وأنا لم أتخذ قرارا بأن أتفرغ كي أترشح على الانتخابات. وشعرت أن الظروف الحالية للبلد، في ظل قانون انتخاب مجهول الهوية، وتطرف طائفي مذهبي وسياسة حزازيات، لا تستهويني.

لكنني لم أصرف النظر عن المشاركة، بحال تم اقرار كوتا في اللوائح، حيث على جميع اللوائح ضم النساء وحينها يصبح هناك تفاوض بين السياسيين. فمن الممكن أن أدخل الى المجال السياسي، لكنني أعتقد أن ظروف لبنان الحالية لن تتيح لي المشاركة، للأسف، في المنافسة السياسية والوصول الى مجلس النواب، وأنا لا أريد الدخول تسللا، ففكرة أن تفرض المرأة نفسها، أجدها مطاطة وخطيرة.

- ما الذي برأيك قد يساعد المرأة على الوصول الى المقاعد البرلمانية؟

اذا نظرنا الى كيفية فوز النواب بالمقاعد البرلمانية، نرى أن نظامنا طائفي وهناك كوتا للطوائف، وفي كل طائفة توجد بعض العائلات السياسية التي تتوارث العمل السياسي، والشعب لديه ولاء للأسر، فينتخب أعضاءها بشكل عفوي، ودون تفكير. ومع الوقت هناك توارث من جيل لآخر، وعادة في العائلية حكما هناك ذكورية والأولوية للرجل، لكن نلاحظ أنه عندما لا يكون هناك رجل تأتي المرأة مكانه.

لكن هناك 3 قواعد للدخول الى البرلمان في لبنان؛ الأولى هي قاعدة التمثيل المذهبي والطائفي الذي يتحقق عبر العائلية التي فيها ذكورية وأولوية للرجل. انما نلاحظ أنه عندما لا يكون هناك رجل تأتي المرأة مكانه، شرط أن تحافظ على الارث والنفوذ السياسي للعائلة.

القاعدة الثانية تتمثل في الموارد الاقتصادية، أي رجال الأعمال والمتعهدين والمقاولين الذين يستعملون نفوذهم المادي في الوسط السياسي والانتخابي للدخول الى البرلمان. وقلائل هن النساء اللبنانيات اللواتي يتملكن ثروات شخصية، فأغلبية ثرواتهن تكون عائلية، والثروة عائلية يديرها على الأغلب الرجال وبالتالي يترشحون هم، لذلك لا يمكنهن منافستهم في هذه النقطة.

أما القاعدة الثالثة فهي العلاقات الخارجية القوية، حيث يتم تزكية ترشيح الأشخاص من قبل جهات خارجية. لذلك لا يمكن للمرأة أن تدخل الا من خلال الكوتا.

وعلما أن الكوتا هي من أبغض الحلول، لكنها حل انتقالي لا بد منه بسبب الوضع في لبنان، وسيطرة الطائفية والعائلية. ولكن من المفضل أن كوتا في الترشيحات، لا أن تخصص مقاعد للمرأة، ذلك لكي تدخل على السياسة وليس على البرلمان بسهولة. اضافة الى أن هذه الطريقة لا تعطي الامتياز للمرأة على الرجل بل تدخلها ضمن الفرص نفسها.

- ما الذي برأيك ساعدك على التقدم مهنيا؟

مهنيا تقدمت بتعبي وجهدي، فالمؤسسة التي أديرها اليوم أسستها بنفسي، ولدي حاليا مئات الطلاب في قطاع، كان في الماضي يعتبر أنه لا يوجد الكثير من الطلب عليه، وهو غير مرتبط في سوق العمل. لكن نسبة 100% من طلابنا في الماجستير توظفوا، وأصبحنا معروفين دوليا واقليميا، ويأتي طلاب من الخارج للدراسة عندنا.

أعتبر أنني أنجزت شيئا يدعو الى الفخر، في هذا المجال المتواضع الذي أعمل فيه، فسنوات عمري التي مرت وقضيتها في هذا العمل، أثمرت النتائج وخلقت عمل وفرص عمل، لذلك أعتبر أنني أنشأت مؤسسة اقتصادية.

- كيف تقيمين واقع المرأة اليوم في لبنان؟

صورة المرأة في المجتمع التلقيدي دونية، ويعتبر البعض أن الذكور في الأسرة لديهم الحق في اتخاذ القرارات عنها، وبالتالي التطاول عليها. لذلك نسعى ليتم اقرار قانون يخلق رادعا عند الأشخاص، ليشعروا أن التطاول على امرأة سيؤدي الى معاقبتهم.

لكن مشروع قانون العنف الأسري ضد المرأة طالت سيرته، وحتى اليوم لم نتمكن من انجازه في مجلس النواب ويتم تناقله من جارور الى آخر، وهذا الأمر مؤسف لأن لبنان يتغنى بأنه بلد متطور ولم يتمكن حتى من اقرار هذا القانون.

تقدمت المرأة من خلال النقلة النوعية التي حققتها عندما تعلمت وانخرطت في المدارس والجامعات، وبالتالي أصبحت مثقفة وحاملة للشهادات عالية. لكن نسبة النساء العاملات في لبنان هي دون 30% ومحصورة بفئات عمرية بين 25 سنة و35 سنة، تنخفض من عمر 30، وتبدأ بالتقلص. وهذا الأمر يدل على أن المرأة تحب الانخراط في عمل لكن لا تتمكن من التوفيق ما بين المهام الأسرية والعمل. وهنا للمجتمع دور هام في معالجة هذه المشكلة وخلق تسهيلات للمرأة كي تتمكن من تحقيق الاعتدال بين عملها وبين أسرتها.