من يراقب البيانات والتعاميم الصادرة عن ​مصرف لبنان​ في المدة الأخيرة وخصوصاً منها التعميم الرقم 158 والمتعلق بإجراءات استثنائية لتسديد تدريجي لودائع ب​العملات​ الأجنبية، حيث يتم سداد مبلغ 400 دولار شهرياً من حسابات المودِعين الأجنبية، تضاف إليها حصة بالقيمة عينها يتم صرفها بالليرة بسعر المنصّة المستحدثة لدى مصرف لبنان المركزي، أي في حدود 12 ألف ليرة حاليًّا أو ما يوازي 4.8 ملايين ليرة اعتباراً من تموز المقبل، يقفز الى منطق التحليل أمران؛ اولهما: إن المُراد منها تهريب ما تبقى من ودائع المواطنين من جشع الدعم المقنّع والمتهّور الذي تفاخرت به الحكومة المستقيلة منذ عام تقريباً لتمويل ​التجار​ وخدمة التهريب و​إنقاذ​ الاقتصاد في البلد المجاور على حساب ​الاقتصاد اللبناني​، والأخطر على حساب المودع اللبناني الصغير الذي يعتمد في حياته على ما ادخره في المصرف بكد وجهد، على أمل ضمانة حياة لائقة وشيخوخة مأمونة .

ثانيهما: تطبيق " هيركات" بصورة غير مباشرة على حسابات الودائع في ​المصارف​ لاسيما وإن المودع الراغب بالحصول على عملة ​الدولار​ سيكون مجبراً بالقبول بالحصول على نفس المبلغ بالليرة اللبنانية.

هل ظلم او أحرج تعميم مصرف لبنان الاساسي الرقم 158 المرفق بالقرار 13335 والمتعلق باجراءات استثنائية لتسديد تريجي لودائع بالعملات الاجنبية المصارف ؟

هل جميع المصارف قادر على الالتزام به سيما وسط مواقف معلنة انه لايمكن الاستمرار بتطبيق التعميم على المدى الطويل ؟

هل سيحقق هذا التعميم الإنفراج الفعلي للمودعين ؟ وما هي النصيحة الواجب توجيهها الى المودعين ؟

بعض الجهات المصرفية اعتبر التعميم مجحفاً بالنسبة إلى المصارف لأن كل ما تملكه الأخيرة لدى البنوك المراسِلة هو نسبة الـ3 في المئة من العملات الأجنبية التي كوّنتها وفق تعميم مصرف لبنان الرقم 154. وقد يستطيع بعضها وبصعوبة تطبيق مضمون التعميم وتحمّل صعوبته، مع الأخذ في الاعتبار خفض الاحتياطي الإلزامي للمصارف لدى مصرف لبنان إلى 14 في المئة بانخفاض 1 في المئة أي بما يوازي مليار ونصف مليار دولار،لكن التخوّف يكمن في حال تخطّت فترة تطبيق القرار فترة السنة ولم يتدخّل ​صندوق النقد الدولي​ لإنقاذ البلاد، عندها ستنضَب أموال المصارف في الخارج وبالتالي ، ستعمد البنوك المراسِلة إلى إقفال حسابات المصارف اللبنانية فتخرج عندها من الأسواق التجارية العالمية، تماماً كما أخرَجَها التوقف عن دفع الدولة ديونها المستحقة من سندات الـ"يوروبوند"، من الأسواق المالية العالمية.

من جهته، خبير مصرفي مراقب قال " للاقتصاد" : كنت افضل بقاء هذه الأموال محفوظة في مصرف لبنان ، على ان تدفع حقوق المودعين كاملة في ما بعد.

لقد شهدنا سلسلة محطات منذ العام 2019 تتراوح بين الدفع لتمويل الدعم للكهرباء، و​المحروقات​ و​الادوية​، والمستلزمات الطبية والطحين وبين تعليق الدفع او التوقف عنه. وها نحن بعدما رفض " المركزي" إعطاء سلفة للكهرباء بقيمة 200مليون دولار من حساب الاحتياطي وهو حساب الودائع ، تسارع الحكومة الى اصدار قرار ملزم لتحرير مبلغ تحت ضغوطات العتمة الشاملة.

وتساءل الخبيرعن القانون الذي يجيز ​آلية​ استعمال هذه الودائع، لا بل السطو على اموال المودعين لافتاً الى انه مع تتبع الأحداث منذ 9آذار تاريخ الإعلان عن تعثّر الدولة في تسديد استحقاقات سندات اليوروبوندز وما رافقها من خطة اقتصادية تم سياق حملة حولها انها انقاذية، فوجئنا بعدم اعترافها بحقوق الدائنين لدى الدولة وهم في غالبيتهم من المصارف.

ويقول: كان الاعتقاد سائداً ان دين لبنان هو بمعظمه داخلي وليس معرّضاً للمخاطر. إلا إن الأمور لم تكن كذلك، فالإعتراف الحالي بقيمة الدين لا يتجاوز ال 22مليار دولار، فيما تم شطب ما بين 70و 72مليار دولار.

هذه اول " دعسة ناقصة"، تبعهاعدم التفاوض المباشر مع الدائنين .

التجربة ال​قبرص​ية

وأشار الخبير الى ان قبرص التي صادفت ازمة مماثلة قبل 7 سنوات لجأت الى اتخاذ خطوات سريعة اهمها:

- وقف التعامل بالحسابات المصرفية.

- اللجوء الفوري الى ​الترويكا​ الاوروبية وصندوق النقد الدولي حيث تم وضع قواعد وشروط اصلاحية صادق عليها ​البرلمان القبرصي​ خلال 24 ساعة ، كما أقفلت المصارف المتعثّرة .

- شطب ما نسبته 40% من قيمة الودائع مقابل الإعتراف بال 100 الف يورو كضمانة لكل حساب.

كل هذه الاجراءات وغيرها الآنفة الذكر افضت الى حصول قبرص مؤخراً على ​تصنيف ائتماني​ BBB وهو قريب من تصنيف كل من ​الولايات المتحدة الاميركية​ والمانيا.

وعن خلفيات التعميم اعتبر انها قد تكون مرتبطة بالمحافظة على صغار المودعين ، ومن ناحية اخرى، لحمل المصارف على المساهمة في الحسابات الخارجية بهدف تغطية ​السيولة​، سيما وانها لا تؤمّن إعادة تكوين الرسملة اللازمة اليوم.

وقد يكون التعميم ظالماً مع نكران السلطة لحجم الدين المتوّجب عليها للقطاع المصرفي ،الذي يتحفّظ عن ضخ الأموال طالما انه سيذهب في المكان غير الصحيح.

ويقول: في العام 2019، كان هناك حوالي 37 مليار دولار كاحتياط لم يبق منها اكثر من 13 مليار دولار اليوم بينما هناك اكثر من 20 ملياردولار من حق المودعين والمصارف. فالدولة تستسهل وتسترسل في وضع اليد على آخر فلس، مرة من اجل ​الكهرباء​، وأخرى من اجل الدواء والخ... ومن الطبيعي، ان لايكون لدى المصارف القدرة اللازمة لتطبيق التعميم رقم 158. من هنا، فإن هذا الاجراء يبدو كمسكّن موضعي، مرسوم له عدم الصمود وانما لتمرير استحقاق معيّن.

وبرأيه، انه على المودعين عدم المسّ بودائعهم والانجرار وراء سحبها بفعل هذا العروضات التي ما هي سوى مقدمة لعدم الإعتراف بكاملها. لقد اصبح واضحاً ان الدولة لن تدفع اي اموال بعد شطبها 72 ملياردولار. فكيف ستعترف بودائع اللبنانيين؟

ولو تم اتخاذ الاجراءات المناسبة في آخرعام 2020 ،لكنا استطعنا تحصيل ما نسبته 75% من الودائع. اليوم يتم تحصيل 45% ولكن اذا استمرينا على هذا المنوال لن يتم تحصيل اي منها.

حتى تاريخه وقبل 30 حزيران موعد تطبيق التعميم، لا تبدو الأمور على خير ما يرام وسط تململ واضح لاصحاب المصارف وضياع لافت للمودعين الذين يطمحون الى تحصيل حقوقهم كاملة بأقرب فرصة .

ولكن يبدو ان ثمة من يراهن على عامل الوقت قبل حصد النتائج خصوصاً وان ​مجلس النواب​ ينشط على إقرار قانون الكابيتال كونترول الذي يبقى بدوره معقدّاً إضافة الى كونه لزوم ما لايلزم بعدما انتقال الحسابات الكبرى الى خارج البلاد.