عقد اتحاد ​المصارف​ العربية منتدى: "تحديات الامتثال وتعزيز العلاقات مع المصارف المراسلة" صباح يوم الخميس في العاصمة اللبنانية بيروت، شارك فيه نخبة من القيادات المصرفية العربية واللبنانية القادمة من 19 دولة.

تحدث في حفل افتتاح فعاليات المندى على التوالي الأستاذ وسام فتوح الأمين العام ل​اتحاد المصارف العربية​، الدكتور احمد بن سنكر عضو مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية – الجمهورية ​اليمن​ية، الأستاذ محمد بن عمر المدير العام للمنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات – تونس، معالي الدكتورة سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي سابقا، والمدير التنفيذي في البنك الدولي سابقا، عضو مجلس مجلس إدارة Allianz، واستاذة في قسم الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة – مصر وسعادة الأستاذ بشير يقظان نائب الحاكم – ​مصرف لبنان​.

استهل حفل الافتتاح الأمين العام للاتحاد بكلمة أكد فيها:

ولا يخفى على أحد أن ​العقوبات​ الاقتصادية وما يتتبعها من تجميد للأصول وتحقيقات مالية وجنائية، باتت تستخدم اليوم كسيف مسلّط وسلاح مدمّر على دول العالم كله، تلجأ اليه الدول العظمى للدفاع عن مصالحها السياسية والاستراتيجية بديلاً عن اللجوء الى حروب طاحنة تكبّدها خسائر بشرية وأضرار كبيرة، ويساعدها في ذلك إمساكها بالمفاصل الأساسية للإقتصاد العالمي.

وأضاف كما تعلمون فإن عدم الإمتثال للقوانين والتشريعات الدولية المرعية والصادرة عن الهيئات الرقابية وخاصةً الأميركية منها والمتعلّقة بقوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومحاربة الفساد ينتج عنها مخاطر سمعة كبرى للدول بشكل عام، وللمصارف والمؤسسات المالية بشكل خاص، قد تؤدي إلى قطع علاقاتها مع المصارف المراسلة أو حتى إلى زوالها من الوجود.

مشيرا الى انه وقد تتسبب العقوبات على المصارف والمؤسسات المالية بتنامي ظاهرة صيرفة الظل (Shadow Banking)، حيث تبرز مشكلة جديدة تتجلى في ظهور قنوات مالية غير خاضعة لأي نوع من أنواع ال​رقابة​.

وأوضح ان الحلّ الموضوعي في هذا المجال يتطلّب تشدداً أكثر في الرقابة الداخلية والتوسّع في المعلومات والمعطيات الهادفة إلى تطبيق أشمل لقاعدة "إعرف عميلك"، وتوسيع آليات التنسيق والتعاون ما بين القطاع المصرفي والسلطات الرقابية والقضائية والأمنية. كما يؤدي الخروج من المنظومة المالية والمصرفية الدولية أو التعرّض للعقوبات الى ما يعرف بالتهميش المالي (Financial Exclusion) لفئات كثيرة من المجتمع ما يعيق تقدمها وازدهارها.

ونشهد ان عالمنا العربي يقع في عين اللعبة الدولية حيث تتفجر فيه وحوله الصراعات الجيو-سياسية، فمن تصعيد العقوبات على بعض الافراد والمنظمات، إلى ​الحروب​ والصراعات في بعض الدول العربية، ولا ننسى بالطبع الحرب في ​سوريا​ وهي من أهم الحروب في القرن الواحد والعشرين. هنا تجد المصارف والمؤسسات المالية العربية نفسها في قلب الحدث، وفي ساحة المعركة، وهنا تجد السلطات الرقابية والسلطات الامنية والقضائية نفسها في مواجهة مع المنظمات والافراد الذين يحاولون إستخدام القنوات المالية للوصول إلى أهدافهم.

واكد ان القطاع المصرفي اللبناني استطاع تأمين استمراريته واستمرارية فروعه خارج لبنان العاملة في اكثر من 30 بلداً مع ميل بارز الى الانكفاء المنظم والخروج من عدة اسواق من خلال بيع بعض الفروع الخارجية أو إقفالها.

وختم الامين العام مؤكدا حرص إتحاد المصارف العربية على إعطاء موضوع الإمتثال للقوانين والتشريعات الدولية، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الأهمية القصوى، بإعتباره من أخطر المشكلات التي تؤثر على مسار المهنة المصرفية العربية، وعلى العلاقات بين قطاعنا المصرفي العربي والمصارف المراسلة، والمؤسسات الرقابية الدولية.

ثم تحدث الدكتور احمد بن سنكر عضو مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية ممثل المصارف اليمنية، موضحا انه:

من خلال إهتمام المؤسسات والمنظمات في العالم أجمع بما في ذلك الجهات التشريعية والرقابية في تحديد معايير وضوابط رقابية للعمل المالي والمصرفي ودأبت على تطبيقها وتعميمها وقد أصبحت ملزمة للإلتزام والإمتثال بتنفيذها.

إتضح للجميع في المؤسسات المالية والمصرفية بأنه لا بد من المضي في تجسيد العمل المالي والمصرفي من خلال تطبيق المعايير اللازمة بل وتطويرها وإستحداث البرامج التكنولوجية بهدف فرض رقابة محكمة من خلال منظومة متكاملة تخدم العمل الرقابي على هذه المؤسسات وتحسين أداءها، وأن كل هذا بالمقابل يعزز ثقة العملاء بالمؤسسات المالية والمصرفية.

وأكّد سنكر

لهذا كان لمجموعة العمل المالي والدولي (FATF) إصرارها على تطبيق معاييرها لما له من أثر إيجابي وجعلت من هذا الإلزام ورشة عمل مستمرة وتتوسع مع مرور الزمن وقد شهدت فعاليات مختلفة هادفة إلى تعزيز التدابير المتخذة لمكافحة غسل الأموال والإرهاب، والتي تم تطويرها بشكل تدريجي وها هي تطبق وبشكل فعال.

وأكّد أنّ اليمن منذ بدء تطبيق هذه المعايير المتفق عليها دولياً شرعت في تفعيل العمل بها في المؤسسات المالية والمصرفية وقد التزمت الجمهورية اليمنية وممثلة بالبنك المركزي اليمني بشكل كامل بكل القوانين والتعاميم ذات الصلة وكرّست الجهود التي جسدت التزام الحكومة والبنك المركزي والبنوك والمصارف اليمنية.

وأوضح أنّ البنك المركزي الرئيسي – عدن والبنوك والمصارف العاملة في بلدنا بالرغم من الظروف التي تمر بها البلاد في العشر السنوات الأخيرة وما يشهد القطاع المصرفي اليمني من متغيرات وتحديات صعبة ومواجهته ما لم تواجهه منظومة مصرفية في العالم إلاّ أننا أحب أن أؤكد لكم بأنه بالرغم من ذلك ظل هو القطاع الصامد بأدائه وحافظته على علاقته والتزامه بتطبيق بكافة المعايير الدولية والمرتبطة بالجوانب الرقابية، وكذلك التزامه والحفاظ على علاقاته الوثيقة بمراسليه بالرغم من الإجراءات التي إتخذت من قبل المراسلين الخارجيين بسبب نسبة المخاطر التي إرتفعت بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد.

اما الكلمة الثالثة للاستاذ محمد بن عمر الأمين العام للمنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات حيث قال:

نرى أنّ مرحلة الإنتقال إلى المجتمعات الرقمية يجب أن ترتكز على أربعة ركائز أساسية: التحوّلات الرقميّة، التجديد الرقمي، الإندماج الرقمي والثقة الرقميّة. وموضوع الثقة الرقميّة، يوصلنا للحديث عن موضوع هذا المنتدى وهو الثقة في الحلول المالية الرقميّة.

نعلم جميعاً أنّ التطوّرات التي شهدتها سنة 2020 من خلال جائحة كورونا أدّت إلى إقبال كبير إستعمال التكنولوجيا والتطبيقات والخدمات الرقميّة، بما في ذلك الخدمات المصرفية والمعاملات الماليّة وأود أن أنوّه هنا على الجهود التي بذلتها العديد من المؤسسات المالية في البلدان العربية خلال الجائحة للمساهمة في إحترام تدابير الحماية للمواطنين وذلك عبر المرور سريعاً إلى البديل الرقمي في التعامل مع عملائها.

ولكن بقدر ما كان هذا الخيار ذا فائدة على المواطنين بقدر ما فتح الباب أمام العديد من التحديات الأخرى، ومن أهمها طبعاً مسألة الأمن السيبراني والثقة الرقميّة. اليوم نحن من منطلق مهامنا كمنظمة متخصّصة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نشجّع كل المؤسسات العربية المالية على إعادة صياغة مناهجها التقليدية وتبني عقليّة الرقمنة أولاً Digital First ولكن من ناحية أخرى طبعاً نشدد على ضرورة أن تكون هذه المعاملات مؤمّنة بالكامل وذلك حرصاً على رفع وتعزيز ثقة العميل في المعاملات المالية الرقميّة.

من جهتها تحدثت معالي الوزيرة السابقة الدكتورة سحر نصر فاعتبرت اننا:

نلتقي اليوم في ما تواجه المنطقة العربية والعالم جائحة كورونا، والتي أدّت إلى التباعد الاجتماعي، ويُحكى في الوقت عينه عن أهمية الشمول المالي في القطاعات المصرفية والمالية، ولا سيما حيال التعامل مع البنوك المراسلة.

وأضافت نصر، أن التحديات والتحوُّلات الكبيرة في العالم تستوجب مواكبتها ومن أبرزها التحوُّل الرقمي في التكنولوجيا الحديثة وزيادة التجارة الدولية بغية زيادة فرص العمل للشباب وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وأكدت نصر اننا يجب أن نتحضر لما يحقق التوازن بين أهمية الضوابط العالمية في ظل الالتزام المالي وعدم التعرُّض لتجنُّب المخاطر ولا سيما في منطقتنا العربية. لذا يجب القيام بالتوازن بين الضوابط والمعايير العالمية تجاه المصارف المراسلة وعدم التضييق على القطاع المصرفي. وختمت الوزيرة نصر، أن التوازن بين الخصوصية وبيانات المصارف ضروري بغية أن تُحل التحديات وأن تكون مسألة البيانات وفق قاعدة بيانات شاملة، وذلك من أجل الوصول إلى التنمية المستدامة. وأوضحت ان ، تواجه المصارف تواجه تحديات ولا سيما في المنطقة العربية، لكن من خلال التعاون المصرفي في المنطقة العربية يمكن أن نُخفف من التحديات الراهنة.

الكلمة الختامية كانت للأستاذ بشير يقظان نائب حاكم مصرف لبنان تناول فيها الأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان وضرورة التعاون المصرفي في منطقتنا العربية مع المصارف المراسلة

إن الحروب القائمة في المنطقة والعقوبات المالية المفروضة على بعض الدول والمنظمات، تدفع بالمصارف العالمية إلى التمادي في سياسة تقليص المخاطر في المنطقة العربية. لا شك أن هذا التشدد الذي يشهده العالم في مجال تطبيق نظم الإمتثال وظاهرة تجنب المخاطر "De-Risking" هو من العوامل الاساسية التي ينبغي التنبّه إليها لحماية النظام المالي والمصرفي في منطقتنا.

وأشار الى ان سياسة تقليص المخاطر إن طبقت بطريقة عشوائية تؤدي حتما الى حرمان فئات كاملة من العملاء أفراداً ومؤسسات وشركات وجمعيات وغيرها من الاستفادة من الخدمات المالية الأساسية ما يدفعها الى التعامل النقدي والبحث عن خدمات مالية بديلة ذات رقابة محدودة، والذي يشجع تلقائيا ما يسمى بـِ "صيرفة الظل" اي الـshadow banking.

واكد الأستاذ يقظان: إن مصرف لبنان يشدد على ضرورة الحفاظ على دور القطاع المصرفي اللبناني في المنظومة المصرفية العالمية ويؤمن بأن الإلتزام بالمعايير الدولية في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب يحمي المجتمعات والاقتصادات والمصارف من مخاطر هذه الأعمال. فهذا الامر أولوية لديه لكونه يعزز سلامة القطاع المالي والمصرفي ويَحميه من المخاطر لا سيما مخاطر السمعة، علماً أن لبنان شريك في الجهود الدولية المبذولة في هذا المجال، وذلك من خلال مشاركة هيئة التحقيق الخاصة بأعمال المنظمات الدولية والتعاون مع المصارف المركزية والهيئات الرقابية الأجنبية.

وأضاف: تعزيزاً للشفافية ولتفعيل الإدارة الرشيدة لدى المصارف في لبنان، طوّر مصرف لبنان، من خلال سلسلة من التعاميم، الإطار التنظيمي للقطاع المصرفي والهيكلية الإدارية للمصارف ما يضمن التطبيق السليم لمبادئ الحوكمة. فبعد تنظيم عمل دائرة الإمتثال في المصارف، طلب إنشاء لجنة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب منبثقة عن مجلس الإدارة برئاسة عضو مجلس إدارة مستقل مهمتها مساندة مجلس الإدارة في ممارسة دوره الإشرافي في إطار مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وفهم المخاطر ذات الصلة ومساعدته على إتخاذ القرارات المناسبة بهذا الشأن. واعلن ان مصرف لبنان انشأ وحدة امتثال لديه بهدف التأكد من مطابقة العمليات التي تمرّ من خلاله للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء ومن امتثال المصارف والمؤسسات الخاضعة لرقابته للقوانين والأنظمة.

وعن الأوضاع في لبنان ، أوضح يقظان ان لبنان يمر حاليا بأوضاع صعبة للغاية نتيجة الصدمات المتلاحقة التي عصفت به مؤخراً، ابتداءً بالأزمة المصرفية وفقدان السيولة بالعملات الأجنبية وأزمة سعر صرف الليرة اللبنانية وما لذلك من ارتدادات سلبية وجدية على الوضعين الإقتصادي والإجتماعي، مروراً بقرار الحكومة تعليق دفع سندات اليوروبوندز ب​الدولار​ الأمريكي ما أدى الى تخفيض التصنيف الإئتماني السيادي الى درجة "متعثر default". مع كل هذه الأزمات، كان لجائحة كورونا دور في تفاقم الركود في كافة القطاعات الاقتصادية إضافةً الى انفجار مرفأ بيروت الذي تسبب بخسارة لا تعوض بالأرواح واثار نفسية مؤلمة في ذاكرة اللبنانيين فضلاً عن خسائر مادية مباشرة قدرت بالمليارات. وما فاقم الأزمة تعقيداً هو عدم النجاح في تشكيل حكومة لأكثر من تسعة اشهر حتى الأن.

ودعا نائب حاكم مصرف لبنان الى تكثيف التعاون والتواصل من قبل جميع المصارف في منطقتنا مع البنوك المراسلة لتعزيز الشفافية وتوطيد العلاقات معها. كما أنّ وضع سياسات واجراءات شاملة تلبي متطلبات القوانين وقواعد العمل والتوصيات الدولية والحرص على تطبيقها بشكل فعال، شروط اساسية لبناء جسور الثقة وتخفيف اثار سياسات تقليص المخاطر وحماية نظامنا المالي

كما وقدم اتحاد المصار العربية درعا تكريميا وفاءا لروح المرحوم الأستاذ الشريف عبد الرازق – الرئيس التنفيذي الاسبق لمجوعة الالتزام والحوكمة في البنك الأهلي المصري واستلمت كريمته الدرع التكريمي وكان لها كلمة شكر للاتحاد.