مشكلة الاستثمار في عملة "​بيتكوين​" هي أنها تبدو بشكل غريزي جيدة جدا فوق الحد لدرجة يصعب تصديقها.

تبلغ قيمة أكبر عملة مشفرة من حيث الحجم 600% اليوم أكثر مما كانت عليه قبل عام، حيث ارتفعت من نحو سبعة آلاف دولار إلى 54 ألف دولار، أصبحت في هذه الأثناء واحدة من أفضل الأصول المالية أداء في 2020. على الرغم من اشتمالها على بعض التقلبات المتطرفة في الأسعار، إلا أن الاندفاع الذي استمر لمدة عام يتحدى حتى الآن المخاوف من تكرار الانهيار المذهل لأسعار عملة "بيتكوين" في 2018.

العوائد اللافتة للنظر تجعل من الصعب حتى على المشككين المتعصبين في العملة المشفرة عدم التفكير في وضع أموال في عملة "بيتكوين"، كما أن كثيرا من المشككين على المدى الطويل يتساقطون. جيمي دايمون، رئيس البنك العملاق، "​جيه بي مورغان​"، في ​الولايات المتحدة​، هو مجرد أحد المتشائمين البارزين بالعملة المشفرة الذي تحول إلى الاتجاه الصعودي في الأعوام الأخيرة. ومن بين رواد المهللين الذين ظهروا أخيرا إيلون ماسك، رئيس "​تسلا​" وعدد من مديري ​صناديق التحوط​ ​المليارديرات​ الذين اقتنعوا بأنها المكافئ الرقمي للذهب، بينما سعر صرف عملة "بيتكوين" مقابل ​العملات​ التقليدية أمامه حتى مجال أكبر للتحليق إلى الأعلى.

فهل عملة "بيتكوين" مجرد مخطط "بونزي" كبير أم فرصة استثمارية حقيقية؟ هل ينبغي لمستثمري ​التجزئة​ الاستسلام لإغراء الدخول مثل الآخرين؟ متخصصون ماليون داخل سوق العملات المشفرة وخرجها رأيهم في هذا المجال لا يزال منقسما بشكل حاد. أدى الأداء المتألق الأخير إلى تحويل بعض المتشائمين إلى متفائلين. لكن الرافضين المتشددين يحذرون من أن الفقاعة التي أصبحت أكبر من قبل لا تزال فقاعة.

حتى عشاق العملات المشفرة المتحمسين يترددون في المراهنة على مدخرات حياتهم على أحد الأصول المرتبطة بمستويات من التقلب تسبب القشعريرة. حتى بين هؤلاء المتحمسين، يقصر كثيرون ​استثمارات​هم على 1-2% من محفظتهم الاستثمارية.

بغض النظر عما إذا كانت العملات المشفرة هي المكافئ الرقمي للذهب على المدى الطويل، فإنها توفر اليوم للمحتالين أرضية صيد ثرية.

هل الأمر مختلف حقا هذه المرة؟

منذ بداية شهر كانون الثاني، ارتفعت قيمة عملة "بيتكوين" 85% وفي منتصف نيسان وصلت إلى أحدث مستوى في سلسلة من الارتفاعات القياسية عند 65 ألف دولار. الشركات التي تعمل في قطاع العملات الرقمية تجتذب طوفانا من الأموال. في تعويم (تقليدي) في سوق الأسهم أخيراً، قدر المستثمرون قيمة "كوينبيز"، بورصة العملات المشفرة التي أطلِقت قبل أقل من عشرة أعوام، بـ 72 مليار دولار، ما يجعلها متساوية مع بنك "بي إن بي باريبا" الفرنسي الذي تمتد جذوره إلى 1848.

الشباب في طليعة الاستثمار. أظهرت دراسة أجرتها شركة الوساطة تشارلز شواب في ​المملكة المتحدة​، أن المستثمرين من جيل الألفية وجيلZـ، من المرجح أن يشتروا العملات المشفرة أكثر من الأسهم وأن أكثر من نصف من شملهم الاستطلاع (51%) تداولوا العملات الرقمية.

بعد عام من الأسعار المتصاعدة، يحذر المتشائمون من الخطر المتزايد لانهيار على غرار 2018. يجادل المتفائلون بعملة "بيتكوين" بأن الاندفاع الحالي يختلف عن انفجار فقاعة 2018، عندما انهار السعر من أكثر من 16 ألف دولار إلى ثلاثة آلاف دولار فقط. اليوم، كما يقولون، العملة مدفوعة بالطلب من شركات التداول المحترفة والمستثمرين المؤسسيين الذين يجلب وجودهم الاستقرار.

لا يوافق الجميع على ذلك. يقول ديفيد روزنبيرغ، وهو اقتصادي كندي ورئيس شركة "روزنبيرغ للأبحاث": "الأمر ليس مختلفا هذه المرة. لا توجد عصور جديدة، على الرغم مما يخبرك به المروجون. تأتي فقاعات أسعار الأصول، وتذهب الفقاعات، لكن لا يصحح أي منها بالتحرك يمينا أو يسارا".

وجدت دراسة تشارلز شواب، أنه على عكس المستثمرين الأصغر سنا، فإن الذين تبلغ أعمارهم 55 عاما أو أكثر يظلون على الهامش بحزم، حيث يتداول 8% فقط من المشاركين في الاستطلاع في هذه الفئة العمرية بالعملات الرقمية.

قد يكونون على حق في ذلك. خسر المستثمرون على مستوى العالم أكثر من 16 مليار دولار منذ 2012 في عمليات الخداع والاحتيال المتعلقة بالعملات المشفرة، وفقا لمنصة الإفصاح "Xangle". حذرت سلطة السلوك المالي، هيئة الرقابة المالية في المملكة المتحدة، هذا العام من أن المستثمرين يمكن أن يخسروا 100% من أموالهم عند تداول العملات المشفرة. لم تسع السلطة إلى حظر التعاملات بالعملات المشفرة لكنها حظرت بيع المشتقات على الأصول المشفرة لعملاء التجزئة في المملكة المتحدة.

نظرا لأن أسواق العملات المشفرة غير منظمة، فليس لدى المستثمرين من يلجأون إليه للحصول على المساعدة إذا وقعوا ضحية للاحتيال. يمكن أن تكون البورصات وهمية ويختفي مؤسسوها. قد يتبين أن ​العملة الجديدة​ هي نسيج من الأكاذيب.

يقول إيان تايلور، الرئيس التنفيذي لمجموعة الضغط "CryptoUK": "هناك الكثير من عمليات الاحتيال والعمليات الإجرامية التي تستهدف الأفراد ومن المهم جدا إدراك أنه لا يوجد مكان لالتماس العون في سوق غير منظمة".

مصدر قلق آخر للمستثمرين هو ​البصمة​ البيئية للعملات المشفرة. تعادل انبعاثات ​الكربون​ المرتبطة بعملة "بيتكوين" انبعاثات ​اليونان​، وفقا لبحث أجراه "​بنك أوف أميركا​"، لأن العملات المعدنية يتم إنشاؤها أو "تعدينها"، في مراكز حاسوبية ضخمة، تحرق ​الكهرباء​ وتولد الحرارة.

ما القواعد الأساسية؟

يقول متخصصو العملات المشفرة إن أهم قاعدة للمستثمرين هي الاستعداد لخسارة كل أموالهم.

في 13 نيسان، بدأت عملة "بيتكوين" في انخفاض حاد، وانخفض سعر صرفها 23% خلال أقل من أسبوعين. يقول ماركوس سوانبويل، الرئيس التنفيذي لشركة "لونو"، وهي بورصة عملات مشفرة تركز على البيع بالتجزئة لديها أكثر من خمسة ملايين عميل، إنهم في بعض الحالات كانوا يجهدون أنفسهم فوق طاقتهم. استطلعت "لونو" عملاءها العام الماضي، ووجدت أن 55% ليس لديهم استثمارات أخرى.

يقول: "لا تنفق أبدا أموالا أكثر مما يمكنك تحمل خسارته. إنها مخاطرة كبيرة، لا شك في ذلك".

ويرى معظم محللي الاستثمار في التيار السائد أن التقلبات الشديدة في سعر الصرف تعني أن التعرض للعملات المشفرة يجب أن يظل عند نسبة منخفضة من المحفظة.

يقول ثانوس باباسافاس، مؤسس مجموعة الأبحاث "ABP Invest"، الذي لديه خلفية لمدة 20 عاما في إدارة الأصول: "أتفهم ما إذا كنت ترغب في شراء العملة لأنك تعتقد أن السعر سيرتفع، لكن تأكد من أنها جزء صغير جدا من محفظتك، ربما 1 أو 2%".

اقتراض الأموال لزيادة صفقات التداول من خلال الرفع المالي يؤدي إلى تضخيم المكاسب، لكنه يؤدي إلى تضخيم الخسائر أيضا. نظرا لعدم وجود قواعد رسمية، تتيح منصات التداول للمستثمرين المراهنة بمضاعفات الأموال التي يودعونها، ما يؤدي إلى تضخيم المبلغ المعرض للخطر بما يصل إلى 100 مرة.

يقول أبهيشيك ساشديف، خبير المشتقات ورئيس فيدانتا للتحوط: "الرفع المالي على فئة أصول مجنونة هو وصفة لكارثة".

اختيار العملة الصحيحة مهم أيضا. هناك المئات من العملات المشفرة. معظمها عديمة القيمة وبعضها مجرد خدع. عملة "بيتكوين" هي العملة الأقدم والأكثر سيولة وهي التي تتمتع بالدعم بسبب استثمار المؤسسات بسبب محدودية العرض.

وفقا لتصميمها الأصلي المستند إلى ​الكمبيوتر​، سيكون هناك 21 مليون عملة "بيتكوين" فقط على الإطلاق وسيتم تعدين 99% من هذه العملات بحلول عام 2030. العملات المشفرة الأخرى ليست محدودة بهذه الطريقة ومئات العملات الرقمية المتاحة جميعها لها خصائص مختلفة.

وهي أيضا الأغلى تكلفة لكل وحدة، لكن نظرا لأنه يمكن شراؤها بزيادات صغيرة، فلا داعي لدفع 50 ألف دولار أو نحو ذلك مقابل عملة كاملة.

"الإثيريوم" هي ثاني أكثر العملات المشفرة تداولاً، واستفادت من ​الرياح​ المواتية لارتفاع عملة "بيتكوين". التكنولوجيا الكامنة وراء "الإيثيريوم" تستخدم أيضا في سوق ناشئة يطلق عليها اسم "التمويل اللامركزي"، ما يجعل العملة خيارا آمنا نسبيا. تحتل "دوجكوين" وما شابهها، الطرف الأكثر خطورة والأقل سيولة من الطيف.

كيف أشتري العملات المشفرة وما المخاطر؟

أسهل طريقة للوصول إلى العملات المشفرة هي شراء جزء من عملة "بيتكوين"في بورصة قائمة مثل "كوينبيز". نظرا لأن البورصات تعاني انقطاعات أو ​قرصنة​، فإن هذا هو النهج الأكثر أمانا، على الرغم من أنه أكثر تكلفة من البورصات الأخرى.

تتقاضى "كوينبيز" عادة هامشا يبلغ 0.50% إضافة إلى رسوم، اعتمادا على حجم الشراء وطريقة الدفع.

تقدم شركات التكنولوجيا المالية مثل "ريفولت" أيضاً، وسيلة لمشتري عملة "بيتكوين"، لكن لا توجد طريقة لنقل عملات "بيتكوين" من التطبيق إلى مكان آخر أو إلى أنواع أخرى من العملات. نظرا لأنهم لا يستطيعون بيعها مرة أخرى إلا داخل "ريفولت" فقط، فإن المستثمرين يمتلكون اسميا فقط عملة "بيتكوين" عبر التطبيق.

في الولايات المتحدة يستطيع المستثمرون شراء أسهم في صناديق متنوعة للعملات المشفرة مثل "غرايسكيل" (Grayscale)، التي يمكن بعد ذلك شراؤها وبيعها مثل الحيازات المشتركة الأخرى. يمكن للمستثمرين المؤسسيين أيضا شراء المنتجات المتداولة في البورصة لكن هذه لا يمكن الوصول إليها بالنسبة لمستثمري التجزئة في بريطانيا. من الممكن الشراء في المنتجات التي تعرض التعرض للشركات النشطة حول البلوكتشين - دفتر الأستاذ الرقمي العام الذي تقوم عليه عملة "بيتكوين" – مثل ( Invesco Elwood Global Blockchain UCITS ETF). ومع ذلك، هذه رهان على التكنولوجيا، وليس العملة المشفرة.

بيع العملات المشفرة له أيضا آثار ضريبية. تحتسب الأصول الرقمية كممتلكات للأغراض المحاسبية وقد تخضع الأرباح لضريبة أرباح رأس المال.

المحتالون هم مشكلة متنامية. يطلب بعضهم من المستثمرين إرسال مفاتيحهم الخاصة لممتلكاتهم المشفرة، مع وعود بالعودة مع الربح. لكن بمجرد القيام بذلك، لا توجد طريقة للتراجع عن عملية النقل.

ينصح ليهان لي، الشريك المؤسس لـ "Xangle"، المستثمرين المحتملين بالتحقق من السجلات السابقة لأي مخططات استثمار في العملات المشفرة، بينما يحذر تايلور من "CryptoUK" من المنشورات حول استثمارات العملات المشفرة الموجودة على وسائل التواصل الاجتماعي أو المتصلين غير المتوقعين الذين يعدون بعوائد مضمونة.

يقول: "إذا جاء إليك شخص غريب في الشارع وقال إنه سيمنحك 150 جنيها إذا كان بإمكانه اقتراض 100 جنيه، فمن المحتمل أنك لن تمنحه المال. الشيء نفسه مع العملات المشفرة".

المستثمرون على مستوى العالم خسروا أكثر من 16 مليار دولار منذ 2012 في عمليات الخداع والاحتيال المتعلقة بالعملات المشفرة

بغض النظر عما إذا كانت العملات المشفرة هي المكافئ الرقمي للذهب على المدى الطويل فإنها توفر اليوم للمحتالين أرضا ثرية بالصيد.

العوائد اللافتة للنظر تجعل من الصعب حتى على المشككين المتعصبين في العملة المشفرة، عدم التفكير في وضع أموال في عملة "بيتكوين".