بحنكته المعهودة، إستطاع رئيس ​مجلس النواب​ نبيه برّي تجنيب ​لبنان​ خضّة سياسية جديدة كان يمكن أن تتسبب بها الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى المجلس النيابي في شأن موضوع تشكيل الحكومة وتكليف الرئيس ​سعد الحريري​.

ففي ختام جلسته التي امتدت على مدى يومين لمناقشة مضمون الرسالة، أكد المجلس النيابي على ضرورة المُضي قُدمًا وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للوصول سريعًا إلى تشكيل حكومة جديدة بالإتفاق مع رئيس الجمهورية.

ليبقىى السؤال الأهم: ماذا بعد هذه الجلسة؟ وإلى أين يتجه ملف تشكيل الحكومة؟

يعتقد البعض أن جلسة المناقشة النيابية، وعلى رغم السقوف العالية التي تخللتها الكلمات وتحديدًا كلمة الرئيس الحريري، إلّا أنها قد تكون بداية للانطلاق نحو توافق جديد بين الأفرقاء كافة في ملف تشكيل الحكومة. وهو ما يمكن أن تشي بها اللقاءات الثنائية التي أعقبت الجلسة النيابية بين الرئيسين برّي​ والحريري​ ومن ثم بين بري ورئيس تكتل "​لبنان القوي​" النائب ​جبران باسيل​.

"التنمية والتحرير": نأمل أن تشهد المرحلة المُقبلة انفراجًا حكوميًا

في هذا السياق، أشارت أجواء قريبة من كتلة "التنمية والتحرير" لـ "الإقتصاد" الى أن "الجلسة الأخيرة أتت لتؤكد أن لا مناص إلّا بالإسراع في تشكيل الحكومة"، آملةً في "أن تشهد المرحلة المقبلة انفراجًا يمكن البناء عليه في الملف الحكومي، خصوصًا بعد الإيجابيات التي حصلت خلف كواليس الجلسة التي عُقدت نهاية الأسبوع الماضي".

أضافت: "يمكن لهذه الإيجابيات أن تكون فرصة للانطلاق مجددًا نحو مسار جديد و​آلية​ جديدة للتعاطي في موضوع تشكيل الحكومة، وفقًا للمبادرة الفرنسية وارتكازًا إلى مبادرة الرئيس برّي".

وعن إمكانية إطلاق مبادرة جديدة لبرّي انطلاقًا من المحادثات التي أجراها مع الحريري وباسيل، رأت المصادر أنه "يمكن تزخيم مبادرة الـ 24 التي أطلقها مؤخرًا الرئيس برّي، خصوصًا وأنها حظيت بإجماع داخلي وعربي، وهذا الأمر بدا واضحًا من خلال تأكيد السفير المصري في لبنان ياسر علوي تأييد بلاده لهذه المبادرة أيضًا".

الدافع الأساسي اليوم لإعادة تحريك ملف الحكومة، بحسب المصادر إياها، هي ​الأزمة الاقتصادية​ الضاغطة على لبنان واللبنانيين، والملاحظ أن الكلمات التي تُليت في جلسة المناقشة في مجلس النواب سواء كلمة الحريري وبصرف النظر عن مضمونها، أو حتى كلمات النواب الآخرين بمن فيهم باسيل، ركّزت على ضرورة تشكيل الحكومة من أجل ​إنقاذ​ لبنان من أزمته المالية والنقدية والاجتماعية التي يرزح تحتها.

وختمت المصادر: "الكلّ يُجمع اليوم على ضرورة وضع آلية سريعة لتشكيل الحكومة وإخراج لبنان من أزمته، فالرئيس برّي الذي افتتح الجلسة النيابية الأخيرة بكلمة شدد فيها على أهمية الوحدة ثم الوحدة، لم يخف توجسه من المخاطر المُحدقة بلبنان وبالمواطن جراء تفاقم الأزمات المعيشية والانهيار الاقتصادي والمالي، مستخدماً في إحدى مداخلاته عبارة "إذا سألت المواطن 2+2 ماذا يُساوي سرعان ما يكون جواب المواطن 4 أرغفة. هذا الأمر، إن دلّ على شيء، فعلى عمق الأزمة الاقتصادية، فيما قد يؤدي ​الجوع​ بلبنان إلى الهلاك، لذلك نتمنى أن تُترجم القوى السياسية أقوالها إلى أفعال من عبر الاستجابة إلى تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن".

"المستقبل": ثوابت الرئيس الحريري ومعايره للتشكيل واضحة

من جهتها، أكدت مصادر قيادية في "تيار المستقبل" أن كتلة المستقبل تؤيد أيّ مسعى يُنتج إيجابية في إطار تشكيل الحكومة. وقالت لـ "الإقتصاد": " كلمة الرئيس سعد الحريري في المجلس النيابي، كانت واضحة عن الجهة التي تُعطل مسعى ولادة الحكومة، والتي أحبطت المبادرات كافة. وإذا تلقفت الجهة المُعطلة أي مبادرة بإيجابية، فالرئيس الحريري يده ممدودة للجميع تحت سقف معايير الدستور أولًا، والمبادرة الفرنسية التي أعاد التأكيد عليها خلال كلمته الأخيرة في المجلس النيابي".

أضافت: " الرئيس سعد الحريري منفتح على كلّ الطروحات والمبادرات، شرط ألّا يكون هناك ثلث معطل لأي فريق، وألّا يكون هناك حزبيون داخل الحكومة بلّ أن تكون حكومة اختصاصيين، وبالتالي أيّ مبادرة وتحديدًا من الرئيس نبيه برّي مرحبٌ بها".

تابعت المصادر: " نحن نترقب اليوم ما يمكن أن يحدث في الأيام المقبلة ليُبنى على الشيء مُقتضاه، ولكن ثوابت الرئيس الحريري ومعايره للتشكيل واضحة، ونأمل أن تكون هناك مبادرات فعلية لكسر الجمود الحاصل اليوم في ملف تشكيل الحكومة".

ختمت المصادر: "المعادلة التي قالها الرئيس سعد الحريري واضحة، فهو لن يُشكل حكومة كما يريدها رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، ولا كما يريدها أيّ فريق سياسيّ، إنما وفقًا للمعايير التي تُساهم في وقف الانهيار ومنع الارتطام الكبير الذي يُهدد حياة اللبنانيين، وهذا الأمر لن يتم إلّا عبر بوابة المبادرة الفرنسية، وأي خطوة بهذا الاتجاه مرحبٌ بها. فالرئيس الحريري وكما بات معروفًا مُنفتح على كلّ شيء بما فيهم النقاش حول الحقائب والأسماء، وهذا الأمر كان واضحًا من خلال الـ 19 اجتماع الذي عقدهم مع رئيس الجمهورية في هذا السياق. فإذا المشكلة ليست عند الرئيس سعد الحريري".

بانتظار الخطوات المُقبلة التي يأمل فيها اللبنانيين أن تكون إيجابية، تبقى الأمور المعيشية والحياتية الصعبة التي يرزح تحتها اللبناني همه الأول والأخير في زمن الانهيارات، فمتى يعي ​السياسيون​ خطورة الوضع الذي وصلنا إليه؟