يستمر التخبط السياسي في البلاد وعلى مستوى كل الملفات المفتوحة، بدءًا بأزمة تشكيل الحكومة المستعصية عن الحل منذ شهور، مرورًا بموضوع الدعم والسجال الحاصل بشأنه، وليس إنتهاءًً بترقب مفاعيل منصة "مصرف ​لبنان​" على السوق المالي الذي "تفلت" منذ شهور من أي ​رقابة​ فاعلة.

يعني أن مشاكل لبنان تكبر وتتدحرج ككرة الثلج، نتيجة غياب القرار السياسي الحاسم والمقرر، لاسيّما على مستوى الملفات المعيشية والمالية التي تهدد بإنفجار إجتماعي كبير، إذا إستمر التعاطي السياسي اللامبالي وغير المسؤول مع هذه المسألة شديدة الخطورة.

وفي التفاصيل، لم يطرأ جديد إيجابي على مستوى تشكيل الحكومة، الممر الإلزامي للدخول مجدداً إلى ​المجتمع الدولي​. المزعج والمستغرب في المسألة، هو غياب أي جهد أم مسعى محلي للدفع بإتجاه تشكيل الحكومة التي إستصعى على الفرنسي تحقيق أي إنجاز على هذا الصعيد. رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ خارج السمع منذ فترة بعد "هبوطه" الآمن في "​مطار بيروت​" أخيراً، بعد زيارات مكوكية ومكثفة لعدد من الدول، كانت إنطلاقتها من دولة الإمارات في كل مرة.

من جهته يكتفي شريك رئيس الحكومة المكلف أي الرئيس ​ميشال عون​ بممارسة سياسة الإنتظار، ربما يعود الحريري من جديد إلى مقر الرئاسة الأولى لإستئناف عملية تشكيل الحكومة.

في الجانب الآخر، جانب من بقي في حكومة تصريف الأعمال، يعمل رئيسها بما تبقى لديه من وزراء ومن ​أسلحة​ متاحة على أبعاد الملفات غير الشعبية عنه، كملف إلغاء الدعم وذلك تلافياً لتحميله تداعيات هذا القرار التي ستكون كارثية، وينتظر بفارغ الصبر تشكيل الحكومة الجديدة للتخلص "من إنفجار لغم الدعم بين يديه"، وهذه المسالة هي ذاتها التي يحاول الحريري تجنبها في حال تشكلت الحكومة في هذه اللحظة.

وعلى جبهة ثالثة، يقف حاكم "مصرف لبنان" رياض سلامة على الخط الفاصل بين حكومة تصريف الأعمال والحكومة الجديدة، فهو أيضاً يرهب مسألة الدعم ويتعاطى مع هذا الملف بكل حذر. دياب يرفض إلغاء الدعم بوجوده ويطلب من سلامة الإستمرار في هذه السياسة، والأخير لا يملك المال المطلوب لتنفيذ رغبة دياب، إلا إذا مدَّ يده إلى ما تبقى في "مصرف لبنان" من إحتياطي إلزامي يمثل ودائع الناس، وهذا الأمر لن يقدم عليه الحاكم، إلا إذا توفر الغطاء القانوني الذي يرفع عنه مسؤولية التصرف بودائع الناس.

وفي قراءة سريعة للمشهد العام في البلاد راهناً، وفي سيناريو لما هو قادم إذا بقيت البلاد من دون سلطة معلومة وفاعلة، يمكن الجزم وبكل أسف أننا مقبلون على أوضاع أكثر "إيلاماً"، على المستويات المعيشية والحياتية والصحية، فقدان الدواء، مع إرتفاع كبير في أسعاره، أزمة إستشفاء، إرتفاعات جنونية في ​أسعار المحروقات​ وأسعار مختلف السلع و​المواد الغذائية​، المزيد من عمليات التسريح من الأعمال. إقفال المزيد من المؤسسات، توقف التقديمات الإجتماعية وإنهيار مستمر في سعر ​الليرة اللبنانية​...

مسؤول سياسي كبير سابق يقول لـ"الاقتصاد"، إنَّ ما نشهده منذ العام 2018 هو بداية إنتهاء دور لبنان المالي والسياحي في المنطقة (تدمير مرفأ بيروت، إفلاس ​القطاع المصرفي​، إفلاس الدولة وفرض حصار إقتصادي ومالي على لبنان، ضرب العملة الوطنية، فك الإرتباط بين لبنان و​الدول الخليجية​ لصالح العدو "​الإسرائيلي​"، ضرب موقع لبنان الصحي في المنطقة وضرب موقعه التعليمي)، وإنَّ المؤشرات هذه كلها، تؤكد كما يقول المسؤول السياسي السابق المؤكد، لناحية العمل على إنهاء دور لبنان في المنطقة، على أن يستتبع ذلك "وضع لبنان قيد التصفية".

وعلى أمل قيامة لبنان من جديد وتجاوزه كل المطبات التي تبطئ من حركته، ورد في التقرير الإقتصادي لـ"بنك عوده" الصادر عن الفترة الممتدة من 3 إلى 9 أيار الحالي، توقع "​صندوق النقد الدولي​" أن يسجل نمو الناتج الإجمالي المحلي الحقيقي للبنان (-9%) لعام 2021، وعلى خلفية إنكماش بنسبة (20%)، في العام 2020.

من جهتها أكدت الأمم المتحدة في تقريرها السنوي، إلتزامها مرةً أخرى تكثيف جهودها لمساعدة لبنان وشعبه على التعافي من أزماته المتعددة الأوجه، و"إعادة لبنان بشكل أفضل".

في غضون ذلك، تأمل الجهات المعنية بموسم سياحي إيجابي هذا العام، بما ما سيساهم في دخول ​العملات​ الصعبة وبث الروح في مؤسسات القطاعات السياحية، التي مُنيت بخسائر باهظة خلال الأشهر الماضية.