خيّبت زيارة وزيرة الخارجية الفرنسي لودريان إلى لبنان الآمال الكبار التي كانت معقودة عليها، حيث عاد الزائر الفرنسي من بيروت إلى العاصمة الفرنسية ​باريس​ "خاوي الوفاض"، تاركاً الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تواجه مصيرها القاتم منفردة في وجه زعماء الطوائف والأحزاب و​حيتان​ المال، من اللذين عاثوا فساداً في البلاد على مدى سنوات طويلة، فمدوا أيديهم إلى المال العام، وفرطوا بأموال المودعين إلى أن أفلسوا البلاد، واضعين الناس أمام خيارين لا ثالث لهما: "إمّا الموت جوعاً، أم الموت قهراً".

وإذا كانت ​فرنسا​، الدول الغربية الكبرى العضو الخامس الذي يملك حق النقد في "​مجلس الأمن الدولي​"، قد عجزت بشخص رئيسها ماكرون ووزير خارجيتها لودريان على إمتداد الأشهر التسعة الماضية عن التوفيق بين الكيانات السياسية المتصارعة على تشكيل حكومة جديدة تحظى بثقة ​المجتمع الدولي​، لضمان توفير ​الدعم المالي​ لهذا البلد المتهالك، فإن الرهان على أي وساطة جديدة لتشكيل الحكومة بات أمراً عصياً، ما يعني أنَّ على اللبنانيين مواجهة الخطر القادم في فترة أيام، المتمثل برفع أم بترشيد سياسة الدعم باللحم الحي، وبما تيسر من ​أسلحة​ الصد والردع.

منتصف أيار الحالي سينفذ ما تبقى من إحطياطات حرة لدى البنك المركزي، الذي يمول كلفة دعم أسعار السلع والخدمات الأساسية منذ أكثر من السنة، بكلفة تقدر بـ6 مليارات دولار سنوياً. الحكومة المستقيلة ترفض رفع الدعم خوفاً من تداعياته الخطيرة على ​الأمن الغذائي​، والأمن الإجتماعي قبل التوافق على البدائل مثال البطاقة التمويلية للفئات الأكثر فقراً، لذا تطلب الحكومة من حاكم "​مصرف لبنان​" الإستمرار في تمويل الدعم، والأخير يرفض إستعمال ما تبقى عنده من ودائع الناس لهذا العرض، وهنا تكمن المشكلة مع المخاطر المرتقبة.

ولا تقتصر مشاكل اللبنانيين على تداعيات ملف الدعم، إنما تتمدد لتطاول ملفات أخرى لا تقل خطورة عن ملف الدعم، ومن أبرز هذه الملفات إستمرار فلتان سعر ​الدولار​ الذي يتسبب في إرتفاع كبير وغير مسبوق في كلفة المعيشية، الأمر الذي رفع معدلات الفقر في البلاد إلى مستوى غير مسبوق.

وبإنتظار ما ستحمله الأيام القادمة على مستوى ملف الدعم و​سعر الدولار​، تتجه الأنظار إلى "المنصة" التي وعد "مصرف لبنان" بإطلاقها منذ فترة للجم سعر دولار ​السوق السوداء​، ويرجح البعض أن تبدأ المنصة العمل بعد عيد الفطر السعيد، إلا أنَّ الآمال المعقودة على المنصة لا تبدو مقنعة عند عدد كبير من الخبراء والمهتمين بالشان المالي، وذلك بسبب عدم توفر الدولار النقدي بالحجم المطلوب لضبط الوضع في السوق السوداء.

وإلى "المنصة"، تتوجه أنظار المودعين كما أصحاب ​المصارف​، إلى ما يحضر في لجنة المال و​الموازنة​ النيابية بخصوص "الكابيتال كونترول"، الذي تأخر عن موعد إصداره أكثر من السنة. وتتخوف المصارف أن يلزمها قانون "الكابيتال كونترول" المنتظر، بالدفع إلى المودعين مبالغ محددة بالدولار الأميركي، وهذا ما ترفضه المصارف بقوة.

يبقى أخيراً ضرورة التوقف عند ما صدر من أحكام قضائية خلال الأيام الماضية بحق عدد من إدارات المصارف لمصلحة المودعين، إذ إنَّ هذه القرارات دفعت بجمعية مصارف لبنان إلى إطلاق جرس الأنذار والرفض، معتبرةً أن مثل هذه القرارات تضر بالإقتصاد ككل، وتلحق مخاطر حقيقية بالقطاع المصرفي.