من المتعارف عليه في الدول المتطوّرة التي تحترم العدالة الإجتماعية، وتقيم وزناً للحماية الإجتماعية أن تطبّق ما يعرف بالتأمين على ​البطالة​.

في المطلق، إعانات البطالة أو منفعة البطالة هي جزء من نظام الضمان الإجتماعي تغطي بموجبها الحكومة أو مصلحة حكومية تأمين العمل بتعويض ​مالي​ للأفراد الذين فقدوا عملهم. وهي إلزامية تشمل كل عامل، حيث تقوم الحكومة بحسم مبلغ معيّن من راتب كل عامل أثناء فترة عمله، على أن تقوم بدفع له تعويضات شهرية وقت فقده عمله. أي أن الحكومة تؤمن بذلك جزءا من دخله الشهري اثناء تعطلّه عن العمل يعوّضه عن راتبه الذي كان يتقاضاه من صاحب العمل.

وطبقاً لوضع العامل أو الموّظف فقد يكون التعويض مبالغ شهرية صغيرة بالنسبة لما كان يتقاضاه من عمله. يكفي المبلغ في العادة لتغطية الحد الأدنى لمعيشة العامل أو الموّظف وعائلته لفترة انتقالية حتى يعود إلى العمل. وهي جزء من ضمن ​الضمان الاجتماعي​ في الدول المتقدمة .

وتعطي تلك التعويضات فقط للعمال المسجلّين بسبب البطالة، ويشترط في دفعها التأكد من نشاط المتعطّل في بحثه عن عمل .وفي بعض البلدان يقوم اتحاد العمال بالتعويض للعاطلين عن العمل.

الاتفاقية رقم (168) بشأن النهوض بالعمالة والحماية من البطالة اعتمدها المؤتمر العام ل​منظمة العمل الدولية​ في 21 حزيران عام 1988، في دورته الـ 75 ودخلت حيز التنفيذ في 17 تشرين الأول 1991، ومما جاء في مقدمة الاتفاقية:

"وإذ يؤكد أهمية العمل والعمالة المنتجة في كل مجتمع، لا بسبب ما يوّفرانه من موارد للمجتمع وحسب، وإنما أيضا بسبب ما يحققانه من دخل للعمال، وما يسندانه إلي العمال من دور اجتماعي ويبعثانه فيهم من شعور بالرضا عن الذات، وإذ يشير إلى المعايير الدولية القائمة في مجال العمالة والحماية من البطالة ...

وإذ يلاحظ انتشار البطالة والبطالة الجزئية اللتين تؤثران على مختلف البلدان في العالم على اختلاف مراحل تنميتها، وخصوصاً مشاكل ​الشباب​ الذين يبحث كثير منهم عن أول عمل لهم.

وإذ يضع في اعتباره أنه جرت في القوانين والممارسات الوطنية في كثير من الدول الأعضاء، منذ اعتماد ​الصكوك​ الدولية المتعلقة بالحماية من البطالة و المذكورة أعلاه تطورات هامة تجعل من الضروري مراجعة الصكوك الموجودة، وخصوصاً الاتفاقية المتعلقة بضمان تعويض أو بدلات للمتعطلين رغم إرادتهم، واعتماد معايير دولية جديدة تتعلق بالنهوض بالعمالة الكاملة والمنتجة والمختارة بحرية، بجميع الوسائل المناسبة، بما في ذلك الضمان الاجتماعي...

وإذ قرر اعتماد مقترحات شتى تتعلق بالنهوض بالعمالة والضمان الاجتماعي، وهو موضوع البند الخامس في جدول أعمال هذه الدورة، وذلك، بصورة خاصة، بغية مراجعة اتفاقية ضمان تعويض أو بدلات للمتعطلين رغم إرادتهم،

وإذ قرر أن تأخذ هذه المقترحات شكل اتفاقية دولية، يعتمد في هذا اليوم الحادي والعشرين من حزيران عام 1988 الاتفاقية التي ستسمى اتفاقية النهوض بالعمالة والحماية من البطالة... وفيها:

أولا: أحكام عامة-

المادة 1

في مفهوم هذه الاتفاقية:

(أ) يتضمن مصطلح "التشريع" جميع القواعد المتعلقة بالضمان الاجتماعي وكذلك القوانين واللوائح.

(ب) يعني مصطلح "المقررة" التي يقضي بها التشريع الوطني أو تحدد بموجبه.

المادة 2

تتخذ كل دولة عضو تدابير مناسبة لتنسيق نظام الحماية من البطالة فيها مع سياستها في مجال العمالة، وتحرص، لهذا الغرض، علي أن يسهم نظام الحماية من البطالة فيها، ولا سيما طرائق التعويض عن البطالة، في تعزيز العمالة الكاملة والمنتجة والمختارة بحرية، وألا يكون من أثرها عدم تشجيع أصحاب العمل على عرض عمل منتج، والعمال عن البحث عن هذا العمل.

المادة 3

تطبق أحكام هذه الاتفاقية بالتشاور والتعاون مع منظمات أصحاب العمل ومنظمات العمال، وفقا للممارسة الوطنية".

ما هو الدافع لإقرار نظام التأمين ضد البطالة في الوقت الحاضر وما هي أهدافه؟ الى أي مرحلة وصل هذا المشروع ومتى الانطلاقة؟ هل سيكون فرعاً جديدا ًمستحدثاً في نظام الصندوق ؟ من هي الشريحة المستهدفة؟ ما هي تقديماته؟

ابو ناصيف

يقول رئيس الديوان والمدير المالي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي شوقي ابو ناصيف "للاقتصاد": لقد اظهرت الأزمة الإقتصادية الأخيرة والتي زادت حدتها بسبب جائحة كورونا وما خلفّته من ​انكماش​ اقتصادي حاد أدى الى اقفال عدد كبير من المؤسسات وصرف الآف العمال من وظائفهم مدى الحاجة الى وجود نظام تأمين ضد البطالة.

يهدف هذا النظام الى تأمين بديل للدخل الذي فقده العمال والمستخدمون المصروفون من العمل من جهة، ومن جهة ثانية، تنشيط الحركة الاقتصادية من خلال اعادة ضخّ الاموال التي فقدتها الدورة الاقتصادية نتيجة البطالة وفقدان الدخل، ومن جهة ثالثة، تأمين فرص إعادة الإندماج بسوق العمل من خلال التعاون مع ​المؤسسة الوطنية للاستخدام​ وإعادة تفعيل دورها لتأمين فرص عمل للمصروفين قصراً من عملهم.

ويضيف: بمبادرة من وزيرة العمل لميا يمين في حكومة تصريف الأعمال لميا يمين ومدير عام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي، تم إطلاق هذا المشروع منذ سنة تقريبا، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية التي تكفلّت مشكورة بإعداد الدراسات الإكتوارية والمالية للمشروع من خلال خبرائها الذين شاركوا في إعداد انظمة التأمين ضد البطالة في العديد من الدول واطلعوا على أفضل التجارب في هذا المضمار.

بعد عام من العمل الحثيث رغم الظروف الصعبة، أصبح هذا المشروع جاهزاً بصيغته الأولية وبناء عليه، دعت وزيرة العمل لميا يمين الى لقاء حواري بين اطراف الانتاج الثلاثة، الدولة أصحاب العمل والعمال وتم عرض الخطوط الرئيسية للمشروع للنقاش وإبداء الملاحظات تمهيداً لصياغته بصورة نهائية وإحالته الى ​مجلس النواب​ لإقراره.

وعن هيكلية النظام يشرح: وفقا للمادة الاولى، من قانون الضمان الاجتماعي يتوّلى الصندوق الوطني للضمان ادارة نظام الضمان الاجتماعي ومختلف فروعه، وبالتالي، سوف ينضم نظام التأمين ضد البطالة الى الفروع الضمان الاجتماعي الثلاثة العاملة. أي لم يكن ملحوظاً في قانون الضمان، لكنه سوف يُضاف باب جديد الى الكتاب الثاني (التقديمات) تحت عنوان نظام التأمين ضد البطالة.

طبيعة النظام المقترح بسيطة وغير معقّدة وغير مكلفة، فمن الأمور التي أخذت في الإعتبار لدى إعداد هذا المشروع قدرة الاقتصاد ال​لبنان​ي في مرحلته الحالية على تحمّل كلفة هذا النظام الجديد، فاي نظام تأميني جديد يجب أن يمّول من خلال الاشتراكات التي يسدّدها ​اصحاب العمل​ والعمال.

في البداية، سوف يشمل هذا النظام المضمونين المسجّلين في الصندوق والخاضعين لفرع ​نهاية الخدمة​ أي العمال والمستخدمين وهم الفئات الأكثر حاجة لهذا النوع من الحماية، على ان يشمل فئات اخرى بمراحل لاحقة. هذا النظام غير مصمم لمعالجة الازمة الحالية انما لتفادي مثل هذه الازمة في المستقبل. الازمة الحالية بحاجة الى نظام او معالجة استثنائية ولفترة وجيزة، لحين انتهاء الازمة بينما النظام المقترح هو نظام دائم يمكن أن يبدأ تطبيقه فورا أي أن يشمل الذين يفقدون عملهم خلال هذه الازمة وانما شرط تأمين التمويل اللازم إن كان من قبل الدولة أو هبة خارجية ... ولا يجب الإنتظار لكي تتراكم الاشتراكات لمدة سنتين على الأقل للبدء بالتقديمات.

وعن قيمة تعويض البطالة يقول: يوّفر هذا النظام مدخولاً شهرياً لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وستة أشهر بالإضافة إلى الضمان الصحي أي يبقى المضمون المصروف من العمل خاضعا فرع المرض والأمومة طوال فترة تقاضيه لتعويض البطالة.

يعادل تعويض البطالة نسبة مئوية من متوّسط آخر ١٢ شهراً من الكسب الخاضع للاشتراكات ضمن حد أقصى هو خمسة أضعاف ​الحد الأدنى للأجور​. المُقترح حالياً ان تكون هذه النسبة ٧٠٪ من متوّسط الكسب الشهري في الشهر الأول، ثم تبدأ هذه النسبة بالتناقص الى ٥٠٪ في الشهر الثاني و ٤٠٪ في الأشهر الاخرى، وذلك من اجل حثّ العاطل عن العمل على إيجاد عمل جديد .

ولكن متى تبدأ الاستفادة من تعويض البطالة ومتى تنتهي؟ وما هي الشروط؟

تبدأ الاستفادة اعتباراً من اليوم الثامن لترك العمل غير الطوعي وتنتهي أما لدى بدء عمل جديد أو لدى انتهاء الفترة المنصوص عنها، مع الإشارة إلى أن فترة الإستفادة هي بحدها الأدنى ثلاثة أشهر والأقصى ستة أشهر. وهذه الفترة مرتبطة بعدد سنوات الإشتراك في النظام.

أما بالنسبة لشروط الاستفادة؛ الشرط الأساسي الأول أن يكون ترك العمل بصورة غير طوعية أي أن يكون المضمون قد صرف من العمل لسبب لم يكن فيه مخيّراً.

الشرط الثاني يتعلق بفترة انتسابه للنظام أي فترة المرجعية، وقد حددت بـ ٢٤ شهراً خلال ٤٨ أشهر بالنسبة للاستفادة الاولى. أما في حالات الإستفادة اللاحقة فيجب أن تكون فترات الإنتساب أطول. المقصود أن يكون المضمون منتسب للنظام لمدة ٢٤ شهراً أي سنتان بشكل متواصل

اما اذا كان عمله متقطع عليه أن يجمع ٢٤ شهر اشتراك خلال ٤٨ شهراً.

بمعنى آخر، اعتبارا من بدء تنفيذ النظام الجديد يسري توّجب تسديد الاشتراكات؛ فعلى المضمون وصاحب العمل تسديد اشتراكات لفترة ٢٤ شهراً لكي يكون له الحق في الاستفادة من تعويض البطالة.

الشرط الثالث أن يعلم وزارة العمل بصرفه من العمل ويتقدم من المؤسسة الوطنية للاستخدام بطلب للحصول على عمل جديد.

وعن مصادر التمويل يوضح ابو ناصيف: كونه نظام تأميني سوف يمّول من الاشتراكات والمقترح أن تكون النسبة متساوية بين العمال وأصحاب العمل. نسبة الاشتراكات المقترحة هي ٢٪ من الكسب ضمن حد أقصى يعادل خمسة اضعاف الحد الادنى للأجور؛ يتحّمل المضمون ١٪ وصاحب العمل ١٪ ، على أن تتحّمل الدولة تمويل الاحتياط الالزامي والعجز في حال حصوله.

طبعاً جميع هذه النسب والعطاءات هي اولية وقابلة للتعديل على ضوء الحوار الاجتماعي والنقاشات التي انطلقت في الاجتماع الأخير.

أما عن المسار القانوني لهذا النظام الذي هو مشروع قانون والذي يفترض قبل صوله وإقراره في مجلس النواب الموافقة عليه في ​مجلس الوزراء​، وعما إذا كانت حكومة تصريف الأعمال الحالية مخوّلة للقيام بخطوات مماثلة يلفت ابو ناصيف الى أنه تم إعداد الدراسات المالية الإكتوارية من قبل منظمة العمل الدولية، ومن جهته، اعدّ الضمان مسودة للقانون. وتم طرح هذه الدراسات ومسودة القانون للمناقشة. وعلى ضوئها، سوف يتم إعداد الصيغة النهائية من مسودة القانون ورفعها الى مجلس النواب لإقراره. بعد إقرار القانون سوف توضع المراسيم التنفيذية له ونظام خاص لتطبيقه.

هنالك طريقتان لإقرار القوانين، اما مشروع قانون تحيله الحكومة الى مجلس النواب او اقتراح قانون يتقدم به عدد من النواب ويُقر من مجلس النواب. حتى تاريخه، لم يتم التوافق بعد على كيفية طرحه كمشروع قانون أو اقتراح قانون.

هل هذا النظام في حال أبصر النور سيعطي النتائج المرجوة؟

يؤكد ابو ناصيف على أن هذا المشروع هو حيوي جداً وضروري. لو كان مثل هذا النظام موجوداً لكان ساعد كثيراً في تخطي الازمة الحالية. لن يحل الازمة الحالية الا في حال تأمّن له التمويل الفوري عندئذ يبدأ تطبيقه، والا يجب انتظار تراكم الاشتراكات لمدة سنة أو سنتين كما هو مطروح من أجل البدء بالتقديمات. وفقاً لما هو مقترح يبدأ الصندوق بجباية الاشتراكات فوراً، وتبدأ الإستفادة بعد ٢٤ شهراً. وثمة إمكانية لإعادة النظر بهذه المدة لتصبح ١٢ شهراً او ستة اشهر في حال تم تأمين التمويل اللازم.

لقد لاقى المشروع الترحيب من قبل أطراف الانتاج؛ اي ​الهيئات الاقتصادية​ والاتحاد العمالي العام. منذ البداية، كان الخيار متجهاً لأن يكون نظاماً بسيطاً وغير مكلف قابل للتطوّر لجهة زيادة الشرائح المستفيدة وزيادة التقديمات. كلفة هذا المشروع مقبولة يتقاسمها المضمون وصاحب العمل. باعتقادي ان جميع الظروف والمعطيات متوّفرة لنجاح هذا المشروع ، إنما يبقى القرار الأخير للسلطة السياسية الممّثلة بمجلس النواب .

هل الخير في أن يأتي النظام متأخراً ؟

في النهاية، "خيرٌان تأتي متأخراً من أن لا تأتي ابداً". أليس هذا ما يقوله المثل؟ اذا لم ينفذ هذا المشروع خلال العام الجاري ربما في المستقبل! من يدري؟ فالأزمات في لبنان تأتي بالحلول الجيّدة في بعض الأحيان وإنما بالإعتباطية في معظم المراحل للأسف. فما يترقبّ له المسؤولون الجديون في الدول التي تحترم حقوق الإنسان من إجراءات وقوانين حماية قد يفكّر به نظراءهم في لبنان بعد وقوع ال​كارثة​. نعم، كارثة البطالة وقعت في لبنان، وهي في وتيرة انفلاش أسرع من اجتياح الجراد. أرقام العاطلين عن العمل اليوم لا تُحصى. فهل عليهم الصمود حتى وان كان تأمين البطالة المقترح لن يطالهم؟