بات حاكم ​مصرف لبنان​ محاصراً بالملفات القضائية التي تطاوله داخلياً وخارجياً، وعرضةً للضغوط والضربات التي كان سبق أن تطرق إليها في رسالته إلى النائب العام لدى ​محكمة​ التمييز القاضي غسان عويدات، بإشارته الى أنّ علاقة مصرف لبنان المالية بالمراسلين و​المصارف​ الدولية تعرضت، وما زالت، لاهتزازات سلبية ستنعكس على مصرف لبنان وعلى ​القطاع المصرفي​ بشكل غير مريح، مما يضع البلد في وضع تصعب معه ​التحويلات​ الخارجية وشراء السلع الأساسية ودعمها، كما الاستحصال على عملات نقدية أجنبية لتسيير المرافق ال​اقتصاد​ية المختلفة.

وفي ضوء ذلك، يحاول مصرف لبنان إنجاح إطلاق منصته الجديدة، في مسار يملؤه التخبط وعدم الوضوح، حول الإطار الأساسي لعمل المنصة والوقت المؤكد لإطلاقها فيها.

الخبير الاقتصادي​ والمالي محمود جباعي، تحدث في مقابلة مع "الاقتصاد"، عن آخر التطورات فيما يخص إطلاق المنصة وما يعتريها من معوّقات.

هل سنشهد إطلاق المنصة قبل نهاية نيسان؟ وماذا عن الخلاف بين مصرف لبنان والمصارف حيال هذه الخطوة؟

"الواضح أن مصرف لبنان يتخبّط اليوم في موضوع المنصّة، ولا يمتلك بعد الرؤية الواضحة في ما يخص هذه الخطوة، فالمصارف ليست راضية عن دورها المرتقب فيها ولا تريد المشاركة بهذه المنصة، إذ لن تستطيع أن تسحب من أموالها لدى المصارف المراسلة و ليس بمقدورها فتح اعتمادات جديدة إلى لبنان في ظل الأزمة الحالية.

وعليه، فإن المصارف ليست قادرة على مساعدة مصرف لبنان، وإعطائه أية ضمانات مالية ونقدية حيال المنصة المرتقبة، وإلى الآن هناك تخبط في القطاع، و"​جمعية مصارف لبنان​" لم تتخذ بعد القرار الأخير بخصوص الإنضمام والدخول إلى المنصة من عدمه، ومصرف لبنان يجد مشاكل تقنية ولوجستية في العلاقة مع المصارف فيما يخص المنصة، إذ إن إنشاءها يهدف بالأساس لإدخال المصارف في عمليات الصّيرفة بدلاً من الصرّافين.

وهناك 3 مصارف أساسية ليست موافقة على خطوة المنصة نهائياً، فيما المصارف المتبقية تشترط الإشتراك، بالحصول على الدّولارات من مصرف لبنان.

هذا الأمر، يؤشر إلى مدى صعوبة إطلاق المنصة، والصعوبات التقنية واللوجستية التي تواجه هذه الخطوة، ولهذا يقوم مصرف لبنان بتأخير بدء العمل بالمنصة، وهذه ممطالة هدفها كسب الوقت، بحيث يراهن المصرف المركزي على تشكيل الحكومة، لأنه على ​علم​ بأن عدم الاستقرار السياسي يضمن فشل عمل المنصة على المدى الطويل. فيما هناك صعوبة حتى الآن في تأمين الدولارات المفترض ضخها في المنصة."

كيف سينعكس إطلاق المنصة على سعر الصرف؟

"مصرف لبنان من خلال منصّته الجديدة، يريد أن يثبت سعر الصرف على 10 آلاف ليرة للدّولار، ما يعني أن الدّعم سيكون وفق هذا السعر بعدما تحدد سابقاً على أساس 3900 ليرة. وهذا المسار يدل على التخبط، وهدفه إفادة رأس المال، وبعض السياسيين وأصحاب ​رؤوس الأموال​ ممن هربوا أموالهم إلى الخارج على حساب الشّعب اللبناني، ما سيدفع في المقابل ثمنه المواطن اللبناني والمودع.

مشكلتنا اليوم لا تحتاج منصّة، وحتى لو نجح إطلاق هذه المنصة فإنها لا تمتلك الدّولارات الكافية للإستمرار، وغياب المؤونة سيعني الفشل، ونحن نعيد تطبيق سياسة المنصات وآخرها منصة الـ 3900 ليرة التي أثمرت وصول الدولار إلى 15 ألف ليرة، فيما منصة الـ 10 آلاف ليرة ستصل بالدّولار إلى مستويات لا يمكن التكهن بها."

كيف يُقرأ كتاب مصرف لبنان الأخير ومطالبته الحكومة بوضع سياسة واضحة لدعم السلع؟

"يهدف مصرف لبنان من وراء هذا الكتاب للهروب من المسؤولية و​المحاسبة​، إذ إن هذه المؤسسة هي في ​صلب​ هذه الخطط منذ 25 عاماً، وهي مسؤولة أيضاً عن سياسة الدّعم، التي تسببت بخسارة كبيرة في ​احتياطات​ مصرف لبنان وأموال المودعين، وكانت ستغنينا عن اللجوء إلى ​صندوق النقد​ الدّولي.

واليوم نطالب ونفاوض الصندوق، ونطمح للحصول على 12 مليار دولار، فيما نأمل الحصول على المبلغ ذاته من "سيدر"، أي 24 مليار دولار كمجموع بحده الأقصى، فيما كان الدّعم يكلّف 9 مليارات دولار كل سنة، وسياسات الدّعم الخاطئة هذه من أكبر وأفشل ما اتبع ضمن خطط الدّولة، ويتحملها مصرف لبنان من جهة والحكومات المتعاقبة من جهة ثانية، إذ كان يستفيد من أموال الدّعم تجار وكارتيلات معينين، ووكالات حصرية كانت تتحكم برقاب المواطنين، واستفاد تجار من الدّعم والأموال على مدى سنوات، فيما اليوم بعد وقوع المشكلة يطالب مصرف لبنان بوضع خطة لوقف الدعم والهدر بحسب قوله.

هذا الواقع لا يمكن أن يستمر في لبنان، إذ إن غياب المحاسبة وعدم تغيير النمط السياسي القائم، واعتماد الطرق النقدية السابقة، سيتسبب باستمرار الأزمة النقدية والمالية والمعيشية واستفحالها، لأن غياب المعالجة يفاقم المشكلة وهذا ما حصل في لبنان، الذي امتهن القائمون على السياسات النقدية والمالية فيه سياسة الهروب إلى الأمام حتى حاز البلد على اهتمام الصحف العالمية، التي سمّت اختفاء أمول المودعين بـ "سرقة العصر".

بسبب هذه السياسات، تبددت هذه الأموال دون معرفة إذا كانت قد صرفت على الدّعم أو خدمة الدين أو غيرها، فيما تم تهريب ما يصل إلى 20 مليار دولار إلى الخارج خلال فترة عام ونصف فقط، إذ أعلن ​حاكم مصرف لبنان​ في بداية تشرين الأول 2019، امتلاك المصرف احتياطاً أجنبياً قيمته 44 مليار دولار، واليوم يعلن أن هذا الاحتياطي أصبح يساوي 16 مليار دولار، فيما كل الدّعم يعادل 9.3 مليار دولار خلال فترة العام والنصف حتى يومنا هذا.

في ضوء هذه الأرقام، فإن أي جهة لبنانية قادرة على كشف هذه الأرقام دون الحاجة لتدقيق جنائي؟

"بالتأكيد، إن ما يلزمنا هو القرار من السياسيين بالمحاسبة، إذ كان من الواضح كيف ساهم خروج الأموال من لبنان بالقضاء على اقتصاد البلد.

الأزمة كانت موجودة، ولكن لو تم الإبقاء على الـ 20 مليار دولار المهرّبة، وتم ترشيد الدّعم خلال الفترة الممتدة من تشرين الأول 2019، فإن الإحتياطي النقدي الأجنبي كان ليكون أعلى بكثير. ولو أن الـ 20 مليار دولار بقيت في المصارف، وتم تسييلها بشكل محدود للمودعين، فإن سعر صرف الدّولار ما كان ليتخطّى الـ 5 آلاف ليرة، وعوضاً عن ذلك، قام مصرف لبنان بطباعة الليرة، وأعطيت أموال المودعين بالعملة الوطنية وفقاً لسعر صرف تسبب بخسارة قيمة ودائعم، فوصلنا إلى حجم كتلة نقدية متداولة في السّوق تعادل 46 ألف مليار ليرة، كانت كفيلة بارتفاع مستوى ​التضخم​، وتهاوي سعر صرف العملة، وسحق القدرة الشرائية للمواطنين.

ما حصل منذ 17 تشرين الأول 2019 لغاية اليوم، يعدُّ إجراماً نقدياً بكل معنى الكلمة.

كنت من أول المطالبين بتطبيق سياسة ترشيد الدّعم، وعدم إعطاء الأموال لشركات محتكرة، والخروج من صيغة الوكالات الحصرية، عبر إعطاء فرص وعقود جديدة عبر مناقصات، ما كان سيوفر على مصرف لبنان 6 مليارات دولار سنوياً، وهذا المبلغ كان يجب أن يعطى للمصارف ليتم توزيعها على المودعين، ما كان سيمنع ارتفاع الدّولار، وبالتالي تغيب عندها الحاجة للدّعم."