مجدداً، يعود ملف التنقيب عن ​النفط​ و​الغاز​ في ​لبنان​ إلى الواجهة رغم ضبابية الأوضاع السياسية وانهيار القطاعات الاقتصادية واستفحال الازمات الصحية والاجتماعية.

ولعلّ الاهتمام به مرتبط بشكل رئيسي كونه طاقة الفرج الوحيد الذي يمكن التعويل عليه في هذه المرحلة، في بلد فقد فيه المقيمون كما المغتربون الأمل بالنهوض مجدداً وسط الكيديات السياسية المتفاقمة ومسلسلات ​الفساد​ المتتالية.

مؤخراً فاجأت ​سوريا​ لبنان بتوقيعها في أوائل شهر آذار 2021 على عقد أُبرِم مع شركة “كابيتال” الروسية للتنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما في “البلوك” البحري رقم 1 الواقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة لسوريا، مقابل ساحل محافظة ​طرطوس​ والممتدّ حتى الحدود البحرية السورية – اللبنانية، بمساحة 2250 كلم2. وتبيّن الإحداثيات المذكورة في العقد حدود “البلوك” الملزّم الذي يتداخل بشكل كبير مع"البلوك" رقم 1 ورقم 2 من الجانب اللبناني، أي ما يُقارب 750 كيلو مترًا مربّعًا داخل الحدود البحرية اللبنانية.

تُعدّ المنطقة البحرية الحدودية مع سوريا نقطة نزاع منذ العام 2011، فقد حدّد لبنان منفردًا النّقطة الحدوديّة رقم (6) وأبلغ عنها ​الأمم المتحدة​ في العام 2010، وأعاد تصحيحها في العام 2011 بتثبيت النقطة رقم (7) وتمّ تبليغ الأمم المتحدة إثره. وبعد ما رسّم لبنان منفرداً حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الشمالية، قامت سوريا بالمثل لجهة ادّعاء ملكيّة قسم من المنطقة الإقتصادية الخالصة العائدة للبنان.

هل هذا يعني إن لبنان سيدخل في نزاع مع سوريا من نوع آخر من أجل تثبيت ترسيم حدوده البحرية؟

من هي الجهة المخوّلة للبت والفصل في الموضوع؟ هل للأمم المتحدة دور في ذلك؟

رسم كل من البلدين حدوده الاقتصادية الخالصة منفرداً. هل تم ذلك بسبب الظروف السياسية أم لدواعي أخرى؟

هل توّقف العمل في البلوك رقم 4 في العام 2020 مرتبط بالموقف الدولي من لبنان أم لأسباب أخرى؟ وهل فعلاً نتائج الاستكشاف الاولية لم تكن واعدة؟

عبود زهر

برأي الإختصاصي في النفط والغاز المهندس عبود زهر ان التفاوض بين لبنان وسوريا هو الحل الوحيد، لأن الأمم المتحدة ليست سوى صندوق بريد أو حتى سجل عقاري يتم فيه التبليغ عن نتائج الترسيم. وعند حدوث أي نزاعات، فإن كلمة الفصل تكون لمحكمة البحار أو محكمة العدل الدولية.

كما إن الإحتكام إلى محكمة العدل الدولية يستوجب الإتفاق في ما بين الدولتين المتنازعتين أو الفريقين، وهنا يكون دورها تحكيمياً.

ومهما يكن فإن الحل الأسرع والأفضل يكمن في التفاوض بعيداً عن أي رعاية للأمم المتحدة التي كانت حاضرة أثناء جولات المفاوضات مع ​اسرائيل​ إلى جانب الطرف الأميركي، وذلك لأسباب مرتبطة بحالة العداء مع اسرائيل.

ويقول زهر" للاقتصاد": على كل من الجانبين اللبناني والسوري وضع اوراقه على الطاولة والشروع في المحادثات. فلبنان لم يقم بالتعدّي على اي مساحة خارج حدوده التزاماً بقانون البحارالذي سمح له بترسيم الحدود البحرية بطريقة مختلفة عما هو مُطبق في ترسيم الحدود البريّة او اليابسة.

وفق الحدود البحرية، يعتمد الترسيم إما على ما يُسمّى خط الوسط وإما الخط العامودي. ولبنان إعتمد على خط الوسط. في المبدأ، العمل تقني ومن المفترض الاتفاق على قاعدة معيّنة يتم على أساسها رسم الخط.

إذا كانت النوايا حسنة ستسير الأمور في الاتجاه الصحيح.

وفي ما يتعلق بالجانب السوري، فأنه عند توقيع العقد تم الإعتراف بصورة واضحة في الملحق رقم 1 (وصف المنطقة، صفحة 128) بإشكالية حدود "البلوك" مع لبنان إذ يلزم المقاول بكافة المعاهدات والإتّفاقيات الدّولية المستقبلية بين ​الحكومة السورية​ واللّبنانية بخصوص إحداثيات البلوك الجنوبية. فالبند حول عدم نهائية الحدود الجنوبيّة "للبلوك" رقم 1 وفقًا لما حدّده الجانب السّوري أقرّ به المشرّع والرّئيس السّوري، لذا ّ التّفاوض مع الدّولة اللّبنانية لترسيم الحدود بحسب قانون البحار والقوانين والأعراف الدّوليّة أصبح أمراً واقعاً وضرورياً.

ولابد من التذكير أن سوريا فتحت دورة التراخيص منذ عامين. ووفق الآلية القانونية المتبعة وافق مجلس الشعب السوري عليها.

وفي ما يتعلق بالبلوك رقم 4 الذي أعلنت ​شركة توتال​ الفرنسية عن تأجيل إستكمال عملية الإستكشاف فيه يقول زهر: إن البئر الذي خضع لأعمال الحفر لم يتم وجود فيه غاز،علماً انه في غضون ذلك،فإنه بموجب العقد الموّقع مع الشركة، ستبدأ اعمال الاستكشاف في البلوك الرقم 9 في ربيع 2022، تتبعها اعمال أخرى مجدداً في البلوك رقم 4 ومنها حفر بئر آخر عام 2023.

كما إن الاستكشاف في البلوك رقم 9 سيكون بعيداً عن الحدود التي كانت مدار مفاوضات مع الجانب الاسرائيلي في العام الفائت.

ويشدد زهر على وجوب عدم الإسترسال في بناء الآمال الكبرى على ما يمكن أن يجنيه لبنان من الغاز والنفط المستكشفين ويقول: في حال وجدنا في أول بئر في البلوك رقم 9 أول نقطة غاز تجارية فإن ذلك يستوجب انتظار 10 سنوات اذا لم تستجد أي تعقيدات للضخّ. وإذا اكتشفنا نوعاً ما الكمية المقبولة، ففي أول سنة ضخّ ستكون العائدات على الخزينة بقيمة نصف مليار دولار، علماً أن هذه القيمة بالامكان تحصيلها في حال تم تحسين شروط العقد الخدماتي الموّقع مع "​ليبان بوست​" في مجال البريد مثلاً أو ضبط التهريب على المرفأ. أما في السنوات التالية فسيزيد هذا المبلغ لكن ليس من المتوقع أن يتجاوز ملياري دولار سنوياً.

للأسف، يعتمد ​السياسيون​ اليوم على نثر الأوهام امام المواطنين دون التنبّه الى ان عملية استكشاف الغاز وضخّه والإفادة منه هي عملية طويلة. وما يحصل في ​قبرص​ اليوم خير دليل على ذلك، فإن عملية الإستكشاف في ​الجزيرة​ بدأت منذ 10 سنوات وحتى تاريخه لم تبدأ أعمال الضخ.

لبنان والمطلوب؟

هذا ما يحصل في قبرص، أما في لبنان فالأمور لها طابعها الممّيز حيث تكون جميع الفرص ضائعة بسبب أساليب سياسية طائشة لاتقيم أي اعتبار سوى للمصالح السياسية الضيّقة التي ترفض الإصغاء لحاجات الوطن، ملبيّة أجندات مختلفة تتعدى حدود الجغرافيا لتركن في ​صفحات​ التاريخ يوم الحساب. ويبقى السؤال هل سيقوم لبنان بالمطلوب؟