دخل لبنان في هذا الوقت مرحلة مفصلية ودقيقة للغاية. عنوان هذه المرحلة واضح ولا يقبل الجدل، وهو إمَّا بداية الإنقاذ، والمدخل إلى ذلك يكون من بوابة حكومة جديدة تحظى بقبول ​المجتمع الدولي​، وإمَّا الإنهيار الذي سيأتي من بوابة الأمن الإجتماعي، الذي سينهار تماماً إذا لم تشكل الحكومة في غضون أسابيع معدودة.

في وقائع الأمور، يواجه لبنان مجموعة من الأزمات المتجذرة في بنيته الإقتصادية والمالية والنقدية، تظهرت وخرجت إلى العلن منذ منتصف العام 2019، وكبرت وتعاظمت تداعياتها السلبية على اللبنانيين منذ ذاك التاريخ إلى اليوم. من أبرز تداعيات هذه الأزمات سقوط سياسة تثبيت سعر صرف الليرة، الذي نجم عنه إرتفاعات جنونية متتالية في أسعار ​الدولار​، إنعكست بدورها إرتفاعات جنونية في أسعار السلع من دون إستثناء مع تراجع مثير في القوى الشرائية لغالبية اللبنانيين، فكانت الإعتصامات والتظاهرات الشعبية المنددة بسياسات وأداء المسؤولين الذين هربوا بإتجاه سياسة الدعم لنحو 300 سلعة أساسية (مواد غذائية)، وخلافه إضافةً إلى أسعار الدواء و​المحروقات​ والطحين. وبما أن الدولة مفلسة، لجأت كعادتها إلى "​مصرف لبنان​" لتمويل فاتورة الدعم التي بلغت كلفتها في عام 2020 أكثر من 6 مليارات الدولار.

إذا ما كان لدى المركزي من إحتياطي قابل للإستعمال نفذ، ولم يتبقى أمام المصرف إلا الإحتياطي المودع لديه من ​المصارف​ الذي هو في حقيقته للمودعين للإستمرار في سياسة الدعم لتلافي الإنفجار الإجتماعي، الذي ينتظر شعلة خفيفة للإشتعال، وهذه الشعلة تتمثل في وقف العمل بسياسة الدعم بسبب عدم توفر الأموال المطلوبة، إذ أن "مصرف لبنان" يرفض حتى الساعة إستعمال ما تبقى من ودائع الناس في تأمين سياسة إستمرارية الدعم بعد شهر أيار المقبل، وهو موعد نفاذ أموال "مصرف لبنان".

حكومة تصريف الأعمال الحالية لا تريد تحمل تداعيات وقف الدعم، وتفضل أن تترك هذا الأمر إلى الحكومة الجديدة التي لم تبصر النور بعد، و"مصرف لبنان" يتهيب التفريط بأموال المودعين، كل هذه الأمور تضع البلاد أمام خيارات أحلاها مرٌ، وأمام تحديات ومخاطر لا يمكن لأحد أن يتوقع حجمها أو نتائجها.

أكثر المتفائيلين المحليين من خبراء وسياسيين، لا يعطون نسبة كبيرة لتجاوز قطوع الدعم، إلا في حال أن تشكلت حكومة جديدة توحي بالثقة للمجتمع الدولي، الذي يقف على أبوابنا منذ شهور مطالباً بحكومة "ثقة" ليمد لنا يد المساعدة.