دفعت الظروف الاقتصادية السيئة التي تضرب ​لبنان​، إضافةً إلى الغلاء الفاحش، شريحة واسعة من الشعب إلى ما تحت خط ​الفقر​.

ويتخوف اللبنانيون من رفع الدعم عن ​المواد الغذائية​ الأساسية، وانعكاسات هذه الخطوة معيشياً واقتصادياً، ما من شأنها أن تؤدي الى ارتفاع سعر صرف ​الدولار​، واستمرار انحدار قيمة الرواتب و​الأجور​، وغلاء معيشة إضافي مع زيادة أسعار المواد الغذائية، ما يعني حتماً تراجعاً إضافياً للقدرة الشرائية.

وأصبحت المحال التجارية أشبه بساحات حرب، حيث يتدافع المواطنون يومياً للحصول على السلع المدعومة، التي أصبح الحصول عليها إنتصاراً يحتذى به، خصوصاً قبل بدء "​شهر رمضان المبارك​"، حيث يتوقع أن تشهد الأسعار مزيداً من الارتفاع.

وفي هذا السياق، أكدت نائب رئيس ​جمعية المستهلك​ ندى نعمة، في مقابلة مع "الاقتصاد"، أن "ارتفاع سعر ربطة ​الخبز​ غير مبرر، فالطحين دائماً ما كان مدعوماً.. ولطالما كانت آليات التسعير قائمة على النصب والإحتيال".

وأضافت: "في هذا الوقت، نحن ضد أية عملية دعم، وهذا ما كنا نطالب به كجمعية مستهلك، لأن الدعم هو عملية سرقة للبلد، إن كان على الدواء أو الطحين، أو المحروقات".

وقالت: "الإجتماعات تحدث بوجود نقابة أصحاب المطاحن، والأفران، وبغياب ممثلين عن الشعب، فيتم رفع الأسعار من دون أخذ رأي جمعية المستهلك، خصوصاً في ظل هذه الأوضاع".

وأشارت نائب رئيس جمعية المستهلك، إلى أن "لبنان يعيش حالة تخبط وفوضى وإنهيار تام، وهناك غياب واضح للدولة، والحل فقط في تغيير الطبقة السياسية، التي تعيد وتنتج العقليات ذاتها.. وها هي ستخلق منصة جديدة، تؤدي إلى ظهور سعر جديد في ​السوق السوداء​".

وأوضحت أن "المواطنين حالياً يملكون بعض الأموال، ولكن في المستقبل ستبدأ الأحزاب بتوزيع الإعانات.. ومنظمة" ​الفاو​" حذرت من مجاعة في لبنان، ما يعني أن الأمور لم تعد مجرد تحذيرات ومخاوف، هناك تهديد فعلي للأمن الغذائي.. والأمور ذاهبة إلى الأسوأ".

وأكدت أن "الحل بيد الناس بالدرجة الأولى، عليهم التحرك ضد هذه الطبقة، التي لا تسأل عن شعبها".

ولفتت نعمة إلى أن "الجمعية منذ البداية تطالب برفع الدعم كلياً.. وعند تسليم مصيرنا للتجار و​المصارف​، ستكون النتيجة كما وصلنا إليها اليوم".

وشددت نائب رئيس جمعية المستهلك، على أن "أموال الدعم يجب أن تذهب مباشرةً إلى المواطن، عندها تخلق سوق منافسة، ولا يقوم التاجر بإخفاء السلع المدعومة.. لكن هذه الحلول لم تقم بتنفيذها السلطات المعنية، لغياب الفكر الاقتصادي".

وحول مسألة ارتفاع ​أسعار المحروقات​، والتوجه لإصدار التسعيرة مرتين في الأسبوع، رأت نعمة، أنه "بحال وجود جدولين للتسعير، من الأفضل رفع الدعم عن المحروقات"، وقالت: "يريدون سحب ما تبقى من دولارات في المصرف، وبنفس الوقت رفع السعر، أي تحقيق مكاسب على الجهتين".

وأكدت أن "موقف الجمعية واضح، وهو رفع الدعم، الذي يعتبر سرقة ونصب على المواطن.. وفي حال بقيت أسعار المحروقات بالارتفاع في الأسبوعين المقبلين، هذا يعني رفع الدعم، لأن ​أسعار النفط​ عالمياً انخفضت إلى 60 دولاراً للبرميل".

وعن الحلول الممكنة، قالت نعمة، إنَّ "الدعم المباشر هو الحل، عبر تقديم المساعدات إلى الناس، وعندها يختار المواطن مكان صرف أمواله (بنزين، وسلع، وطعام..)".

وتابعت: "لا يمكن منع المواطن الذي فقد الثقة والأمان من التخرين.. وقبل الأزمة وفي الأيام الأولى من "شهر رمضان المبارك" كنا نشاهد صعوداً في الأسعار، واليوم، مع الفوضى وعدم المراقبة و​المحاسبة​، الأسعار حتماً ذاهبة للارتفاع".

وعن الخطوات التي يمكن إتخاذها للجم الارتفاع، أشارت إلى أنه "في ظل حكومة مستقيلة، ومع هذه العقلية الاقتصادية والتفلت والفوضى، لا توجد حلول.. والأسعار إلى ارتفاع، ونحن أصبحنا في اقتصاد فوضوي وليس حراً".

وأردفت قائلةً: "المواطن لا يرى شيئاً من الدعم، بل يذهب للتجار والتهريب.. والدولة غائبة، تريد إستغلال ما تبقى من أموال لمصلحتها".

وعن مدى تأثير تشكيل حكومة على الوضع الراهن، أوضحت أن "الحل بيد المواطن وهو داخلي وليس خارجي، عبر الذهاب إلى قصور المسؤولين ومحاسبتهم، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، ومحاكمتهم، لأنهم يحاولون منع التحقيق في حساباتهم، ومعرفة من سرق أموال الشعب".

وعن المبادرات الفردية بالمقاطعة، لفتت نعمة، إلى أنها "لا تجدِ نفعاً، ونحن قد قمنا بها أولاً، عند مقاطعة شركتي الخلوي.. ولكن الآن أصبحت من دون جدوى".

وفي ظل هذا المشهد المأساوي الذي يعيشه المواطن اللبناني، لا حلول في الأفق، والوضع ينذر بالأسوأ، مع غياب أي حل سياسي، يساهم بوقف الإنهيار، ويُرسي إستقراراً ولو نسبياً على المستوى الأمني والاجتماعي.. الدولة غائبة، والمناكفات بين الأفرقاء مستمرة.