بحنكة كبيرة، يقوم حاكم المصرف ومن خلفه طبقة سياسية تحميه وتشد على يده (ليس حرصاً إنما خوفاً على مصالحها) باستغلال ما تبقى من "ودائع" وجعلها رهينة لديها.

وعن التعاميم التي يطلقها ​رياض سلامة​ بين الحين والآخر، كذلك التعديلات التي تقررها ​المصارف​ مع كل رمشة عين، وصولاً الى ارتفاع سعر الصرف الجنوني الذي بات شغلنا الشاغل.. من هنا كان لـ"الاقتصاد" حديث خاص مع الخبير القانوني – الدولي في الشؤون الاقتصادية، المحامي د. علي زبيب، الذي أحاطنا بتفاصيل مسار تطبيق التعميم رقم 154، كاشفاً لنا عن رأيه بما اسماها "لعبة حاكم المصرف على القانون والتواطؤ مع المصارف بمباركة الطبقة السياسية"، ما جعل المواطن اللبناني وحده من يدفع الثمن باهظاً.

"تعميم يتعارض مع الدستور اللبناني"، بهذه ​الجملة​ بدأ زبيب شرحه عن التعميم رقم 154، مؤكداً بأنه يتعارض مع القوانين المرعية الإجراء وهو قابل للطعن كما يتّسم بعدم القانونية من خلال 3 فروع وهي:

- الناحية الدستورية

- السلطة التشريعية

- السلطة القضائية

في التفاصيل، يشير زبيب إلى أن هذا التعميم مخالف للبنود الدستورية:

* في مقدمة الدستور الفقرة (و): "النظام الاقتصادي الحر، يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة."

وهذا التعميم يناقض هذا المبدأ.

* في المادة (7) من الفصل الثاني: "كل اللبنانيين سواء في القانون، وهم يتمتعون بالتساوي بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم."

وهذا التعميم يتعارض تماماً مع هذه النقطة، لأنه فعلياً يوجد فرق بين اللبنانيين من المنحى الدستوري.

وعن حلوله مكان المشرّع، يقول زبيب: "جاء هذا التعميم مخالفاً للأصول والنظام العام، لأن المصرف المركزي حلّ مكان السلطة التشريعية وتوجه للمودعين الذين قام أي منهم بتحويل ما يفوق مجموعه 500 ألف دولار أو ما يوازيه بالعملات الأجنبيّة خلال الفترة المبتدئة من 1/7/2017 على أن يودعوا (أي يعيدوا من الخارج) مبلغاً يوازي 15% من القيمة المحوّلة أصلاً في حساب مجمّد لخمس سنوات، فيما تم فرض نسبة 30% على رؤساء وأعضاء مجالس إدارة وكبار مساهمي المصارف والإدارات التنفيذيّة العليا للمصارف والأشخاص المعرّضين سياسياً (PEPs) من ​التحويلات​ التي قاموا بها منذ 1/7/2017. ولم يستند التعميم إلى أي تشريع صادر عن ​مجلس النواب​ وهذا الأمر غير قانوني، بل يقتضي محاسبة المصرف المركزي وحاكمه، لأن دوره يقوم على إدارة العلاقة وتنظيمها بينه وبين المصارف وليس التوجه مباشرة للمودعين وإجبارهم على ما لم يفرضه القانون عليهم.

أما من الناحية القضائية (وهو أمر خطير): إن التعميم ربط مخالفته بالملاحقة القضائية وفقاً للقانون 44 المتعلق بمكافحة تبيض الأموال و​تمويل الإرهاب​ وهذا القانون ليس له علاقة بالتعميم بأي شكل.

ونظراً لهذه المخالفات الواضحة، استدرك حاكم المصرف الخلل الذي وقع فيه. وفي رد على رسالة ​جمعية المصارف​ تراجع سلامه عن التعميم بشق ​العقوبات​ وقال لهم عليكم بـ "حثّ" المودعين. وفعل "الحث" ليس له تبعات جزائية، وأضاف سلامة حينها "إن لم يلتزم المودع بهذا التعميم لا يوجد أي تبعات بموضوع القانون 44"، من هذا الباب نستطيع القول أن هذا التعميم هوغير ملزم من جراء النقاط الثلاث المشار إليها."

ويضيف زبيب: "برأيي الشخصي حول هذا الموضوع، يجب أن يُفتح تحقيق بكل قرش تم تحويله عبر هيئة التحقيق الخاصة على كل من تولى الشأن العام حتى ​المقاولين​ الذين يتولّون عقوداً من الدولة، والسؤال لماذا أطلب منهم استرداد 30%؟ ولماذا لا تعود الودائع المهربة بنسبة 100% وليعاقب المتورط عبر سجنه!

لكن اليوم ​مصرف لبنان​ يعمل بطريقة الخُوّة، لدى الكثير من الموكلين من ​التجار​ هامش الربح لديهم لا يتخطى 3 أو 4% من أين سيقدمون15% وبأي حق يطالبهم بذلك!؟

التعميم 154 وجد لخلق بلبلة وهو اتفاق وتواطئ بين المصرف المركزي والمصارف وبتغطية من مفوض الحكومة في المصرف المركزي التابع لوزارة المالية بصفة مدير عام الذي لم يؤدِّ واجبه حتى يومنا هذا."

وعن كيفية استفادة المصارف من الأوضاع التي آلت إليها الأزمة الراهنة، أجاب زبيب: "المصارف حاولت الاستفادة من قانون تمديد المهل لزيادة رأس المال الداخل والمعنوي بالخارج. المضحك المبكي أن هناك نصاً قانونياً يقول "لا يمكن للخسيس أن يتذرع بخساسته"، اليوم المهل التي تم إعطاؤها للفئة المظلومة من الشعب اللبناني الغير قادرة على تسديد موجباتها المالية للمصارف، لماذا أعطيت ذات المهل للمصارف -الذين هم أصلاً عبر رؤساء مجالس اداراتها وأصحابها وكبار مساهميها- قاموا بتحويل السواد الأعظم من الأموال بالفترة التي كان هناك تقليلاً لحركة ​رؤوس الأموال​ أي "Capital Control" الغير شرعي والغير رسمي والغير قانوني على كل الشعب ما عدا هذه الفئة!"

الليرة تستسلم أمام ​الدولار​.. ولعبة السوق تنال من الفقير!

يقول زبيب إن"كل الفئات في لبنان تستيقظ خلال اللحظات الأخيرة، وكي ينقذ رياض سلامة نفسه من المأزق الذي وقع به، بدأ بالترويج لبطولات وهمية في السوق من خلال تنفيذ المادة 208 من قانون النقد والتسليف -التي تعطي الحق للهيئة المصرفية العليا بفرض عقوبات على المصارف تبدأ بالتنبيه وتنتهي بالشطب- وبالتالي هذا الضغط الذي شكّله سلامة على المصارف دفعتهم لتجميع كل الدولار من السوق مما زاد الطلب على العملة الصعبة.

وبدأت المصارف بإعطاء %3.5 ووصلت لل 4%، ما يعني اعطاء المصرف 25 ألف دولار كاش مقابل 100 ألف دولار ​شيك​، وهذا كله يدخلنا على شطب ​الديون​ الدفترية الذي جعل الناس تقوم بتسديد قروضها من خلال هذه الطريقة (شراء شيكات)، وهذا الأمر يرفع من قيمة الدفاتر لدى المصرف، خصوصاً أننا قادمون على مرحلة الدمج والاستحواذ، على الأقل يكون حريصاً بأن قيمته الدفترية أصبحت أعلى من خلال الناس التي أغلقت ديونها، أيضاً في محاولة لرفع رأس ماله. كل هذه اللعبة ساهمت بشكل كبير في ارتفاع سعر الصرف أمام الدولار.

أيضاً هناك أمر أساسي لا يعرفه الناس، أن هناك مصارفاً استدانت مبالغ مالية "كاش"وصلت إلى عشرات الملايين وتعهدت بإرجاعها بنسبة تفوق 10 و15% كأنها فائدة ربوية (ريبو). هذا الأمر يدفع ثمنه السوق والمواطن، لأنه تم تجميع الدولار قبل الـ 28 من شباط. ولأن الدولار تم جمعه بطريقة عشوائية وهجينه، شاهدنا هذا الارتفاع الجنوني لسعر الصرف.

ولعبة الدولار في السوق لا تقتصر على المضاربات الغير شرعية والغير قانونية من قبل الصرافين، فهم عنصر صغير جداً صغير بهذه المعادلة. هناك 6 إلى 8 أشخاص يتحكمون بالسوق المالي في البلد من خلال إغراق السوق بالدولار أو سحبه. الجميع يستفيد من الفوضى ما عدا المواطن الفقير.

وفي حال حصل اتفاق حكومي وتم تخفيض سعر الصرف إلى 9900 ليرة للدولار المواطن سيفرح!"

لبنان لا يحتمل مزيداً من ​التضخم

يؤكد زبيب في حديثه لـ "الاقتصاد"، أن "أي ورقة يقوم بطبعها الآن المصرف المركزي من دون دعم للعملة الصعبة سيخلق تضخماً مفرطاً، وحينها لا شيء سيقف بوجه انهيار العملة. وعندما يقترح النائب علي حسن خليل مشروع قانون يقضي بزيادة مليون ليرة للعسكر، من أين ستأتي هذه الأموال!؟ سيقومون بطبعها، وبالتالي عندما تزداد عملية ​الطباعة​ الغير مدعومة يزداد التضخم ويرتفع الطلب على الدولار.

ويعتبر زبيب أن أي زيادة على معاشات ​القطاع العام​ هو ضرب إضافي للكتلة النقدية ولسعر صرف الليرة وتساءل ما الفائدة من رفع 5% على المرتبات بينما أسعار السلع ترتفع أكثر من ذلك بكثير؟ ما الذي سيتغير غير أنه عبء إضافي على الخزينة! وهذا ما حصل في سلسلة الرتب والرواتب التي لم يتم احتسابها بشكل صحيح وأوقعتنا بمأزق كبير.

المعنيون يحاولون الهرب عبر تدابير فاشلة لتأجيل الثورة الشعبية الحقيقية المتمثلة بثورة الجياع."

مصير التدقيق الجنائي

وعن مصير التدقيق الجنائي يؤكد الخبير القانوني-الدولي في الشؤون الاقتصادية، أنه "لن يحدث تحت ظل هذه الفئة السياسية، ببساطة لأن رياض سلامة هو المحاسب التابع لهم والمصارف أدوات لديهم، وهذا التأخير في مسار التدقيق يبقي السوق مفتوح (فلتان) على عملية ​تجارة​ الشيكات التي من خلالها شطبت المصارف كمية ديون دفترية بنحو 35 مليار دولار.

وعملية بيع الشيكات على المنصة دمار شامل للاقتصاد، فهناك مبالغ هائلة تم بيعها مؤخراًو تجارة لا مثيل لها، وكل هذه الأمور تستفيد منها المصارف والمركزي والسلطة السياسية وبالطبع لا مصلحة لهم بالتدقيق الجنائي.

لكن مع الأسف، أصبح لبنان مسرحاً ل​تبييض الأموال​ ما يؤدي إلى تمويل بطبيعة سير الأمور إلى تمويل للإرهاب. وكل هذا دون رقيب أو حسيب.

الأمور لم تعد منضبطة في البلد، ولا مصرف لبنان ولا النائب العام التمييزي ولا النائب العام المالي سيغيرون شيئاً. فالبعض متواطىء، والبعض الآخر شريك وهناك البعض المتقاعس والمتخاذل.. ومن هنا نصل إلى نتيجة، أن الجميع مشارك بالجريمة."