تعزز جائحة فيروس "كورونا"، تفاقم عدم المساواة الاقتصادية العالمية بعدة طرق، جغرافيا واجتماعيا.

مع طرح اللقاحات الأولى، من المتوقع أن ينخفض انتشار الفيروس في الأشهر المقبلة – لكن من المرجح أن يستمر تأثيره الاقتصادي، كما يحذر الاقتصاديون.

في مقابلة أجريت معه أخيرا، قال أنغوس ديتون الحائز على جائزة "نوبل"، إن تزايد عدم المساواة "له علاقة كبيرة بالوظائف"، حيث إن القيود المفروضة على النشاط التي أدخلت بهدف مكافحة الوباء أضرت بالعمال الأفقر بشكل خاص، ما أدى إلى أكبر خسارة في الناتج العالمي في التاريخ الحديث.

نتيجة لذلك، يقدر "​صندوق النقد الدولي​" أن التفاوت في الدخل ارتفع بشكل حاد في 2020 أكثر مما كان عليه في الأزمات الاقتصادية والمالية السابقة.

نظراً لأن الوباء زاد من عدم المساواة بين الدول وكذلك بين الأسر، فقد تم القضاء على عقد من التقدم في الحد من عدم المساواة في الاقتصادات النامية، وفقا لـ "صندوق النقد الدولي".

وفقا لـ "​منظمة العمل الدولية​"، يعمل نحو 600 مليون شخص على مستوى العالم في القطاعات الأكثر تضررا مثل الضيافة و​التجزئة​.

تحتوي هذه القطاعات بشكل خاص على نسب عالية من ​النساء​ والأقليات العرقية و​المهاجرين​ وذوي المهارات المتدنية و​الشباب​، كما أنه يغلب عليها أن تكون رواتبها ضعيفة.

قال سيباستيان كونيغز، الاقتصادي المختص بالعمالة في ​منظمة التعاون الاقتصادي​ والتنمية، إن "مجموعات سوق العمل الأكثر ضعفا – ولا سيما ذوي المهارات المتدنية والعمال في الوظائف غير القياسية – تأثروا بشدة بفقدان الوظائف والأرباح حتى الآن" الأمر الذي يمكن أن "يزيد أكثر من قبل من تفاوت المستويات في الثروة".

إضافة إلى ذلك، تضرر الاقتصاد غير الرسمي بشدة – وهذا هو المكان الذي يعمل فيه بعض العمال الأكثر ضعفا في العالم. يعمل نحو ملياري شخص حول العالم بشكل غير رسمي، مع قدرة محدودة على الاستفادة من الحماية الاجتماعية أو المزايا.

فقدان الدخل هو أحد العوامل الدافعة وراء توقعات ​البنك الدولي​ بأن الوباء سيدفع ما يصل إلى 150 مليون شخص إلى ​الفقر​ المدقع بحلول 2022.

كما ازداد عدم المساواة بين. دخلت الدول الأكثر فقرا في الوباء مع أنظمة رعاية صحية ذات موارد أقل وتضرر كثير منها بفقدان ​عائدات السياحة​ وانخفاض ​التحويلات المالية​ من المواطنين العاملين في الخارج وانهيار الصادرات وارتفاع ​الدين العام​.

كانت ​الدول الغنية​ أكثر قدرة على حماية اقتصاداتها من آثار الوباء من خلال زيادة ​الإنفاق العام​، تاركة الاقتصادات النامية تكافح دون من عمل عالمي منسق من النوع الذي أثارته ​الأزمة المالية​ منذ أكثر من عقد.

ونتيجة لذلك، حذر الاقتصادي جوزيف ستيغلتز أخيراً، من أن الوباء "كشف وفاقم عدم المساواة بين الدول تماما كما حدث داخل الدول".

أيضا، التصعيد الناجم عن الوباء في وتيرة تبني التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم "يهدد بتوسيع الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة من خلال تحويل المزيد من الاستثمار إلى الاقتصادات المتقدمة التي استقرت فيها الأتمتة منذ زمن"، وفقا لكريستيان ألونسو، وهو اقتصادي في صندوق النقد الدولي.

في العام الحالي، من المتوقع أن تتوسع الفجوة نتيجة الاختلافات في الحصول على اللقاحات.

في الوقت نفسه كان ​كبار السن​ أكثر عرضة للآثار الصحية لفيروس كورونا – ولكن في معظم الدول يتحمل الشباب العبء الأكبر من الأضرار الاقتصادية.

في ذروة الارتفاع المفاجئ للبطالة الناجمة عن الوباء، كانت البطالة بين الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أعلى بنسبة 7.5 نقطة مئوية عن بداية هذا العام، بينما ارتفعت بين الذين تبلغ أعمارهم 25 عاما فأكثر 3.2 نقطة مئوية.

قد يكون لفقدان الوظائف الناجم عن الوباء عواقب طويلة الأمد: فالأشخاص الذين بدأوا حياتهم المهنية خلال فترة ​الركود​ يعانون انخفاض الدخول لمدة عقد بعد التخرج ويبلغون عن تدني احترام الذات، وارتكاب المزيد من الجرائم، وعدم الثقة بالحكومة بشكل أكبر، وفقا لبحث أجراه هانيس شواندت، أستاذ الاقتصاد المساعد في جامعة نورث وسترن في ​الولايات المتحدة​.

حذرت "منظمة العمل الدولية"، من أن "استبعاد الشباب من سوق العمل" هو "أحد أكبر المخاطر التي يتعرض لها المجتمع في الوضع الحالي" بسبب "الآثار طويلة الأمد".

في جميع أنحاء العالم، تجنب العاملون المتميزون نسبيا أسوأ الآثار الاقتصادية للوباء. مثلا، تمكن كثير من العاملين في المكاتب من التحول إلى العمل من المنزل، وبالنسبة لهم، كان الإغلاق يعني خفض الإنفاق على النقل والترفيه بينما ظلت دخولهم مستقرة نسبيا.

تمكن ما يصل إلى 40% من فئة الدخل الأعلى في منظمة العمل الدولية من العمل من المنزل أثناء الجائحة، أي أكثر من ضعف النسبة بين أصحاب أقل الدخول.

وفي كثير من الدول، مع تقليص الوظائف في المهن التي تتطلب مهارات متدنية، زاد عدد الوظائف المهنية.

نتيجة لذلك، ارتفعت معدلات ادخار الأسر في كثير من الدول، وهناك بعض الأبحاث التي تشير إلى أن الارتفاع كان مدفوعا بأصحاب الدخل المرتفع. وفي الوقت نفسه، كان على الأشخاص ذوي الدخل المنخفض استخدام المدخرات للمساعدة على دفع فواتيرهم.

قالت جيتا جوبيناث، كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي: "الفقراء يزدادون فقرا". وهي تطالب الحكومات ببذل المزيد من الجهود لمساعدة العمال على إعادة بناء المهارات والانتقال إلى القطاعات النامية، من أجل تجنب أن يترك الوباء إرثا طويل الأمد في شكل عدم المساواة العالمية الراسخة.

أغنى عشرة من أصحاب المليارات في العالم زادوا ثروتهم 319 مليار دولار في 2020، وكان أصحاب المليارات في مجال التكنولوجيا يمثلون الأغلبية العظمى من المكاسب، وفقا لبحث أجرته بلومبيرج. يرجع جزء كبير من هذا إلى ارتفاع أسعار الأصول. ارتفع مؤشر الأسهم العالمية "​MSCI​" بنسبة 12% منذ بداية العام.

كان هذا مدفوعا جزئيا بنجاح الشركات التي شهدت زيادة في الطلب بسبب الوباء، ولكن أيضا بسبب جهود ​البنوك المركزية​ للتخفيف من التباطؤ غير المسبوق في النشاط عن طريق ضخ موجات ضخمة من التحفيز في ​الاقتصاد العالمي​ ساعدت على دفع أسعار الأصول إلى الأعلى.

قال تشاك كولينز، من "معهد دراسات السياسة"، إن ثروة أصحاب المليارات "تتزايد ويستفيد الكثير منهم من اعتمادنا المتزايد على التكنولوجيات المستندة إلى السحابة، والبيع بالتجزئة عبر ​الإنترنت​، وأبحاث ​الأدوية​، والتطبيب عن بعد، وعقد المؤتمرات عبر الفيديو – وهي خدمات أصبحت أساسية أثناء الجائحة".

مثلا، زادت الثروة المجمعة لجيف بيزوس من "​أمازون​" وإيلون ماسك من شركة "​تسلا​" ومنتج اللقاح تشونج شانشان أكثر من 275 مليار دولار منذ بداية العام، وفقا لوكالة "​بلومبيرغ​".

تضرر بعض قطاعات الاقتصاد مثل التجزئة والضيافة بسبب الوباء، أدى إلى "معاناة" بعض الأغنياء أيضا. خسر قطب التجزئة الإسباني أمانسيو ​أورتيغا​ 10 مليارات دولار وفقا لوكالة "بلومبيرغ"، إلا أن التأثير الإجمالي في ممتلكات ​المليارديرات​ كان محدودا.