أثار إعلان عضو كتلة " التنمية والتحرير" النائب علي حسن خليل بعد تقديمه اقتراح قانون معجلا مكررا بإعطاء دفعة ​مالي​ة بقيمة مليون ليرة لبنانية شَهْرِيًّا لكلّ ضباط وعناصرالقوى العسكرية وال​أمن​ية نظرًا للظروف الاجتماعية والمالية ولأهمية الدور الاستثنائي الذي تقوم به، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية.

في تفاصيل هذا الاقتراح دعا خليل إلى "إعطاء العسكريين العاملين من ضباط وعناصر الجيش و​قوى الأمن الداخلي​ و​أمن الدولة​ وشرطة ​مجلس النواب​ والضابطة الجمركية العسكرية، دفعة على غلاء المعيشة تساوي مليون ليرة لبنانية شَهْرِيًّا لمدة ستة أشهر". وأشار إلى أن "هذه الدفعة تُحسم من قيمة أي زيادة تطال سلسلة الرتب والرواتب خلال سريان هذا القانون، وإذا كانت قيمة هذه الزيادة أقل من قيمة الدفعة المقررة، فلا يجوز تخفيض الدفعة، أما إذا كنت قيمة الزيادة أكثر منها فيستفيد المعنيّون منها من الفارق فقط. ولفت إلى أن هذه الدفعة لا تدخل في أساس الراتب ولا تعتبر جزءًا منه ولا تدخل في أي احتساب يُبنى على أساس الراتب ولا تخضع لأي ضريبة".

اقتراح من شأنه أن يُصعد التحركات الشعبية والمطلبية في القطاعات كافة، خصوصًا وأن رابطة موظفي الإدارة العامة كانت قد أعلنت الإضراب اليوم (الجمعة) مطالبة بمنح جميع الموظفين من دون استثناء دفعة على غلاء المعيشة لا تقلّ عن مليون ليرة لبنانية، ريثما يتم تصحيح ​الأجور​ بشكل شامل.

مصادر "التنمية والتحرير": اقتراح القانون نابعٌ من حرصنا على استقرار البلاد وأمنها

من جهتها، استغربت مصادر كتلة " التنمية والتحرير" الهجوم المُنظم على هذا الاقتراح قبل أن تتم مناقشته، وقالت لـ"الاقتصاد": " نأسف لما سمعناه اليوم من ردود مختلفة على هذا الاقتراح، خصوصًا وأن هناك من اعتبره ​رشوة​ للجيش والقوى الأمنية، ومنهم من وصفه بسلسلة رتب ورواتب جديدة، أما بعض المحللين الاقتصاديين فاعتبروه اقتراحًا مدمرًا للاقتصاد، لأنه وبحسب قولهم سيزيد نسبة ​التضخم​ في البلاد".

أضافت المصادر: " أولًا، إذا كانت هذه المساعدة المالية الاستثنائية هي بمثابة رشوة انتخابية كما يزعمون، فالفئة التي ستحصل عليها أي القوى العسكرية، هي بالأساس لا يحق لها المشاركة في الانتخابات النيابية. ثانيًا هذه الدفعة المالية لن تكون زيادة دائمة على الراتب، وهي ليست سلسلة رواتب جديدة، خصوصًا وأن الوزير خليل هو أول من أثار موضوع التقديمات المُضخمة للمتقاعدين العسكريين، وهذا الأمر كان واضحًا من خلال الموازنات التي قدمها في أثناء توليه وزارة المالية".

الاقتراح بحسب المصادر نفسها "انطلق من حرص النائب خليل على استقرار البلاد والاستثمار في الأمن، كوننا في مرحلة استثنائية خطيرة جِدًّا في ظلّ تعثر ولادة الحكومة. فأمن المجتمع اللبناني اليوم بخطر، والقوى العسكرية والأمنية هي الفئة الوحيدة الضامنة على أمننا واستقرارنا".

أما بالنسبة لكلفة هذه الدفعة تتابع المصادر: " لم يطرح النائب خليل باقتراح القانون مصادر التمويل، فهي ليست بالضرورة أن تكون من الخزينة، أو من خلال زيادة طبع العملة. أما بالنسبة للكتلة النقدية المخصصة لهذا الاقتراح فهي بحدود الألف مليار ليرة لحوالي ​110​ ألف عسكريّ، على كتلة نقدية بالسوق تُقدر بحوالي 40 ألف مليار. حتى لو تم تمويلها كما يدّعون من خلال زيادة طبع العملة الوطنية، فهذا الأمر لن يؤدي إلى قفزة تضخمية كبيرة في البلاد.نحن نتحدث اليوم عن مقدار محدود من النقد، سيذهب لفئة محدودة من الناس. وهناك مواقف متناقضة لأطراف اعتبروا أن لهذه الخطوة انعكاسات سلبية على نسبة التضخم في البلاد، في الوقت عينه تساءلوا لماذا لم تشمل هذه الخطوة باقي الموظفين في ​القطاع العام​ لتشمل 340 ألف موظف".

ختمت المصادر: " هذا الاقتراح سيخضع للنقاش وللتصويت، ونأمل من الفرقاء التقدم باقتراح قانون أفضل من أجل إنصاف هذه الفئة، لكي تبقى قادرة على ضبط أمن البلد في هذه المرحلة الدقيقة. وهذا الاقتراح هو أيضًا بمثابة جرس إنذار للجميع بضرورة تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن".

اَلْمِبْيَض: تداعيات سلبية بانتظار هذا القانون في ظلّ مقاربة شاملة وجذرية للحل

في المقابل، اعتبرت كبيرة الاقتصاديبن لدى مصرف "جفريز انترناشيونال"، علياء اَلْمِبْيَض أن "​الوضع الاقتصادي​ والاجتماعي في لبنان بات يتطلب معالجات سريعة خصوصًا لمشكلة تآكل الأجور في القطاعين العام والخاص". وقالت في حديثها لـ "الاقتصاد": "المشكلة تكمن في أن اقتراحات المعالجة تأتي خارج إطار مقاربة شاملة للحلول، وبالتالي يمكن أن يكون لها تداعيات سلبية عكسية.فالزيادات المُقترحة حتى لو كانت محقة ولفترة زمنية محددة، إلا أننا لا نملك أي مصادر تمويل لها سوى ​طباعة​ العملة، وهذا الأمر سيؤدي إلى زيادة في ​النقد المتداول​ بالليرة (م1) ، التي بدورها ستزيد الطلب على العملة الصعبة، سينتج عنها انهيار أكبر لسعر صرف الليرة، وبالتالي زيادة في الأسعار وزيادة في نسبة التضخم. ومثل هذا المشروع يمكن أن يفتح الباب لمطالبات فئوية أخرى من مجموعات مختلفة داخل القطاع العام وخارجه، الأمر الذي سيدخلنا في حلقة مفرغة من التضخم وانهيار سعر الصرف الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى ​انكماش​ اقتصادي اكثر حدّة، وإلى إفلاس مزيد من الشركات في ​القطاع الخاص​ وزيادة نسبة ​البطالة​، مما سينعكس سلبًا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وحتى الأمنية. والجدير ذكره أنه كلما انتهجنا سياسات تعزز انهيار سعر الصرف ستزداد الخسائر في ​القطاع المصرفي​ والمالي ولاسيما في ميزانية ​مصرف لبنان​ وتزداد معه كلفة إعادة ​رسملة​ المصارف في المستقبل، وحاجة الاقتصاص مما تبقّى من ودائع".

أضافت: " هذه القرارات عادةً لها أبعاد سياسية معينة وهي مرتبطة بأجندة المسؤولين السياسيين وبمصالحهم، ولا أعتقد أن البلد يحتمل اليوم خسائر إضافية. فخلال الستة أشهر الماضية، أي منذ بدء تعطيل مسار المحادثات مع ​صندوق النقد الدولي​، ارتفع معدّل التضحم من 90في المئة في شهر حزيران إلى أكثر من 145في المئة في كانون الاول، وانخفضت قيمة الليرة أكثر من 100 في المئة منذ حزيران وحتى الآن، بسبب التقاعس عن اتخاذ أي إجراء باتجاه حلّ شامل للأزمة الاقتصادية والاجتماعية، هذا فضلًاعن تعطيل الحلول عبر رفض إقرار قانون الـ "​كابيتال​ كونترول" وعدم ترشيد الدعم والاستمرار بطباعة العملة، أو حتى ملاحقة الأموال المهربة والمنهوبة. ولا أعتقد أن خلال فترة الـ 6 أشهر المقبلة سيكون وضعنا أفضل، خصوصًا إذا استمر أداء المسؤولين في السلطة التنفيذية والتشريعية على ما هو عليه اليوم".

برأيّ اَلْمِبْيَض إن "اقتراحات قوانين مماثلة تؤكد أن المعالجات التي ينتهجها المسوؤلون ​السياسيون​ هي معالجات مرحلية وليست جذرية، وهذا الأمر يتنافى مع مطالب اللبنانيين أولاوالمجتمع الدولي ثانيا الذي أبدى الاستعداد من أجل مساعدتنا. من هنا لا بد من تغيير المشهد السياسي عبر حكومة مستقلة كفوءة قادرة على التعامل مع الداخل والخارج، عبر برنامج إصلاحيّ شامل يتفق عليه اللبنانيون واللبنانيات، وذلكبالتعاون مع صندوق النقد الدولي".

وطالبت اَلْمِبْيَض في ختام حديثها بضرورة "تسريع الاتجاه نحو تصحيح مالي اقتصادي لتأمين منظومة حماية اجتماعية للبنانيين كافة على رأسهم القوى الأمنية والعسكرية. وتمنت على المجلس النيابي أن يقرّ قانون الـ "كابيتال كونترول" وفقًا لملاحظات صندوق النقد، والضغط لتشكيل حكومة فاعلة وقادرة على المضيّ قدمًا بخطة شاملة لإنقاذ البلد".