يزداد الوضع المعيشي في لبنان سوءاً، مع ارتفاع سعر صرف الليرة التي باتت عاجزة أمام ​الدولار​، ومع جمود سياسي لحلحلة أزمة تشكيل الحكومة.

وعلى وقع هذه المعطيات، تفاقمت أزمة المحروقات، فبعد شح مادة الفيول أويل الذي تسبب بانقطاع ​التيار الكهربائي​ لساعات متواصلة تجاوزت الـ 15 ساعة في العاصمة بيروت ومناطق أخرى، برزت أزمة شحّ في مادتي ​البنزين​ و​المازوت​.

أما ​المصارف​ الخاصة، فباتت عاجزة عن تمويل الاستيراد. وفتح الاعتمادات صار شبه محصور ب​مصرف لبنان​ الذي يبطئ إتمام هذه العملية. وبين تجار المصارف وتجار الأزمات يدفع المواطن وحده الثمن!

لماذا ترتفع ​أسعار المحروقات​ كل نهار أربعاء؟ هل سيُرفع الدعم عنها؟ وإلى متى سيبقى الشح في المحطات؟ وهل من أحد يتصدى للاحتكار في هذا القطاع؟

أسئلة أجاب عنها أمين سر تجمع أصحاب المحطات رشاد مشرفية، الذي أكد في مقابلة خاصة مع "الاقتصاد"، أن "أزمة البنزين ظهرت إثر الشحّ في الكميّات الموجودة في الأسواق وعدم التوزيع على المحطات خلال عطلة نهاية الأسبوع، لافتا إلى أنّ الشحّ سيستمر ما دام هناك مشكلة في تأمين الدولار الجديد وفتح الاعتمادات من قبل مصرف لبنان، وهي خطوات لا يعرف بعد متى ستتخذ".

وبما أنّ قرار رفع الدعم عن المحروقات لم يتخذ بعد بشكل رسمي رغم نفاد احتياطي مصرف لبنان من ​العملات​ الأجنبيّة، رجّح مشرفيه "وجود توجه نحو ترشيد استهلاك البنزين ما يعني استمرار الشح."

وفي سياق مرتبط بشحّ بالمحروقات، رفعت عدة محطات للوقود خراطيمها معلنة نفاد مادة البنزين لديها، ولا سيّما في شمال لبنان وجنوبه وفي البقاع الأوسط. كما عمدت محطات أخرى إلى ترشيد استهلاك الكميّات المتوافرة عبر تحديد الكميّة المسموحة لكلّ سيارة، بحيث فاقت نسبة هذه المحطات الـ 50%. وقال مشرفية في هذا الخصوص: "رفع الخراطيم يكون في أوقات محددة وليس لفترات طويلة، وهناك أصحاب محطات ليس لديهم إطلاع كافٍ عن ​آلية​ رفع الدعم، يخافون عند سماع أخبار عن الدعم أو عن الشح. ولا زالت المحطات تتعامل على الدولار الرسمي أي 1507 ليرة، لذلك هناك تخوف من رفع الدعم فجأة بعد انتهاء المخزون فيقوم صاحب المحطة بإغلاقها كي لا يقع بخسارة."

ألا تُعدُّ هذه الخطوات احتكاراً؟ كيف تتم مواجهتها؟!

"هذا القطاع لا يقتصر فقط على أصحاب المحطات فهناك الموزعين وغيرهم، لا أُخفي أن هناك احتكاراً، إذ يوجد 3 آلاف محطة في لبنان.. هناك من يحتكر وهناك من يخاف ولا يعرف تماماً ما سيحصل في الغد. والشعب تحول بغالبيته إلى تجار بسبب الجشع والهلع ومعظمهم لا يفكرون بمنطق."

وعن ارتفاع سعر المحروقات شدد أمين سر تجمع أصحاب المحطات أن "هذا الارتفاع غير مرتبط حتى الآن برفع الدعم وهو مرتبط بالارتفاع العالمي، وكثر لا يتنبهون لهذه المسألة، يعتقدون أن الزيادة هي لبرميل النفط، بينما الحقيقة هي بارتفاع سعر البرميل المكرر، وهذا السعر غير معلن وله منصة خاصة عالمية، هذا هو سبب ارتفاع المعدل الأسبوعي للأسعار العالمية للمشتقات النفطية وفق نشرات "Platts"، عنصر متغيّر ويشكل أكثر من 70% من ثمن البضاعة."

وشرح مشرفيه الأسباب الأخرى للارتفاع، "التي تتمثل بعناصر تشكل كلفة البضاعة من بلد المنشأ إلى الأراضي اللبنانية من نقل بحري، وتأمين، ومصاريف مصرفية، وربح وغيرها. وهذه العناصر منها ثابتة، ومنها نسب مئوية ترتبط بحركة الأسعار العالمية للمشتقات النفطية."

وأضاف:"يدعم مصرف لبنان ولا يزال حتى تاريخه، شراء ​المشتقات النفطية​ بنسبة 90%، وتحتسب هذه النسبة على أساس سعر الصرف الرسمي، في حين يتم إحتساب نسبة الـ 10% المتبقية على أساس ​سعر صرف الدولار​ بالسوق السوداء.

وعليه، هذا الارتفاع الأسبوعي الذي تشهده أسعار المشتقات النفطية في الآونة الأخيرة مردّه فقط إلى ارتفاع الأسعار العالمية للمشتقات النفطية من جهة، وإلى الارتفاع الحاد في سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء من جهة أخرى، والذي يؤثر على النسبة غير المدعومة من ثمن البضاعة أي الـ 10%."

وأشار مشرفيه إلى أن "الحديث عن رفع الدعم حتى الآن غير مؤكد، ونسمع هذا الخبر منذ عام 2019، لكن الناس تهلع فتذهب إلى المحطات، كما حصل مع الأفران، ذهبت العالم لتخزين ربطات ​الخبز​ وهي ليست بحاجة لكل هذه الكمية فقط من خوف انقطاعه كذلك الأمر حصل مع موضوع المحروقات."

وعن تهريب المحروقات إلى سوريا إن كان مستمراً رغم الإعلان مؤخراً عن اتخاذ إجراءات أكثر تشدداً في هذا الصدد، قال مشرفيه: "جزء كبير من قرار مصرف لبنان وتشديده على فتح الاعتمادات هو لمصلحة توقيف التهريب. فقد ارتفع الطلب على كمية الاستيراد وذلك من أجل تهريبه. ولكن هذه المسألة تبقى مسؤولية الجهات الرقابية والأمنية."

وفي سؤال حول مصير الاتفاقيّة التي أبرمت مع ​العراق​ لمدّ لبنان بمليون برميل من الفيول للكهرباء و500 ألف برميل من ​النفط الخام​، أشار مشرفيه إلى "أنها لم تترجم على أرض الواقع، وأن تنفيذ الاتفاقية يحتاج إلى زيارة من رئيس الحكومة إلى العراق."

الجدير ذكره أن النقص في مادة المازوت أيضاً يهدد وصول ​المياه​ إلى ​المنازل​ إذ عمدت بعض البلديات إلى الطلب من المواطنين تقنين الاستهلاك لأن كميّة المازوت اللازمة لضخ المياه قاربت من النفاد!