لم تظهر تبعات العاصفة "جويس" بعد، ولم تتكشف الأضرار التي قد تكون ألحقتها بالمحاصيل والبساتين الزراعية، مع تعرض كامل الأراضي اللبنانية لأقوى منخفض جوي هذا العام، ترافق مع الأمطار الغزيرة وتساقط حبَّات البرَد، إضافة الى تساقط الثلوج عند مستويات ارتفاع متدنية.

وكان لموقع "الاقتصاد" مقابلة خاصة مع رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع ابراهيم ترشيشي، للحديث عن الأضرار التي خلّفتها "جويس"، وعن أوضاع المزراعين، إضافة الى أسعار الخضار و​الفواكه​، وحركة التصدير.

- هل أثرت العاصفة جويس على ​الإنتاج الزراعي​ في منطقة البقاع؟

الثلوج التي تساقطت في منطقة البقاع هي محل ترحيب لدى كل المزارعين، فالشتاء والثلوج خلال هذه الفترة من السنة، تترك بالعادة السعادة والبهجة والسرور عند المزارع. أما بالنسبة الى الإنتاج في منطقة البقاع، فإن الأشجار لا تعطي الثمار في هذه الفترة، كما لا توجد مزروعات كثيرة يعتمد عليها، وبعضها يكون مزروعا ضمن البيوت البلاستيكية، لكننا لم نسمع عن حدوث أي أضرار لدى أحد.

كما أن الأشجار والمزروعات بحالة من الجمود والاستراحة في الوقت الحاضر، اذ أن الأشجار تستفيد كثيرا من هذا الطقس.

ولكن في حال حدوث بعض الأضرار، فيجب على المزارع أن يتحملها، لأننا نعلم جميعا أن هذه الأمطار والثلوج جاءت في وقتها، وبالتالي هي لا تتعدى على الطبيعة، كما لا تدخل ضمن التقلبات المناخية التي تحصل في العالم. فالأمطار جاءت في وقتها، ونحن بأمس الحاجة اليها. كما أن فوائدها كثيرة ولا تحصى، حيث أنها تسهم في تنظيف الطبيعة، والقضاء على الأمراض وعلى فأر الحقل، وزيادة نسبة المياه النظيفة، وتخفيف الملوحة من الأرض، ورفع مستوى الآبار الارتوازية، والمساعدة على سير الأنهار والينابيع، ومنع التصحر، وتشجيع الزراعات البعلية، وتأمين ​مياه الشفة​ قبل الري، لأن ​الجفاف​ يهدد المياه النظيفة المخصصة للشرب.

كما أن الثلوج المتساقطة على الجبال، تشكل خزانا للمياه، يمكن الاستعانة به خلال أيام الصيف الحارة. كما أنها تغذي بركة القرعون، وتمنع التلوث في المياه، وتسهم أيضا في الحد من تلوث ​نهر الليطاني​، إضافة الى العديد من الفوائد الأخرى.

- مع الحديث عن إمكانية رفع الدعم، ماذا سيحل بالمزارعين؟ وهل أنهم يحصلون بالأساس على ​الأسمدة​ والبذور و​الأدوية​ المدعومة؟

الحديث يتزايد في الآونة الأخيرة حول رفع الدعم عن القطاع الزراعي، مع العلم أن مستشار رئيس الحكومة في حكومة تصريف الأعمال، اتصل بنا وأبلغنا أن الرئيس حسان دياب يعارض رفع الدعم ويؤيد استمراره. ولكن عمليا، لقد ذهب الدعم بمعظمه، باتجاهات لا تخدم القطاع الزراعي على الإطلاق. واذا قسمناه الى فئات، نجد أن هذا القطاع نال نسبة 1% فقط من قيمة الدعم، والذي لا يتجاوز الى حد اليوم، الـ65 مليون دولار؛ 90% منها خصص لدعم الأعلاف، في حين أن القطاع الزراعي بأكمله لم يستفد بأكثر من 10% أو 20% منه، من ناحية البذور والأسمدة والأدوية.

وللأسف، بعض ​التجار​ يخبئون البضائع المدعومة، وفي ظل الحديث عن وقف الدعم، توقفوا نهائيا عن البيع. وهذا الأمر يعني أن المزارع لم يستفد إلا بكميات قليلة من الأسمدة والبذور والأدوية المدعومة.

وبالنسبة الى بذور البطاطا المدعومة على سبيل المثال، نجد أن أسماء الأشخاص الذين استفادوا من هذا الدعم، يعد على أصابع اليد، أما البقية فما زالت معاملاتهم عالقة إما في وزارة الاقتصاد أو في ​مصرف لبنان​.

ولكن كلمة حق تقال، أن وزارة الزراعة وحدها التي تسهل المعاملات من ناحيتها، لأن الملفات تمر بعدها الى وزارة الاقتصاد، حيث تبقى لمدة 20 يوما أو أكثر حتى تخرج وتتجه الى مصرف لبنان وحينها "الشاطر بشطارتو"، و"الواسطة" هي سيدة الموقف. ففي مصرف لبنان، نجد أن هناك معاملة تسير "خط عسكري"، وأخرى تتأخر، أو حتى لا تصدر على الإطلاق.

عندما رفعنا الصوت وطالبنا بتوجيه الدعم نحو المستلزمات الزراعية، وبإعطاء القطاع الزراعي الأفضلية على الأعلاف والأبقار، وجدنا أنهم بدأوا بالتفكير برفع الدعم نهائيا عن هذا القطاع، ما سيشكل كارثة حقيقية، حيث سترتفع الأسعار بشكل جنوني، وستحدث هوة كبيرة بين المزارع وإنتاجه الزراعي، وبين ​المستهلك​ صاحب الدخل المحدود الذي ما زال يقبض راتبه على دولار 1500 ليرة.

فالدعم هو عامل أساسي للتخفيف من هذه الهوة العميقة بين كلفة الإنتاج، وبين قدرة المواطن على شراء هذه السلع.

- ماذا بالنسبة الى الأسعار؟ وهل ما زالت محلات الخضار بالمفرق هي التي تستغل المواطن وترفع الأسعار؟

من الطبيعي في فصل الشتاء، وفي ظل درجات الحرارة المنخفضة، أن يتراجع الإنتاج لدينا، وذلك لأن معظم زراعاتنا على الساحل وفي البيوت البلاستيكية التي تتأثر كثيرا بحالة الطقس. وبالتالي، فإن الإنتاج قد لا يكون كافيا حتى للسوق المحلي، حيث نجد أن بعض التجار يعمدون للحصول على إجازات استيراد، أكان من الاردن أو من سوريا أو حتى من مصر. ولكن ما نستورده من الخارج، هو بالطبع أكثر تكلفة، وسعره أعلى من الإنتاج المحلي الموجود في الداخل، بسبب الحاجة الى العملة الصعبة التي تشهد ارتفاعا كبيرا في ​السوق السوداء​.

ولمن يقول أن أسعار الخضار لم تنخفض رغم وجود الدعم، فنجيبه أن هذا الدعم لم يصل بعد الى مرحلة تمكّن للفلاح الاستفادة منه، وبالتالي تتيح له البيع بأسعار متدنية. وذلك لأن الدعم بدأ على القطاع الزراعي منذ نحو شهرين أو ثلاثة أشهر، وهو بحاجة الى المرور بالدورة الزراعية لكي تظهر نتائجه، وبالتالي يجب الانتظار لمدة ستة أشهر من أجل الحصول على نتيجة ملموسة على الأرض.

- ماذا عن حركة التصدير؟

حركة التصدير في مثل هذه الأيام تعتبر في أدنى مستوياتها، وذلك بسبب فقدان الكميات الكبيرة من الإنتاج، وخاصة من الخضار، حيث يقتصر التصدير فقط على بعض الحمضيات، والتفاح المخزن، وكمية من العنب التي ما زالت موجودة في البرادات.

قوة التصدير تبدأ منذ الأول من أيار، أي عندما يبدأ الإنتاج في منطقة البقاع، وتكون درجات الحرارة قد ارتفعت، ووصلنا تقريبا الى أبواب الصيف.

ولكن أريد أن ألفت النظر هنا، الى أن التصدير لا يؤدي الى رفع الأسعار في السوق المحلي بأي شكل من الأشكار، فهو لا علاقة له بهذا الموضوع كونه يبيع البضائع الزائدة والفائضة من السوق اللبناني، ويصدرها الى الخارج. وهذه الظاهرة موجودة منذ عشرات السنوات وليست وليدة اليوم.

التصدير ضرورة بالنسبة لنا، لكي نحافظ على أسواقنا، وعلى وجودنا في الأسواق الخارجية، التي كان لنا اليد الأساسية في إنشائها وتأسيسها، وكانت بضائعنا موجودة فيها منذ انطلاقتها. وبالتالي، لا يجوز اليوم أن نترك أسواقنا وزبائننا، بل علينا المحافظة عليهم. فالتصدير هو ركن أساسي لصمود القطاع الزراعي ولتثبيته ولتصريف قسم كبير من إنتاجه. وقد وصلت عمليات التصدير في يوم من الأيام الى 600 ألف طن سنويا، في حين أنها لا تتخطى اليوم عتبة الـ300 ألف طن، ما يعني للأسف أن تصديرنا قد شهد تراجع كبيرا.