شاغل العالم، مُربك الطب وال​مختبر​ات والمستشفيات، هو وباء "كورونا" الذي يبقى في سلّم اولويات الدول المنهكة سواء كانت غنية أو فقيرة من تداعياته الخطيرة.

بالأمس القريب، رجّح التقييم الأولي لفريق التحقيق التابع لمنظمة ​الصحة العالمية​ الموجود في ​الصين​ منذ أربعة أسابيع أن يكون ​فيروس​ كورونا المسّبب لمرض كوفيد-19 قد انتقل من الحيوانات إلى البشر، واستبعد الفريق أن يكون الفيروس قد تسرّب من مختبر.

حتى تاريخه، المسبّب او المصدر غير محسوم. ولكن المؤكد ان العام 2021 هو عام السباق الى اللقاح المنقذ للأرواح.

كبير خبراء الطوارئ في منظمة الصحة العالمية يقول إن طرح لقاح للوقاية من كوفيد-19 يسمح للعالم بالسيطرة التدريجية على المرض، وليس القضاء على الفيروس نهائياً.

ومن الملاحظ ان المعارضين لإنتاج اللقاحات يدعون أن شركات صناعة الدواء ستحقق أرباحا بمليارات الدولارات فور توّصلها إلى لقاح فعّال ضد فيروس كورونا. ويخشى هؤلاء أن يكون كل التركيز، وتخصيص الكثير من الموارد في سبيل التوّصل للقاح كورونا، يأتي على حساب تجاهل شركات الدواء إنتاج ​الأدوية​ الأخرى الضرورية لصحة الإنسان.

لكن بيانات دولية رسمية أخرى، تظهر أن تكاليف تطوير لقاح فعّال وآمن غالباً ما تتخطى قيمة سعره التجاري. وتستثمر شركات الدواء حالياً أموالا طائلة في التجارب السريرية لاختبار سلامة اللقاح وفعاليته.

والجدير ذكره إن سوق اللقاحات حول العالم لايمثّل إلا نسبة تتراوح بين 2% و3% من صناعة الأدوية.

من جهته، يؤكد مدير عام تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أنه على مصنّعي اللقاحات في العالم أن يتشاركوا التقنيات للمساعدة في زيادة الإنتاج بشكل كبير، محذرا من أن التقدم ضد الوباء قد يضيع بدون مزيد من الوصول إلى الجرعات.

ووفق غيبريسوس إنّ عدد لقاحات كوفيد-19 التي تم تلقيح الناس بها تجاوز الآن 100 مليون إصابة تم الإبلاغ عنها في جميع أنحاء العالم. وفي حين اعتبر ذلك أخبارا جيّدة، أعرب عن قلقه من أن أكثر من ثلاثة أرباع اللقاحات تم استخدامه في 10 دول غنية فقط.

هناك مواقف تقول ان ​لبنان​ تأخر في ​استيراد​ اللقاحات لكوفيد – 19 فيما أن الدول المجاورة أصبحت في مرحلة متقدمة من التلقيح. قياساً على باقي الدول أين هو اليوم لبنان ؟

هل يجب تشجيع ​القطاع الخاص​ على استيراد اللقاح ؟ وما هي التسهيلات المفترض منحه في هذا المجال ؟

ما هي الضوابط المفترض وضعها في استيراد وتوزيع اللقاح؟

وسط التردد من قبل بعض المواطنين على اخذ اللقاح ما هي الخطة الواجب اعتمادها للتشجيع عليه خصوصاً وانه اختياري ؟

مدير مركز ترشيد السياسات الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فادي الجردلي يقول لـ "الاقتصاد": "حتى 7 شباط 2021، تم إستخدام أكثر من 131 مليون جرعة من لقاحات كوفيد-19 في 73 دولة. إقليمياً، بدأت عدة دول مثل المملكة العربية ​السعودية​ و​الإمارات العربية المتحدة​ والكويت و​الأردن​ بعملية التلقيح منذ عدة أسابيع. أما في ​اسرائيل​ ، فقد تلقى 90% ممن هم يبلغون 60 عامًا أو أكثر، جرعتهم الأولى من لقاح "​فايزر​ - بيونتك"، وقد أدت عملية التلقيح هذه إلى انخفاض نسبة الأشخاص الذين احتاجوا الى دخول المستشفى بنسبة 31% و تدني الإصابة بالأمراض الخطيرة بنسبة 24%".

من المتوقع في لبنان، أن تبدأ حملة التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد مطلع الأسبوع المقبل. ولهذا التأخير أسباب عالمية ومحلية. عالمياً، تتسابق البلدان ذات الدخل المرتفع والنفوذ، من أجل الحصول على أكبر نسبة من اللقاحات لمواطنيها - ما يُعرف بتوطين اللقاحات - تاركةً القليل من اللقاحات للبلدان التي تعتبر منخفضة الدخل مثل لبنان.

أما في لبنان ، فقد غزت جائحة كوفيد-19 المناطق اللبنانية في حين كانت الاضطرابات السياسية والصحية والاقتصادية والاجتماعية تتفاقم ، وفي أعقاب الأزمة الإنسانية التي حلّت في 4 آب. ومع كل هذه التحديات، أعاقت هذه الإضطرابات التنفيذ السليم للتدخلات الصحية ضد كوفيد-19 وأخرّت بطبيعة الحال، المرحلة التحضيرية للقاحات كوفيد-19، بالإضافة الى تأجيل عملية استيراد اللقاح الى حين تم تأمين التشريعات اللازمة للاستيراد بموجب تصريح استخدام اللقاح في حالات الطوارئ.

تُعتبَر اللقاحات من التدخلات الصحية الواعدة للغاية، والتي من المتوقع أن تفرض بدورها، إلى جانب التدخلات الأخرى، بعض القيود على الوباء المنتشر. إن تأخير البدء بعملية التلقيح، خصوصاً مع النتائج غير الكافية التي تحققت من خلال تدّخلات الصحة العامة الأخرى سابقاً، يعادل السماح للعدوى بالانتشار وإصابة الناس أكثر فأكثر.

وعن تشجيع القطاع الخاص على استيراد اللقاح يعتبر الدكتور الجردلي أنه مع تراكم السياسات والممارسات الصحية التي أضعفت قطاع الصحة العامة، أصبح القطاع الخاص مكوّنًا رئيسيًا في النظام الصحي اللبناني. وبالتالي، لا نستغرب أن شهدنا انخراطه الناشط في استيراد اللقاح وتسليمه، خصوصاً أنه حتى الآن ، من الواضح أن الحكومة غير قادرة بمفردها على تلبية احتياجات اللقاح لكل المواطنين.

يأتي إشراك القطاع الخاص في نشر اللقاحات، مع تحدي وضع التدابير التنظيمية المناسبة، والتي تشمل: تأمين امتثال القطاع الخاص لإجراءات EUA (تصريح استخدام اللقاح في حالات الطوارئ) لاستيراد لقاحات جديدة، مراقبة عملية تخزين اللقاحات ومتطلبات نقلها اللوجيستية، ضمان احترام أولوية الفئات، التأكد من وضع نظام مراقبة مناسب للآثار الجانبية للقاح، وضع خطة لمنع وجود سوق سوداء في هذا الإطار، مراقبة الأسعار، وضمان حق الفئات المهمّشة مثل العائلات الأكثر ضعفاً واللاجئين والعمال ​المهاجرين​ بالوصول إلى اللقاح.

وفي هذا الصدد، فإن توفير الدعم اللوجيستي للقطاع الخاص يعتبرمهمّاً. وهو يشمل توفير المراكز اللازمة لعملية التلقيح، والدعم المهني، وقواعد البيانات الآنية للأفراد الذين تم تلقيحهم وغيرالملّقحين، بهدف التغطية السكانية الفضلى. ومن خلال إنشاء علاقة تشاركية بدلاً من علاقة تنافسية بين القطاعين العام والخاص، تحظى خطة التلقيح بأكبر فرصة للنجاح.

ويعتبر الجردلي إن ظاهرة التردد بأخذ اللقاح ليست بجديدة، لا بل شهدناها مرارًا في عدة تجارب، ولكن مع لقاحات كوفيد-19، الأسباب الرئيسية وراء هذا التردد هي عملية الإنتاج السريعة لهذه اللقاحات التي أثارت القلق بشأن فعاليّتها وسلامتها، ونظريات المؤامرة المتداولة، وبعض الجوانب التي لا نعرفها عن اللقاح. في لبنان، كشفت دراسة غير منشورة من خلال استخدام مسح تم إجراؤه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن 79% من الأفراد الذين شملهم الاستطلاع أظهروا ترددًا تجاه لقاحات كوفيد-19.

وفقًا للأدبيات العلمية، تم إثبات عدة مناهج لتحسين عملية تقبّل اللقاح:

1) خلق بيئة مؤاتية من خلال جعل التلقيح عمليًا وسهلاً وغير مكلف؛

2) تسخير التأثيرات الاجتماعية خصوصاً من خلال الأشخاص المؤثرين في المجتمع؛

3) زيادة التحفيز من خلال الحوار المفتوح والشفّاف والتواصل حول الشكوك والمخاطر.

في كل الحالات، من المفترض دائمًا احترام استقلالية وحرية الفرد. كما يجب المساعدة في عدم ترك المتردد في تلقي اللقاح عرضة للتنمر أو أي شكل من أشكال التمييز بسبب اختياراته.

ولكن وسط تعدد المصنعّين هل من افضلية للقاح على آخر اليوم في لبنان لجهة تركيبته، فعاليّته ، مضاعفاته...؟

يقول الجردلي: لا تسمح البيانات المتوّفرة حاليًا بتحديد اللقاحات الأفضل لبعض الفئات. وثمة دراسات اولية تلحظ أن بعض اللقاحات قد يكون أكثر فعاليّة ضد بعض السلالات أكثر من غيرها. بالإضافة إلى ذلك، كشف بعض التقارير الأولية عن انخفاض سلامة أو فعالية بعض اللقاحات على ​كبار السن​. وكذلك، لا توجد بيانات محددة متاحة حتى الآن، في ما يتعلق بتأثير جينات بعض الفئات أو العوامل البيئية على فعالّية اللقاح أو سلامته. ومع غياب مثل هذه البيانات، فإن النصيحة الحالية في لبنان، على المستوى الفردي وجميع القطاعات الأخرى هي تلقي أي لقاح متوّفر. ومع ذلك، على المستوى السكاني، قد تؤثر التكلفة والعوامل السياسية الأخرى، على تحديد اللقاح الذي سيتم استيراده واستخدامه.

أما بعد، فهل من تقدير لكلفة اللقاح في لبنان؟ وما يجب رصد له من موازنات؟

يلفت الجردلي إلى أن "​البنك الدولي​" وافق على إعادة تخصيص 34 مليون دولار في إطار مشروع تعزيز النظام الصحي في لبنان، والذي سيؤمن اللقاحات لأكثر من مليوني فرد. بالتزامن مع ذلك، من المتوقع أن تغطي منظمة "كوفاكس" نسبة 20% إضافية من السكان. ورغم ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف ستتم تغطية باقي الأفراد ومن سيتحّمل التكلفة.

وفقًا للخطة الوطنية للقاحات كوفيد-19:

·سيتم دفع تكاليف لقاح "فايزر" من قبل البنك الدولي بحوالي 18 مليون دولار ثمن اللقاحات المستوردة

·قامت وزارة الصحة العامة بتسديد الدفعة الاولى الى منصّة "كوفاكس" من ال​موازنة​ المخصصة للقاحات عن طريق اليونيسيف وبلغت حوالي 4 ملايين دولار· قامت الدولة اللبنانية بنقل اعتماد من ​الموازنة العامة​ لتسديد الدفعة الثانية الى منصة "كوفاكس" البالغة حوالي 18 مليون دولار.

بالإضافة الى كل التكاليف السابقة، تعتبر تكاليف التخزين ونقل اللقاح وتدريب الموارد البشرية المعنية على كيفية إعطائه، وإدارة ​النفايات​ الطبية والتكنولوجيا والرسوم المهنية كبيرة أيضًا، ويجب أخذها بعين الاعتبار في أي مشروع موازنة مقبل.

في الملخص، حتى الساعة، يبقى اللقاح ​السلاح​ الوحيد للتصدي للفيروس القاتل مهما توالى من إشاعات واخبار. وثمة عدد من الخطوات التي يمكن أن يتخذها مصنّعو اللقاحات لزيادة إنتاجهم، بما في ذلك إصدار تراخيص غير حصرية للسماح للمنتجين الآخرين بتصنيع لقاحهم. وهو أمر تم القيام به سابقًا لتوسيع الوصول إلى علاجات فيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد الوبائي سي.

إنه زمن السباق الكبير بين المرض الخطير واللقاح المفيد.