عقد ​المجلس الاقتصادي​ والاجتماعي عبر تقنية "Zoom" اجتماعات متتالية برئاسة رئيسه ​شارل عربيد​، لبحث أبرز الملفات الملحّة. وصدر في ختام هذه الاجتماعات موقف عن المجلس يتضمن اقتراحاتٍ في أربعة عناوين:

"أما وقد وصلت البلاد إلى المأزق الذي لطالما حذّر المجلس الاقتصادي والاجتماعي من الانزلاق نحوه في آرائه وبياناته ودراساته ومواقف أركانه.

وبعد أن استدارت الوجوه عن هذه الآراء المبنية على خبرات القطاعات المختلفة والنخبة المتنوعة من أطراف الإنتاج كافة، وأُهملت المعطيات العلمية والأرقام الواقعية والتجارب الحقيقية، فأبعدت عن التأثير في القرار الاقتصادي والاجتماعي في أحلك أيام الوطن.

وحيث أن ​الاقتصاد اللبناني​ أصيب بجائحة اللامبالاة وتخبط السياسات التي أدت إلى انزلاقاتٍ جديدة نحو الانفجار الاجتماعي والأمني.

يطلق المجلس الاقتصادي والاجتماعي صرخةَ خطرٍ مدويّة، ودعوةً إلى المسؤولية الوطنية والأخلاقية، مضيئاً على المسارات التي ينبغي الانطلاق منها على الفور لوقف النزف القاتل، وبدء المسار العلاجي للمأزق الخطر الذي وقعت فيه البلاد، وذلك في عناوين أربعة:

أولاً: تشكيل الحكومة

ندعو جميع المعنيين بعملية تأليف الحكومة إلى تسهيل ولادتها فوراً، وتجاوز الخلافات التي لا تمكن مقارنتها من حيث الأهمية بالحاجة الحيوية إلى وجود حكومةٍ موثوقة تحتوي على كفاءات قادرة على إطلاق المسار الإصلاحي الذي لا بديل عنه للخروج من المأزق الكبير.

إن الشعب اللبناني ينظر إلينا اليوم، ومعه تقف دول العالم ومؤسساته الدولية المختلفة، وقبلهم جميعاً، تضج ضمائرنا بإلحاحٍ لتذكرنا بمسؤولياتنا تجاه وطننا وشعبه.

لذلك، فإننا في المجلس ندعو الجميع إلى التخلي عن الصراعات المرتبطة بالحصص والحقائب، والالتزام بالآليات الدستورية، والتنبه إلى الاحتمالات الكارثية في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والصحية والأمنية الراهنة.

ثانياً: الخروج الآمن من الحجر

نؤكد أن الظروف التي أفرزها انتشار جائحة “Covid-19” أوقعت معظم دول العالم في شرك التخبط، فأرهقت اقتصاداتها وأزهقت أرواحاً كثيرة من سكانها، ووضعتها أمام معضلاتٍ ليس أقلها المفاضلة بين حياة الناس وحياة الاقتصاد.

لكننا نشير أيضاً إلى أن الفوضى التي شهدها لبنان في هذا المجال لم تشاهد بتلك الحدّة في أية دولة أخرى، والأرقام اليومية والتراكمية تشير بوضوحٍ إلى ذلك، مع ارتفاع مخاطر انهيار القطاع الصحي، معطوفاً على اشتراكاتٍ مرضيّة مميتة تتمثل بخليط تفاعلات أزمتي الجائحة والانهيار الاقتصادي وال​مالي​.

لقد وصل المعدل اليومي للوفيات بسبب الجائحة إلى مستوى خطر. ولم تُظهِر سياسات الفتح والإغلاق المتكررين من دون مشاركة أصحاب الشأن آراءهم أي نجاحٍ يذكر.

لذلك، ندعو إلى عدم التهاون في الإجراءات المتخذة لحماية المجتمع، ووضع ​آلية​ صارمة للخروج الآمن من الإقفال الشامل إلى الفتح القطاعي التدريجي الذي يحافظ على قدرات القطاع الصحي من جهة، ويؤدي إلى أسرع طريق نحو إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد الوطني من جهةٍ ثانية؛ على أن يكون مشروطاً بالالتزام بإجراءات الوقاية، مع تشديد الغرامات على المخالفين، وحماية المسنين من الاختلاط، ومسؤولية الناس تجاه بعضهم، من خلال رفض مجالسة غير الملتزمين بالكمامة والتباعد.

ثالثاً: توزيع اللقاح

ندعو إلى أقصى درجةٍ ممكنة من الشفافية في ما يخص عملية ​استيراد​ اللقاحات وتلقيح السكان، والعمل بصورةٍ تامة الصرامة وفق مندرجات البروتوكولات العالمية التي تحدد مستحقي الأولوية من بين السكان، وعدم إدخال عملية التلقيح ضمن الفوضى الشاملة التي تدور رحاها في مختلف الميادين اليوم.

كما ندعو المعنيين في الدولة اللبنانية إلى إيجاد آلية تسهل على ​القطاع الخاص​ استيراد اللقاح من خلال الدولة، وذلك لتخفيف الأعباء عنها من جهة، وتسريع عملية التلقيح لتحصين المجتمع من جهةٍ ثانية.

رابعاً: إعادة توجيه الدعم

لقد أثبتت تطورات السنة الفائتة صحة المقاربة التي كان المجلس ينادي بها على الدوام بخصوص الخلل الواضح في آليات الدعم والمستفيدين منه.

لقد نزفت الاحتياطات بالعملات الصعبة جزءًا كبيراً من رصيدها بسبب فوضى القرارات، وعشوائية الدعم على المستحقين وغير المستحقين.

وعلى مشارف نضوب الاحتياطات المتبقية بالعملات الصعبة، نجد أن إعادة توجيه الدعم نحو مستحقيه فقط -وهم اليوم أغلبية- أصبحت خياراً إلزامياً.

ونقترح إصدار بطاقةٍ تمويليةٍ تتم تغذيتها برصيد مالي بالعملة الأجنبية، يوازي الفوارق في أسعار المواد الأساسية اللازمة للعيش الكريم، بين مرحلتي الدعم العشوائي والدعم الموجّه؛ على أن تعطى هذه البطاقة لفترة محددة ريثما يتم وضع سياسات أمان اجتماعي ونظام تعويض ​بطالة​، ويعود الاقتصاد إلى النمو الذي يشكل أكثر السبل استدامة لتحقيق الأمن الاجتماعي.

إن الحالة الراهنة شبيهة بحالات ​الحروب​ و​الكوارث​ الكبرى، وهي تحتاج إلى تفعيل سياسات البقاء بعناوينها: المسؤولية الإنسانية، السباق مع الوقت والتضامن الجماعي."