في آب الماضي، وبعد انفجار مرفأ بيروت، سارعت  لجنة ​الأمم المتحدة​ الاجتماعية والاقتصادية لغربي ​آسيا​ "الإسكوا" الى دق ناقوس الخطر في دراسة جديدة بعنوان "​الفقر​ في لبنان: التضامن ضرورة حتميّة للحد من آثار الصدمات المتعددة والمتداخلة ".

ومؤخراً، مادة وحيدة اخترقت  موازنة 2021 بشكل مفاجىء وهي المادة 37 المتعلّقة بضريبة التضامن الوطني. وهي ضريبة استثنائية تُفرض لمرة واحدة على قيمة كل حساب دائن مفتوح لدى ​المصارف​ اللبنانية، وتقدّر بنسبة 1 في المئة عن كل حساب تبلغ قيمته مليون دولار ولا تتجاوز 20 مليون دولار. 1.5 في المئة عن القسم من الحساب الذي يزيد عن 20 مليون دولار ولا يتجاوز 50 مليون دولار. و2 في المئة عن القسم من الحساب الذي يزيد عن 50 مليون دولار.

ونسبة 1 في المئة عن كل حساب تبلغ قيمته 1.5 مليار ليرة، ولا يتجاوز 30 مليار ليرة، و1.5 في المئة على القسم من الحساب الذي يزيد عن 30 مليار ليرة ولا يتجاوز 75 مليار ليرة، و2 في المئة عن القسم من الحساب الذي يزيد عن 75 مليار ليرة، وعلى المصرف أن يقتطع هذه الضريبة، وأن يؤديها إلى الخزينة، ضمن مهلة أقصاها شهران من تاريخ إقرار قانون الموازنة وبعملة الحساب.

هذا البند ينطوي على مفاهيم . 

كيف يمكن قراءة  قانونية هذه الضريبة ؟

اذا طالت كبار المودعين فهل سيستفيد منها صغار المودعين ؟

ماذا عن  الثغرات  الأخرى في الموازنة المرفوعة ؟

هل يحق لمصرف لبنان استعمال اموال المودعين لدعم السلع والدواء والمحروقات؟

ترى الأستاذة الجامعية والباحثة في القوانين المصرفية وال​مالي​ة د. سابين الكيك ان هذه المادة تستدعي قراءة معمقة لشرح كافة جوانبها القانونية والدستورية والمالية ولكن يمكن اختصار الملاحظات حولها في ناحيتين:

الناحية المالية البحتة، حيث أن الموازنة العامة تخضع بطبيعتها القانونية لمبادئ لا يمكن تجاوزها وكذلك إقرار الضرائب والرسوم وإلا ستكون معرضة للطعن أمام المجلس الدستوري. وفي نص المادة 37 من مسودة مشروع الموازنة اقتراح ”ضريبة التضامن الوطني“التي تستحدث ضريبة جديدة على سقف معيّن من الأموال المودعة في الحسابات المصرفية، وهي تفتقد لمقوّمات قانونية كثيرة كما تخالف قواعد واضحة. وهنا يمكن رصد ​مخالفة​ للدستور اللبناني الذي يقضي بعدم جواز فرض الضرائب العمومية أو استحداثها إلا بموجب قانون شامل تطبّق أحكامه على جميع  الأراضي اللبنانية دون استثناء، ومفهوم الموازنة يجعل منها قانون ذات طبيعة خاصة، موضوعياً؛ كونها صك تشريعي  لتقدير نفقات الدولة وجباياتها ولإجازة الجباية و​الإنفاق​، وزمنياً؛ لأنها سنوية،أي مفعولها الزمني يقتصر على السنة المالية القادمة، وبالتالي، هي تفتقد إلى خصائص كما تحمل مميزات يجعلاها لا تنسجم مع فلسفة نص المادة 81. لذلك، هنالك رأي فقهي يرى بعدم جواز استحداث ضرائب بمقتضى قانون الموازنة. فكيف إذا كانت هذه الضريبة تتعدى على ​المبادئ​ الأساسية؛ 

1- لناحية شموليتها كونها تستهدف فئة معيّنة من المودعين دون سواهم. 

2- لناحية تخصيصها لما سمي بالتضامن الوطني ويفهم أنها ستخصص لفئة معّينة أو لمشروع معيّن أو لهدف محدد، مع العلم أن الموازنة هي قانون لإدارة الأموال العمومية، والأموال العمومية هي ”أموال الدولة“ بحسب ما ورد في المادة 2 من قانون ​المحاسبة​ العمومية.

3- او حتى  لناحية فرض دفعها بعملة الحساب إذا كان بالدولار الامريكي وليس بالعملة الوطنية.

الناحية التقنية التشريعية، حيث أن نص المادة 37 بصياغته يقوّض مفهوم التضامن الاجتماعي، إذا كان هذا هو المقصود منه، بدل أن يحققه ويمكن رصد الثغرات الفاضحة من خلال:

*عنونة هذه الضريبة واطلاق تسمية التضامن الوطني عليها، ولا بد من السؤال هنا ما هو مفهوم التضامن الوطني في الموازنة العامة ومن حدده؟ وكم هي تكلفة هذا التضامن من أموال الدولة ومن احتسبها ووفق أي معايير؟ وهل التضامن الوطني حالة سنوية تنتهي مفاعيلها مع انتهاء مفاعيل موازنة العام 2021؟

*الفئة المعنية بها، تكليفاً أو تضامناً، توّجهت إلى فئة معينة جداً من المودعين دون تبرير أو توضيح لاختيار هذه الفئة إن لناحية الجدوى المالية أو الاقتصادية أو الاجتماعية مع التأكيد على أن فئة المودعين كل المودعين ترزح منذ سنة ونصف تحت أعباء أزمة مصرفية حادة، وبالتالي،  لماذا على أصحاب الحسابات المشمولين بهذه المادة، دون سواهم من المودعين أو من اللبنانيين، أن يتحملوا اعباء ضريبة مستحدثة في هذا الظرف؟ 

وأين ستصرف هذه الضريبة لتحقق التضامن الوطني وهي أصلا ستدخل مباشرة في لأموال العمومية في بلد يعاني من تاريخ أسود في الفساد وهدر المال العام واستنزاف ايداعات الشعب في المصارف. لذلك، لا يحاول أحد الاصطياد بالماء العكر بين فئات المودعين، الكبار والصغار،وآلاعيبهم هذه المرة في تطبيق مبدأ "فرّق تسد" لن تجدي نفعاً تخريبياً.

التسديد بالدولار استنسابي

وتقول الكيك "للاقتصاد": الزامية استيفائها بعملة الحساب والمودع نفسه يعاني ما يعانيه من تعدي على حقوقه وقيود جائرة على حركة أمواله وتدابير تعسّفية على استعمال جنى عمره واساءة أمانة قضت على مدخراته، وها هي تبشرنا هذه السلطة بأنها لها الصلاحية في إلزام المصارف بالتسديد بالدولار الاميركي فلماذا لم تنصف المودع بأمواله وهو أصلا رب المال. بأي منطق يمكن فرض ضريبة على مودع هو نفسه غير قادر على استعمال أمواله؟ الضريبة بالدولار والسحب بسعر صرف وهمي للدولار الاميركي فرضته منصة الكترونية غير قانونية.

أما مطالب ​الاسكوا​ في تقريرها عن لبنان ومستوى الفقر فيه واقتراحها بتشكيل صندوق تضامني فهي أيضاً لا تنسجم إطلاقاً مع مقاربة وزارة المال لمشروع الموازنة المقترح الذي ضرب كل شبكات الأمان الاجتماعي والوظيفي الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى نتائج عكسية لا تتوافق مع تطلعات "الاسكوا " وإلى اضطرابات لن تحمد عقباها.

هذه المخالفات وسواها، يمكن تبيانها في النسخة المطروحة من الموازنة العامة ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر؛

- اعتماد سعر الصرف الفعلي بدلاً من السعر القانوني الرسمي في اكثر من بند وهذا تكريس لحالة ازدواجية سعر صرف،  والارباك النقدي وهو يتعارض تماماً مع مبادئ صندوق النقد الدولي، وهنا نسأل وزارة المال إذا ما بادرت إلى اعتماد سعر الصرف الفعلي في ما يتناسب مع مصلحتها ماذا ستفعل عندما ستحتسب ​ديون​ الدولة اللبنانية بالعملات الاجنبية على سعر الصرف الفعلي، وكم سيصبح العجز في الموازنة العامة؟؟؟

- تجاوز بعض البنود المهلة الزمنية السنوية للموازنة، بحيث تمتد مفاعيلها إلى اكثر من سنة مالية.

- تعديل التشريعات والأنظمة المعمول بها والنافذة مثل التشريعات والأنظمة الوظيفية المعمول بها لناحية احتساب التقاعد أو تعويض الصرف وحق الخيار المعطى للموظف وهذا من الحقوق التي من شأن المسّ بها تقويض الأمن الوظيفي والاجتماعي وحتى الحريات الشخصية. وهنا أيضاً نسأل وزارة المال هل يمكن للموّظف الذي سيجبربالحصول على تعويض صرف أن يحرّر أمواله من البنوك اللبنانية في ظل ممارساتها التعسفية؟ ومن سيعوّض عن خسائره في قيمة هذا التعويض خلال هذه الفترة غير المعروفة المدى؟

هذا عدا عن اغفال كل الرؤية الاصلاحية للمالية العامة وسدّ مكامن الهدر والفساد الحقيقي، في التهرّب الجمركي وملف الكهرباء واستنزاف الدعم والتهريب والاملاك البحرية. ويبقى الأهم حالة إنكار خسائر مصرف لبنان والصمت غير المبرّر تجاه مخالفات عديدة ارتكبت وما زالت في هذا المرفق الاقتصادي والاجتماعي الحيوي، مع العلم أن دورها يتعدى كونها وزارة وصاية ويصل إلى حد المشاركة والمراقبة والمسؤولية  في اتخاذ قرارات "المجلس المركزي" من خلال مديرها العام وهو عضو حكمي أيضاً في الهيئة المصرفية العليا وكمفوضية مراقبة تتمتع بصلاحيات واسعة وخاصة.

وتشير الكيك الى ان تم تسديد الفوائد عن الودائع من الودائع وليس من موازنة الدولة.

اما الفوائد التي دفعت من موازنة الدولة فكانت لحاملي سندات الدين بالعملة الوطنية والأجنبية. وبالتالي، اول من استفاد منها كانت المصارف بإداراتها وكبار مساهميها. وهذا ما قصدته تحديدا مديرة صندوق النقد.  واليوم عندما تفرض أيضاً ضريبة على الودائع يعني عملية استنزاف جديدة لأموال المودعين.

‏‎‎المودعون ليسوا جزءاً من الأزمة بل هم أكبر ضحايا الأزمة بعد ما استنزفت اموالهم إما لتمويل فساد الخزينة وإما لجيوب المستفيدين من العائدات المفرطة الذين هندسوا الدين السيادي وأولهم وزارة المال مصرف لبنان والمصارف.

‏‎‎‎وتسأل الكيك : هل تمويل ​عجز الموازنة​ وفساد الخزينة يجب أن يستمر من أموال المودعين وبالدولار فيما ان هؤلاء لا يسمح لهم  بسحب  اموالهم بالدولار؟ 

هل ان المودع هو سبب عجز الموازنة؟ اوانه  المصرف الذي  اساء الامانة فا ستولى على اموال  المودع بالشراكة مع قطاع مالي فاسد على رأسه  وزارة مال ساهمت في كل قرارات مصرف لبنان؟ 

باختصار، كل الفذلكات والهندسات المالية التي تلجأ اليها السلطة تطرح علامات استفهام كبيرة بعد انتزاع الثقة الكاملة عنها. ولا يمكن للمواطن بالتالي ان يطمئن الى اجراء تفرضه عليه فيما انها تمنعه من الحصول على امواله وجنى عمره.