يشتهر ​لبنان​ عالميًا بنبيذه، ونتمنى أن يحجز قريبا، مكانة له أيضا في مجال نبيذ التفاح. ففي بساتين منطقة وطى الجوز في قضاء كسروان، التي توارثتها هذه البساتين على مدى أربعة أجيال، قررت سهى افرام البدء في إنتاج "cider" لبناني عالي الجودة، وذلك بعد أن أمضت طفولتها بين أشجار التفاح.

فلنتعرف أكثر الى شركة "WATA Cider"، ومؤسستها سهى افرام، في هذه المقابلة الخاصة مع موقع "الاقتصاد":

- من هي سهى فرام؟ وكيف قررت تأسيس "WATA Cider"؟

تخصصت في تصميم المناظر الطبيعية والهندسة الزراعية، وفي التنمية الدولية في "London School of Economics and Political Science".

عملت كثيرا في القطاع العام، في لبنان و​الدول العربية​؛ أكان في البلديات أو مع ​الأمم المتحدة​، لأكثر من 10 سنوات. وكنت أسافر كثيرا الى عدد كبير من البلدان.

خلال فترة ​الطفولة​، قضيت فترة طويلة في منزل جدي وجدتي في منطقة وطى الجوز. وكانا يمتلكان بساتين كبيرة مزروعة بأشجار التفاح. وقد طورت رابطا قويا مع هذه الأرض، لطالما فكرت في إطلاق مشروع للاستفادة من ثمارها. ولكن مرت الأيام، وانشغلت بأموري الخاصة والمهنية.

وبعد حصول أزمة التفاح عام 2015، بات لدينا فائضا هائلا من التفاح، فتم تلف كميات كبيرة، أو بيعها بأسعار متدنية جدا. ومن هنا، قررت الاستقالة من عملي مع الأمم المتحدة، من أجل البدء في صناعة "نبيذ التفاح" أو ما يعرف بالـ"cider"؛ وهو بالمناسبة مشروب لذيذ للغاية.

في البداية، كنا نعرف الـ"cider" الفرنسي القديم والتقليدي، ولكن كلما توسعت سفراتنا، كلما تعرفنا أكثر الى الـ"cider" المصنوع بطريقة حديثة؛ حيث عملت الشركات على جعله أكثر سهولة للاستهلاك. ولذلك، قررنا صنعه من التفاح الموجود في بساتيننا.

توجهت حينها الى ​بريطانيا​، لمتابعة الدروس في كيفية صناعة السيدر الـ"cider"، ومن ثم أنشأنا خمارة صغيرة في بستان العائلة. وبدأنا في مصنعا مصغرا، على نطاق متواضع، من أجل تقديم منتوجات ذات جودة عالية. وبالتالي، كنا نصنع نبيذ التفاح الكلاسيكي، وكانت كل الآلات شبه يدوية.

ركزنا أولا، على اختيار أنواع التفاح المناسبة، وبالتالي أجرينا العديد من التجارب، وتوصلنا بعد فترة الى خلطات مختلفة.

لكن ثقافة احتساء نبيذ التفاح كانت غائبة الى حد ما في لبنان، ما شكل التحدي الأكبر بالنسبة لنا، خاصة في ظل غياب الشركات المحلية، التي تصنع هذا النوع من المشروبات، وضعف عدد تلك المستوردة.

مع العلم أن هذا المشروع كان مسنتدا بشكل أساسي على حدسي وإلهامي، بالإضافة الى وبعض الدراسات الخارجية، لأن هذا المشروب كان ينمو بإطراد في ​الولايات المتحدة​ و​أوروبا​، خاصة من خلال طريقة تحديثة، من ناحية التعبئة والتغليف والتسويق بطرق جديدة وعصرية. وهذا أمر واعد جدا، ونتمنى أن ينضم لبنان قريبا إلى هذا السوق المزدهر!

- بطريقة مبسطة، ما هو نبيذ التفاح أو الـ"cider"؟

النبيذ​ المعروف في الأسواق مصنوع من خلال تخمير عصير العنب، أما الـ"cider"، فمصنوع من خلال تخمير عصير التفاح.

منتجات "WATA Cider" معتقة على نطاق عالي الجودة، من ستة أشهر الى سنة، قبل وضعها في الزجاجات. أما بالنسبة الى مذاق هذا المشروب، فهو قريب الى حد ما، من الـ"بروسيكو" (وهو نبيذ أبيض فوار من منطقة فينيتو في شمال شرق إيطاليا).

- كيف تقيمين إقبال الناس على مشروبات "WATA Cider"؟

لقد تعرف المجتمع اللبناني من خلالنا على نبيذ التفاح، ولكن منتجاتنا ما زالت مخصصة ومحدودة، حيث لا نصنع أكثر من نحو 30 ألف زجاجة سنويا. ونحن نسعى الى الحفاظ على هذا المقياس، من أجل تقديم الجودة الأفضل.

​​​​​​​

تركيزنا اليوم هو على كيفية زيادة معلومات الناس حول ثقافة الـ"cider"، خاصة أنه مصنوع من تفاحاتنا الخاصة، التي نعتبرها بمثابة ثمرتنا الوطنية في لبنان. وهذا المشروع يشكل طريقة فعالة، لاستخدام هذا الإنتاج من التفاح دون تعرضه الى التلف. وبالتالي، عملنا كثيرا على زيادة الوعي حول هذا الموضوع.

- من أين يمكن الحصول على منتجات "WATA Cider"؟

منتجاتنا موجودة في عدد من المحلات في لبنان، لكننا لم ندخل بعد الى السوبرماكرت الكبرى، لأننا أولا لا نصنع هذه الكمية الهائلة من الزجاجات، وثانيا، لا نستطيع التوزيع في كل مكان. أما ثالثا، فمن الأسهل الانطلاق من الأماكن التي يشتري منها الأشخاص الذين لديهم دراية معينة بهذا المنتج.

فضلنا البدء على نطاق متواضع وصغير من أجل اختبار السوق، ومن ثم قد نتخذ قرار التوسيع دون المساس بالجودة. لكننا نتريث قليلا في الوقت الحاضر، ترقبا للأوضاع الحاصلة على الساحة المحلية. ومن هنا، نركز على رفع التوعية حول أزمة التفاح في لبنان، والمنتج ذات الجودة العالية الذي نستطيع صنعه من هذا التفاح. بالإضافة طبعا الى تعريف الناس أكثر على الـ"cider"، وثقافته وكيفية تناوله.

لقد تعاونا كثيرا مع المطاعم والحانات، لأنها بمثابة السفير الأول للمشروبات الروحية، وهي قادرة حتما على تشجيع الناس على تجربة هذا المشروب.

ولا بد من الاشارة الى أننا نتمنى تصدير نبيذ التفاح خارج الحدود اللبنانية، لقد تواصلنا بالفعل مع عدد من الموزعين الأجانب، لكن تركيزنا الرئيسي هو السوق المحلي في الوقت الحالي. ونأمل يومًا ما أن نتمكن من زيادة حجم إنتاجنا، لتلبية احتياجات الأسواق الخارجية.

- الى أي مدى تساعدكم وسائل التواصل الاجتماعي على الانتشار بشكل أكبر؟

هذه المواقع تشكل المنصة الرئيسية التي نعتمد عليها من أجل التواصل مع الناس. فنحن نركز قدر الإمكان على تقديم المعلومات عن ثمار التفاح، والـ"cider"، وكيفية تحضيره وتناوله.

ولحسن الحظ، خلال فترة قصيرة، حقق هذا المشروع نتائج أفضل بكثير من ما توقعنا. فقد تفاعل الناس مع منتجنا بشكل إيجابي للغاية، وباتوا يطلبون شراءه مرارا وتكرارا بعد تجربته.

- هل سيتمكن مشروع "WATA Cider" من الصمود في ظل هذه الأوضاع المتأزمة؟​​​​​​​

نمر بأيام صعبة للغاية، مع العلم أن المواطنين باتوا يهتمون بشكل أكبر، بالمنتجات المحلية، لأن المستوردة أصبحت مرتفعة الثمن؛ وذلك رغم أن هذه الصناعات اللبنانية شهدت ارتفاعا في الأسعار بسبب حاجتها الى شراء المواد الأولية من الخارج، حيث لا توجد مصانع محلية تقدم تشكيلة كبيرة من المنتجات.​​​​​​​

​​​​​​​

يواجه القطاع الصناعي تحديات كثيرة، ومنها المواد الأولية المستوردة، والبنى التحتية باهظة الثمن، مثل ​الكهرباء​ و​الماء​.

- ما هي النصيحة التي تودين إيصالها من خلال تجربتك المهنية الخاصة؟

أي نصيحة في هذا الوضع ستكون صعبة للغاية، ولكن كل ما أستطيع قوله هو أن أصحاب المشاريع المحلية يواجهون تحديات كثيرة خلال هذه المرحلة. لكن هذه الأوضاع تشكل، في الوقت ذاته، فرصة لإبراز المنتجات لبنانية الصنع.​​​​​​​

ففي السابق، كان لدى المستهلكين إمكانية كبيرة لشراء المنتجات المستوردة، ولكن هذه الأخيرة بدأت تفقد زبائنها شيئا فشيئا، بسبب الارتفاع الجنوني في أسعارها. وبالتالي، هذا وقتنا لنبرز منتجاتنا، رغم التحديات الكبرى التي تواجهنا على مختلف الصعد. وأعتقد أن عملية التواصل مع المستهلك مهمة للغاية خلال هذه الفترة، لأننا نمر جميعا في المشاكل والعوائق ذاتها.

نحن بحاجة الى التحلي بالصبر والنفس الطويل، حتى تتغير الأمور. مع العلم أننا نواجه العديد من الصعوبات الخارجة عن إرادتنا وسيطرتنا، ومهما تحلينا بالرغبة والمهارة، والخيرة، سنواجه عوائق وضغوط صعبة للغاية علينا تخطيها.

لهذا السبب، نحن بحاجة للحفاظ على الأمل وروح المبادرة، كما يجب أن نغتنم جميع الفرص المتاحة، والبقاء على تواصل دائم مع الجمهور.