تشتد الأزمة المعيشية والاجتماعية في ​لبنان​ نتيجة شح ​السيولة​ وفقدان الوظائف و​الأزمة الاقتصادية​ وتداعيات جائحة "كورونا"، فيما ينشط المحتكرون في قطاعات حساسة لا يُمكن المس بها، كحليب الأطفال والدّواء وغيرها من السلع الاستراتيجية.

ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية والمعيشية، بات خوف شرائح كبيرة من المواطنين من ​الفقر​ والعوز، أكثر شدة من قلقهم من الإصابة بفيروس "كورونا".

إذ إن السجال الدائم بين الموت جوعاً نتيجة الإقفال أو الوفاة بسبب "كورونا" في حال فُتح البلد، لم يقابل بأي إجراء فعلي يحمي الطبقة الفقيرة ويؤمن قوت المياوم على أقل تقدير.

وفي هذا الصدد، يحذر رئيس "جمعية المستهلك – لبنان" زهير برّو، من أن اللبنانيين يعيشون مرحلة لم يشهدوها من قبل، حتّى في أحلك أيّامهم السّوداء، وهذه البدايات ونحن ذاهبون حتّى للأسوأ.

وفي مقابلة مع "الاقتصاد" يؤكد برّو، أنه لا يوجد نقص في كميات ​المواد الغذائية​ المحلية والمستوردة العادية، فيما المواد المستوردة النادرة مرتفعة الأسعار بسبب نقص في كمياتها.

ويقول: "تم تكديس أعداد هائلة من البضائع في البلد مع بداية الأزمة في 17 تشرين الأول 2019، مع تقدير الناس ببداية الأزمة، فلجأوا إلى التّخزين من جهتهم، فيما التجّار خزّنوا بأعداد وكميات كبيرة، وقاموا بإبرام عقود ​استيراد​ مواد من الخارج، لمعرفتهم بأن الأزمة واقعة".

ويضيف: "وفي المرحلة اللاحقة، جاء الدّعم، ليرفع التّاجر من جهته استيراد البضائع مستفيداً من مال الدّعم، ما رفع التّخزين في المستودعات، وهو ما يؤكد أن المشكلة الحقيقية اليوم على الأرض، لا تكمن في فقدان السلع والمواد الغذائية، رغم أن حجم ​الواردات​ تراجع من 23 مليار دولار العام الماضي إلى 8 مليار دولار، إذ إن التراجع في حجم الواردات طال بضائع "لزوم ما لا يلزم" أي الكماليّات، من أجبان وكافيار وغيرها من الأطعمة، إضافة إلى ​السيارات​ الجديدة من الخارج وذلك بسبب تراجع الطلب وحجم السيارات المخّزنة أصلاً بفائض هائل في لبنان.

فيما تَواصل استيراد المواد الغذائية بكميات قياسية وتم تخزينها حتى بدأت تتلف وتفسد، وبدأت الشكاوى تتزايد في هذا الخصوص، في وقت قام اللبنانيون بالتخزين أيضاً بكميات قياسية وقارب حجم السلع في ​المنازل​، تلك الموجودة في المتاجر، وذلك يعود بالأساس إلى حالة الشك لدى النّاس وعدم الثّقة ب​التجار​ والدّولة."

أسباب الموجة الجديدة لارتفاع أسعار السّلع

يشير برو، إلى أن "القفزات الجديدة في أسعار السّلع تعود لأكثر من سبب، أوّلاً: مع عزل النّاس في بيوتهم وغياب المنافسة كلياً، قامت المتاجر خاصة الصغيرة منها، بالتحكم ورفع الأسعار.

ثانياً: عملية التصحيح الاقتصادي، حيث طالت ارتفاعات الأسعار هذه المرة أسعار الخضروات، حيث أن الموجات الماضية من رفع الأسعار لم تطل هذه السلع، وشهدت ​الفواكه​ والخضروات ارتفاعات قياسية غير مسبوقة في أسعارها، فعاد التّاجر ليحقق أرباحه وفقاً لسعر صرف الليرة في ​السوق السوداء​.

المحتكرون ينشطون حتى في ذروة الأزمة

فقدان بعض المواد الغذائية الأساسية وأهمها حليب الأطفال، يرجع أسبابه برو إلى تخزين التجار هذه المواد، ويبيعونها بأسعار أعلى مع موجة الغلاء الجديدة، ويقول، إن "ما يدفع التاجر لاحتكار وتخزين حليب الأطفال على سبيل المثال، هو أن تاريخ انتهاء صلاحية هذه السلعة قد يدوم عامين وحتى أكثر، وهو ما يمكّن التاجر من الاستغلال وإخفاء البضائع لفترة عن السّوق دون تَلَفها أو فسادها، ليعود ويعرضها بأسعار أعلى ويحقق أرباحاً مضاعفة".

ويرى برّو، أن "التاجر اليوم يحاول من أن يستفيد من كل الطرق والأشكال الممكنة في ضوء الواقع الحالي، الذي يخيم عليه غياب دور الرقابة و​المحاسبة​، وهذا نتاج تحلل وتفكك ما تبقى من الدّولة، وهو ما سينتج أزمة ستزيد مع مرور الوقت، وأن تذهب باتجاهات مأساوية مع عدم امتلاك أي طرف أو جهة مشروعاً يُمَكِّن من الخروج الأزمة".

ويضيف: "أسباب أزمتنا الحالية واستمراريتها فتبقى داخلية، مع بقاء إقتراحات الحلول تؤشر لمزيد من الإنهيار. ومنها مثلاً، قضية الدّعم، التي تضغط غالبية القوى السياسية نحو مواصلة دعم التجّار بدلاً من ترشيد الدّعم. واللافت، أن الاحتياطي من ​النقد الأجنبي​ قارب على النفاد، وخلال سنة الأزمة في 2020 مع بدء تطبيق لائحة بالدّعم، استُنزفت 8 مليارات دولار، دون أن يصل للأفراد الأكثر حاجة سوى 5 إلى 10% من الدّعم، فيما تم نهب المبلغ الباقي أو استفادت منه فئات ليست بحاجة للدّعم من خارج الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وشهدنا كيف استنزف هذا الدّعم من خلال التخزين والتهريب أيضاً، الذي طال ​المحروقات​ والدّواء على الخصوص.

ويختم برو بالقول: "المفترض مع فشل هذه السياسات الخاطئة بشكل فاضح، المبادرة إلى التصحيح، وهو ما لم يحصل، فيما يستمر المعنيون بمناقشة الحلول، وهو ما يؤكد وجود إصرار بعدم الحل."