دولتنا باتت مبدعة بابتكار الطرق لإفقار الناس وزياد معاناتهم، وذلك من خلال القرارات العشوائية التي لا تراعي المواطن ومتطلباته، كما لا تلتفت الى القطاعات التي ما زالت تحرّك العجلة الاقتصادية في البلاد رغم ​الانكماش​ و​الركود​ الحاصلين منذ فترة، وأولها القطاع الصناعي الذي يسهم نسبيا لوحده اليوم، بإدخال ​الدولار​ الطازج الى البلاد، وبالتالي، فإن إجباره على إقفال أبوابه، ما هو إلا "ضرب جنون"، وسيشكل حتما صفعة قاسية وقاضية على اقتصادنا المحلي، كما سيضر بسمعة المصانع ال​لبنان​ية في الخارج، في ظل منافسة شرسة من المصانع الموجودة في البلدان المجاورة، التي لم تتأثر عمليا بجائحة "كورونا"، أكان من ناحية التصنيع أم التصدير.

فبين مطرقة الحكام الذين لا يحترمون الإنسان وصحته، كما لا يدرسون قرارتهم لكي تتناسب مع الظروف القائمة، وبين تجرد بعض المواطنين الأنانيين من جميع مشاعر التكافل والتضامن، واستهتارهم بصحتهم وصحة غيره، نجد أنفسنا أمام منعطف خطر للغاية، على الصعيدين الصحي والاقتصادي، الى جانب المخاطر المالية الموجودة بالأساس من جراء الأزمة التي تعصف بالبلاد.

ومن هنا، كان لموقع "الاقتصاد"، مقابلة خاصة مع رئيس ​تجمع الصناعيين​ في ​البقاع​ نقولا أبو فيصل، للاطلاع على أوضاع الصناعة في المنطقة خلال فترة الإقفال العام، وللتعرف الى نسبة الإلتزام، في ظل مطالبة وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال عماد حب الله بفتح المصانع، مع الحديث عن إمكانية تمديد الإقفال حتى نهاية شباط.

وأوضح أبو فيصل أنه في بداية تطبيق قرار الإقفال العام، بلغت نسبة إلتزام المصانع الموجودة ضمن نطاق تجمع الصناعيين في البقاع، 100%، ولكن بعد أيام عدة، حصل بعض التمرد أو العصيان، أو نوع من الحاجة، ما دفع البعض الى إعادة فتح مصانعهم، وتشغيل عمالهم، بسبب التزاماتهم بتسليم البضائع الى الخارج في مواعيد محددة، مؤكدا أن هذه المصانع اضطرت الى العمل كي لا تخسر زبائنها.

وكشف أن الإلتزام في منطقة البقاع اليوم، لا يتجاوز الـ60%، والمصانع تعمل من الداخل مع إغلاق أبوابها الخارجية، لأنها تعتبر أن الدولة لن تكون حريصة على حياة وصحة أصحاب المصانع وعائلاتهم والموظفين وعائلاتهم أيضا أكثر منهم، وذلك بحسب قولهم. وأكد أن هذه المؤسسات بحاجة الى العمل لضمان استمراريتها، ولتأمين أجور ورواتب عمالها وموظفيها.

وقال أبو فيصل: "القرارات الوزارية المتخذة كانت ارتجالية، واليوم بات الصناعيون لا يخافون من الحصول على محاضر الضبط، لأن إنتاجية مصانعهم هي أكبر بكثير من قيمة هذه المحاضر. وبالتالي، يفضلون حتما عدم خسارة التزاماتهم، والوعود التي أعطوها لزبائنهم". وأضاف: "نشم رائحة ضربة لقطاع الصناعة، ولسنا مقتنعين بأن الهدف من هذه الإجراءات هو الوقاية والحد من انتشار وباء "كورونا" فحسب. فلماذا الاستيراد مفتوح و​التجار​ يشترون البضائع ويضخونهم في الأسواق اللبنانية، في وقت تجبر المصانع المحلية على الإغلاق؟ مع العلم أنها لم تتوقف عن العمل حتى طوال فترة الحرب اللبنانية، وخلال حرب تموز في 2006".

وشدد أيضا على أن "الكمامة لطالما كانت موجودة في المصانع منذ تأسيسها، والشرط الأول والأساسي لنيل ​شهادات​ الـ"ISO" والشهادات العالمية لسلامة وصحة الغذاء، يقتضي بارتداء العمال للكمامات داخل المصانع، والحفاظ على أعلى معايير السلامة، وبالتالي، نحن متلزمون بالإجراءات الوقائية حتى قبل انتشار "كورونا".

وتابع قائلا: "أنصح كل صاحب مصنع، في إعادة فتح مصنعه، في أي قطاع كان، ودون انتظار قرارات الحكومة، ولكن مع الالتزام بالشروط الوقائية كافية". وقال: "أنا لا أحرض الصناعيين، ولطالما شجعناهم على الالتزام بالقرارات الحكومية، ولكن عندما نجد ظلما في التعاطي معنا، ويصبح الطغيان في لبنان قانونا، سيكون التمرد في المقابل ضروريا".

من جهة أخرى، أكد أبو فيصل لـ"الاقتصاد"، أن المصانع التي سمح لها بالعمل خلال فترة الإغلاق، لا تستطيع الاستمرار بدون مصانع التعبئة والتغليف، لأن هذه الأخيرة هي حاجة ضرورية، ولا يمكن بيع أي منتج لولا وجودها. كما وجه تحية الى الوزير حب الله على مواقفه في مواجهة الحكومة، والتصدي للأخطاء التي ترتكبها اللجنة الوزارية لمتابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس "كورونا". وأوضح أن الوزير توافق خلال لقائه يوم الثلاثاء عبر تطبيق "زوم"، مع ​اللجنة الاقتصادية​ البرلمانية، التي شارك فيها العديد من الصناعيين، على السماح بإعادة فتح مصانع التعبئة والتغليف الأربعاء.

كما شدد أبو فيصل على أن إقفال المصانع اللبنانية هو تدمير مبرمج للصناعة على حساب الاستيراد، وذلك لأن كل دول العالم استثنت الصناعة من الإغلاقات. وقال: "نعيش للأسف زمن الغباء والوباء والغلاء وقلة الحياء، ونتهم ​الحكومة اللبنانية​ علنا بأنها تضرب الصناعة والاقتصاد الوطني بقصد أو بغير قصد، في حين أن هذا القطاع هو الوحيد الذي يدخل الدولار الى البلاد، مع معاناة كل القطاعات الأخرى، مثل الزراعة والخدمات و​السياحة​ التي لا تستطيع اليوم استقطاب الأموال من الخارج". وسأل: "هل أن كان قرارات الحكومة تسهم في مواصلة الحصار المفروض على لبنان لغايات سياسية؟ وهل المطلوب هو ​تهجير​ الصناعة الوطنية؟ اذا كان الوضع كذلك، فالرسالة وصلت!". وتابع: "التناقض هو سيد الموقف في ما يتعلق بهذا الموضوع. فمنذ حوالي سنة، انتشرت حملة لتشجيع الصناعة والانتقال من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج، أما اليومـ فنجد أن هذا القطاع يرزح تحت وطأة القرارات الخاطئة".

كما أضاف: "اذا اتخذت المصانع الضرورية والمصدرة كل إجراءات الحماية، وعملت بشكل منظم، فسوف نرضى بإقفال بعض المصانع الأخرى، شرط تأمين البديل، وذلك عبر تطبيق مشروع شبكة الأمان الذي يخصص 600 مليار ليرة، توزع على شكل مساعدات للعائلات المحتاجة. والصناعة توظف اليوم نحو 140 ألف عامل، وبالتالي، اذا لم يعمل الصناعي، لن يتمكن من تأمين مداخيلهم. ومن هنا، اذا تم توزيع ​المساعدات​ خلال الأشهر القادمة، حسب بيانات جداول حضرتها الوزارات وتولى الجيش اللبناني مهمة تسليمها، فلن نواجه أي مشكلة في إقفال مصانع تعتبر غير ضرورية من ناحية تلبية الاحتياجات اليومية أو الالتزامات الخارجية".

وتابع أبو فيصل قائلا: "عتبنا كبير على دولتنا، لأنها تقوم بكل ما يؤذي الصناعي، حتى خيّل لنا أنها عدوتنا". وأكد أنه في حال تمديد الإقفال العام حتى نهاية شباط، وعدم التجاوب مع مطالب الوزير حب الله، فمن المتوقع أن تفتح جميع المصانع تدريجيا ومن تلقاء ذاتها. وقال: "سنضطر للأسف للجوء الى التمرد على قرارات الحكومة".