وافق ​البنك الدولي​ على اتفاقية قرض شبكة الأمان الاجتماعي للبنان،​​ والبالغة قيمته 246 مليون ​دولار. وبموجب هذا القرض، ستحصل الأسر المؤهلة على مبلغ شهري قدره 100 ألف ليرة لبنانية للفرد في الأسرة (6 أفراد كحد أقصى)، بالإضافة إلى مبلغ ثابت قدره 200 ألف ليرة لبنانية للأسرة الواحدة. كما وافق البنك اليوم على إعادة تخصيص مبلغ 34 مليون ​دولار​ للمساعدة في توفير لقاحات "كورونا​" في لبنان.

من جهة أخرى، تنتهي في نهاية شهر شباط المقبل، المهلة التي أعطاها حاكم ​​مصرف لبنان​​ للمصارف، من أجل زيادة رساميلها بنسبة 20%، وإلى إعادة تكوين ​السيولة​ الخارجية للمصارف، بما لا يقل عن 3% من مجمل الودائع، وذلك في التعميم رقم 154 الصادر بتاريخ 27 آب 2020.

كما برز الحديث مؤخرا حول رفع الدعم عن ​الحبوب​ والحليب وغيرها من المواد الأساسية، وذلك خلال فترة الإقفال العام الذي يشهده البلد، من جراء الانتشار الواسع لفيروس "كورونا".

أولا، من هو المستفيد الأول من اتفاقية قرض شبكة الأمان الاجتماعي؟ كيف ستؤثر على سعر الصرف في السوق وعلى موجودات المركزي، لأن الأموال ستوضع بالدولار الـ"fresh"، وستعطى للمواطنين بالليرة اللبنانية؟ وما هو مصير القرض المتعلق باللقاحات؟

ثانيا، ماذا سيحلّ ب​المصارف​ التي لن تلتزم بقرار مصرف لبنان؟ وهل من الممكن يلجأ المركزي الى سحب رخصة المصرف المخالف؟

وثالثا، في موضوع الدعم، ما هي تداعيات رفع الدعم عن أحد أهم متطلبات العيش؟ وهل سيتحمل المواطن؟

ومن هنا، كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع عضو هيئة ​المجلس الإقتصادي​ والإجتماعي، د. أنيس بو دياب، الذي أوضح أن شبكة الأمان الاجتماعي ستفيد نحو 170 ألف أسرة، كما ستساعد حوالي 80 ألف طفل في المدارس. هذا العدد يضاف الى 43 ألف عائلة تطالها الشبكة الممولة من ​ألمانيا​ وبعض الدول الأوروبية الأخرى، منذ عام 2011، ليصبح لدينا حوالي 210 آلاف عائلة محمية، أي نسبة 20% تقريبا من العائلات الأكثر فقرا، التي أعلن عنها البنك الدولي. ولكن لا نعرف من هي هذه العائلات بالتحديد، بسبب غياب الإحصاء.

وأوضح أن 350 ألف الى 400 ألف عائلة تقدمت بطلب الى وزارة الشؤون الاجتماعية، وفي هذه الحالة، سيتم إجراء إحصاء ميداني لهذه العائلات، وخلال ثلاثة أشهر، سيتم تحديد من سيحصل على ​المساعدات​، لافتا الى أن القرض لم يصبح نهائيا بعد، كونه يحتاج الى قانون في ​مجلس النواب​ لم يصدر الى حد اليوم.

وقال د. بو دياب: "فعليا، يستطيع المجلس النيابي على سبيل المثال، أن يقرر توزيع هذا القرض بالدولار على المحتاجين، ولكن أشك بذلك لأن السلطة السياسية، من الظاهر، أنها لا ترغب برفع الدعم، وبالتالي سيساعد هذا المبلغ على إبقائه. فالمصرف المركزي كان قد حذر من إمكانية الإبقاء على الدعم حتى نهاية العام 2020، ولكن في 15 كانون الأول، صرح الحاكم ​رياض سلامة​ بأنه بات لدينا إضافة على موجودات الاحتياطي الإلزامي بقيمة 2 مليار دولار، بعد أن كان الرقم 600 مليون دولار. وقد جاء المبلغ من هذه القروض، وكان محتسبا ضمنها أيضا قرض الـ246 مليون دولار، لأن وزير المالية غازي وزني أرسل بطلبه بعد تكليفه من قبل رئاسة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، بالموافقة على طلب هذا القرض في 12 كانون الأول، أي قبل تصريح الحاكم، ما يعني أن هذا المبلغ أضيف على الموجودات".

وأضاف: "لا يمكن العمل باتجاهين متعاكسين في الاقتصاد، اذ لا يجوز الإبقاء على الدعم، وعدم المس بالاحتياطي الإلزامي، وفي الوقت ذاته، إعطاء كل القروض بالدولار. لا يمكن أن تحصل الأمور بهذه الطريقة، ولا بد من إيجاد حل وسطي. واذا قررنا الإبقاء على الدعم، لا بد من تأمين الـ"fresh money". ولكن من أين؟ لا توجد مصادر اليوم سوى القروض. وإلا يجب الاتجاه الى تشكيل حكومة وفق برنامج مساعدات من ​صندوق النقد الدولي​، ما يعتبر بعيد المنال للأسف".

أما بالنسبة الى موافقة البنك الدولي على تخصيص 34 مليون ​دولار​ للمساعدة في توفير لقاحات "كورونا​" في لبنان، فأشار د. بو دياب لـ"الاقتصاد"، الى "أن هذا الأمر يعتبر سابقة جيدة، لأن من شأن ذلك أن يؤمن حوالي 2 مليون جرعة من اللقاح. ولكن علينا الإسراع بذلك أيضا، لأن هذه المساعدة هي جزء من قرار البنك الدولي برفع مساعداته الى 12 مليار دولار، في تشرين الثاني 2020. وكان من المفترض أن يطلب لبنان المساعدة لاحتواء جائحة "كورونا" منذ آذار 2020، ولكن لم يحصل ذلك لأسباب متنوعة، منها سوء الإدارة والمناكفات السياسية".

وذكر أنه لم يتم بعد تحرير هذا المبلغ، لكن البنك الدولي طلب من اللجنة المتخصصة بكيفية توزيع اللقاح أن تتولى مهمة المراقبة، وقد وضعت هذه اللجنة بعض الشروط، منها طبيعة اللقاح ونوعيته، لأن اللقاحات التي لم تحصل على موافقة منظمة الصحة العالمية، لا يغطيها بهذا الدعم. وبالتالي، علينا الإسراع أيضا بتقديم الخطط اللازمة لتحديد آلية توزيع اللقاح ولمن وكيف.

في ما يتعلق بموضوع المصارف والمهلة التي أعطاها إياها مصرف لبنان، كشف د. بو دياب أن جزءا كبيرا من المصارف الكبرى حصّنت نفسها، وخاصة بعد الصفقة التي تمت مع "​بنك عودة​" و"بنك لبنان والمهجر"، حيث باعا حصصهما في مصر. وقد بلغت قيمة الصفقة للمصرفين حوالي 1.1 مليار دولار (660 مليون دولار لـ"بنك عودة" و427 مليون دولار لـ"بنك لبنان والمهجر").

وأوضح أن معظم ​المصارف اللبنانية​ ستتمكن من تأمين شروط المركزي، من خلال موجوداتها، عبر بيعها أو تقليص حجم فروعها في الداخل اللبناني، أو تحويلها الى أصول وإقفالها وتخفيض النفقات، وسيتم ذلك عبر الاتفاق مع الموظفين، وبإعطائهم تسهيلات وتعويضات للخروج بأمان من ​القطاع المصرفي​. أما بالنسبة الى المصارف التي لن تتمكن من تحقيق شروط مصرف لبنان – وعددها قليل - فسوف يبادر هذا الأخير الى إدارتها، وبالتالي، لن يتأثر المودعون بذلك على الإطلاق، بل سيخسر أصحاب المصرف، بعضا من صلاحياتهم وأسهمهم.

وفي موضوع رفع الدعم عن بعض ​المواد الغذائية​ الأساسية، ذكر د. بو دياب لموقع "الاقتصاد"، أنه في الأشهر الماضية، تم اتخاذ قرار بتخفيض عدد السلع المدعومة، من 300 سلعة الى 230 سلعة، وفعليا، ما زال هذا العدد على ما هو عليه، مع العلم أنه لا يتم استيراد بعض السلع، بحجة غياب الطلب عليها من قبل ​المستهلك​ين، وبالتالي، لم يعد هناك حاجة لاستيرادها بعد الآن. فعندما اتخذ قرار الدعم على 300 سلعة غذائية، قالت وزارة الاقتصاد حينها أنها ستختبر ذلك على مدى شهرين أو ثلاثة أشهر، للتعرف الى السلع المطلوبة، لأن سلوك المستهلك قد تغير حتما. ومن هنا، سيستمر الدعم على ما هو مطلوب، في حين سيتوقف عن ما هو غير مطلوب. وتحت هذه الحجة، تستطيع الوزارة سحب أي سلعة، فيما سيستفيد التاجر من ذلك، لكي يرفع أسعار السلع الموجودة في مستودعاته.

وأوضح أن هذا الدعم "المشوه" بالأساس، كان من المفترض أن يتوقف فعليا منذ أيلول 2020، لكي ننتهي من هذا القرار المكلف الذي لا يستفيد منه سوى 20% من صغار المستهلكين من ذوي الدخل المحدود في لبنان، في حين يتم تهريب الباقي تحت حجج مختلفة؛ وقال: "هذه المسخرة بالدعم يجب أن تتوقف".

وأضاف د. بو دياب: "لقد استهلك لبنان حوالي 5.5 مليار دولار خلال عام 2020 من احتياطي مصرف لبنان، من أجل تمويل دعم استفاد منه ذوي الدخل المحدود، بما لا يتعدى الـ1.5 مليار دولار، أما الباقي فهذب للتهريب، أو استفاد منه من لا يستحقه".

كما أكد ان إلغاء الدعم بحاجة الى شجاعة في القرار السياسي. وتابع قائلا: "لكن أعتقد أن هذه السلطة ستبقى تماطل حتى استنزاف آخر قرش من الاحتياطي الإلزامي، لأنها السبب في ما نحن فيه بالأساس".

وأضاف: "كانت تستطيع لو أرادت ذلك، تشكيل حكومة وفق المبادرة الفرنسية منذ 5 آب حتى اليوم، وكنا خرجنا برفع دعم، وبتحرير سعر صرف العملة، وببناء قدرات من خلال برنامج مع صندوق النقد الدولي ومع المؤسسات الدولية الأخرى، وبالتالي بدأنا بالإصلاحات المرجوة. ولكن هذه السلطة ترغب بشد الخناق على رقاب ذوي الدخل المحدود للتسلط عليها أكثر، والبقاء على الكراسي".