ضرب فيروس "كورونا" ​الاقتصاد العالمي​، حتى وصلت الخسائر إلى 9 تريليونات دولار، وارتفعت نسبة الانكماش إلى معدّل 6%.

وبفعل هذا الوباء، تضرر السوق العالمي، فتقلبت أسعار ​العملات​ و​النفط​ وكذلك ​الذهب​، الذي بقي وسيبقى الملاذ الآمن للكثير من المستثمرين والمواطنين.

وإذا راقبنا ​الأسواق العالمية​ منذ 30 سنة، نرى أن الذهب تأثّر ببعض الأحداث، لكن المنحى العام بقي على ارتفاع.

أما في لبنان، وبعد الحديث عن قرب نفاد احتياطي "​مصرف لبنان​" من العملات الصعبة، وعدم القدرة على الاستمرار بدعم المواد الأساسية (محروقات، و​طحين​، ودواء)، وفي ظل غياب الحلول الجديّة، ومع عدم سلوك خطّة "ترشيد الدعم" طريقها للتطبيق بعد، كثُر الحديث عن إستخدام ​احتياطي الذهب​ (تسييل الذهب).

وبعد الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي، وتفشي ​الفساد​ والهدر في مؤسسات الدولة، وعدم معرفة مصير أموال المودعين.. هناك من تذَكَّر الذهب، ليكون ضحية جديدة تستخدمها السلطة في سياساتها الاقتصادية، التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه.

وحتى اليوم الفكرة لا تزال "حبراً على ورق" وهي مجرد أحاديث، وليس من السهل القيام بهذه الخطوة، لما تواجهه من عراقيل قانونية.

عالمياً

في هذا السياق، أشار الباحث في العلاقات الدّولية والاقتصادية علي حمّود، في حديث مع "الاقتصاد"، إلى أن "المخاوف بشأن حالات الموجة الثالثة من فيروس "كورونا"، وخصوصاً في ​الولايات المتحدة​ و​أوروبا​، تقود القلق بشأن استمرار ضعف التعافي الاقتصادي.. وذلك ما يدعم أصول الملاذ الآمن، كالذهب".

وأضاف: "نظراً لتفاقم الجائحة وانخفاض أسعار الفائدة عالمياً، فيظل تحفيز واسع الإنتشار من ​البنوك المركزية​، ونظراً لأن المعدن الأصفر يُعدُّ تحوطاً في مواجهة ​التضخم​ وانخفاض العملة.. من المتوقع أن ترتفع أسعار الذهب في عام 2021، إذ عزز خفض البنوك المركزية أسعار الفائدة والتوقعات الضبابية للاقتصاد، الطلب على الملاذ الآمن".

وشدد حمّود، على أن "أسعار الفائدة و​السياسة النقدية​ لمجلس الإحتياطي الإتحادي، محركان رئيسيان للنظرة المستقبلية لصعود سوق الذهب".

وقال: "دفعت إجراءات التحفيز الضخمة من جانب بنوك مركزية في أنحاء العالم وخفضها أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد الذي تضرر بسبب فيروس "كورونا"، الذهب لأعلى مستوياته".

وأردف قائلاً: "يثير انخفاض أسعار الفائدة والمصاعب الاقتصادية إهتمام المستثمرين بالذهب كملاذ آمن، وهروباً من الأصول عالية المخاطر. كما أن إجراءات التحفيز واسعة النطاق إيجابية للذهب،لأنه يستخدم للتحوط في مواجهة التضخم وانخفاض قيمة العملة".

لبنانياً

إلى ذلك، أوضح حمّود، أن "لبنان يمتلك 286.6 طن من احتياطيات الذهب ما يعادل تقريباً 10 مليون أوقية، وتقدر قيمتها بنحو 18 مليار دولار، مؤكداً أن آخر ​إحصاء​ كان في العام 1996".

وسأل: "هل بسبب نفاد أموال المودعين، وأن أرقام الإحتياطي وهم، سيتم إستعمال الذهب بعد الإنتهاء من عدّه من قبل الشركات المولجة بالمهمة؟ أو أننا ذاهبون إلى تدابير آخرى وهي القبول بشروط ​صندوق النقد​؟"

وشدد على "ضرورة تحرك الشعب اللبناني لمنع المس بالذهب من قبل هذه المنظومة الحاكمة الفاسدة، التي لا تملك سياسات واضحة للخروج من ​الأزمة الاقتصادية​".

وقال حمّود: "بسبب جلسة اللجان النيابية، قرر النواب بالتعاون مع "كاي بي أم جي" و"أوليفر وايمن"، إعادة تقييم وإحصاء موجودات الذهب، الذي يملك لبنان بين "يديه" ثلثي المخزون في خزانات المصرف المركزي، ويملك الثلث الأخير في قلعة "فورت نوكس" في ​نيويورك​".

وأضاف الباحث في العلاقات الدَّولية والاقتصادية: "عادةً من يستطيع القيام بهذه الخطوة، هم 4 أشخاص يملكون المفاتيح والأرقام السرية، (حاكم المركزي، ومدير الخزينة ومساعده، ومدير التفتيش، بإشراف مفوض الحكومة)".

وحول فكرة تسييل أو رهن الذهب، أوضح أن "​مجلس النواب​ قرر في عام 1986 إصدار القانون رقم 42، والذي نصّ على المنع مطلقاً بيع ذهب "مصرف لبنان" بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلاّ بنصّ تشريعي يصدر عن مجلس النواب، وذلك بسبب بعض المحاولات للمس بالموجودات بعد الحرب اللبنانية".

وتابع حمّود: "تكررت هذه المحاولات في "​باريس​ 1"، ولكنها باءت بالفشل".

ولفت إلى "أن الرهن لا يأتي بالكثير من الأموال، بل الأفضل السعي لإيجاد حلول لإنقاذ ما تبقى، من هذا البلد".

وعن إمكانية حجز الذهب في أميركا في حال تخلّف لبنان عن سداد ديونه، أشار الباحث في العلاقات الدَّولية والاقتصادية، إلى أنه "في حال التخلف عن السداد يمكن اللجوء إلى المحاكم الدولية و​محكمة​ نيويورك.. ويبقى السؤال هنا: ما هو مصير أموال الدولة في ​المصارف​ الأميركية؟".

وأضاف: "لا يمكن المس بالذهب والأموال لأنها تخضع للحصانة السيادية، إلا في حال حصول إضطراب وتغيير في الأنظمة، بطرق لا تخضع للمعايير الديمقراطية الأميركية".

وأوضح أن موجودات الذهب ارتفعت قيمتها، ما يعني أن وجودها يعطي مكاسب إضافية للبنان، والأفضل عدم التصرف بها الآن.

وقال: "لا أظن أن القوى السياسية تجرؤ على إتّخاذ قرار كهذا، ولكن بحال فعلت فعليها أن تعلم أن ذلك قد يعرّض الذهب لخطر اصطياده من قبل حاملي سندات اليوروبوندز".

ختاماً، يبدو أن أزمة فيروس "كورونا"، جعلت من الذهب الملاذ الآمن للمستثمرين والدول، ويلجأ إليه المستثمرون هرباً من الأصول عالية المخاطر، ومن المرجح أن يزداد سعرها في الفترة المقبلة، لاسيما مع إستمرار الأزمة الوبائية في العالم، حتى وصل سعر الذهب إلى 2000 دولار للأوقية في الربع الثالث من عام 2020.

ولبنانياً، إنَّ فكرة "تسييل الذهب" لا تزال غير قابلة للتنفيذ، أقله حتى يومنا هذا، خصوصاً مع وجود هذه السلطة في الحكم، التي لا يمكن الوثوق بها في أي قرار اقتصادي.

والأفضل حالياً، التفكير بحلول واقعية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، للحد من الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي، ولإعادة جزء بسيط من العافية.