في الوقت الذي يتخبط فيه العالم جراء تداعيات فيروس "كورونا" وفي كيفية تأمين اللقاحات اللازمة لشعوبهم، يتغنى سياسيونا بإنجازاتهم العظيمة. أبرز هذه الإنجازات موافقة "البنك الدولي" على قرض بقيمة 246 مليون دولار، لدعم شبكة الأمان الاجتماعي وتقديم المساعدات إلى العائلات الأكثر فقرًا.وقد سبق هذا "الانجاز" بأيام إعلان حكومة تصريف الأعمال على لسان وزير ماليتها غازي وزني، تخصيصها 75 مليار ليرة لبنانية كسلفة خزينة للهيئة العليا للإغاثة، تنفيذاً للخطة الاجتماعية الهادفة إلى مساعدة الأُسر التي ترزح تحت أوضاع معيشية حادة، بسبب الإجراءات المتخذة لمواجهة فيروس"كورونا".

صحيح أن لبنان اليوم بحاجة إلى دعم عربي وأوروبي على المستويات كافة، بعد أن أثبتت الطبقة الحاكمة فشلها في إدارة الأزمات والكورارث، وبعد استمرارها في سياسة الاستعطاف. إلا أن موافقة مجلس أمناء "البنك الدولي" على هذا القرض،قد يصب في مصلحة ​مصرف لبنان​ ليكون أول المستفيدين منه، خصوصاً وأن هذه الأموال ستكون دولار "Fresh"، وهذا أكثر ما يحتاجه المركزي اليوم.

رُبما تُشكل هذه الخطوة جرعة أمل مؤقتة في تأخير موعد إعلان مصرف لبنان رفع الدعم عن القطاعات الأساسية، خصوصاً وأن الحاكم سبق وحذرّ مراراً من أنه لن يستطيع الإستمرار في سياسة الدعم، وأنه لا يمكنه استخدام الاحتياطي من ​النقد الأجنبي​. وبما أن تحويلات هذا القرض ستُعطى بالليرة اللبنانية للأسر المُحتاجة، قد يستخدم المركزي هذه الدولارات في سبيل مواصلة سياسة دعم المواد الأساسية وتحيدداً الدواء والطحين والمواد الطبية، بإنتظار الفرج السياسي المُنتظر.

ولكن ما هي الآلية التي يجب على لبنان إتباعها للحصول على هذا القرض؟ وهل ستستفيد منه الأسر الفقيرة؟

إذاً، وافق "البنك الدولي" على ​إقراض​ لبنان مبلغ الـ 246 مليون دولار لدعم شبكة الأمان الإجتماعي، إلا أن هذا الأمر يحتاج اولاً إلى اقرار في مجلس النواب اللبناني، من أجل استكمال الإجراءات المطلوبة، وبالتالي لن يستطيع المواطن الإستفادة من هذا القرض أقله قبل 90 يوماً من تاريخ إقراره.

القرض عبارة عن تحويلات نقدية تُقدم إلى أكثر من 145 ألف عائلة محتاجة لمدّة عام كامل، من خلال مساعدة شهرية بقيمة 100 ألف ليرة لبنانية للفرد الواحد، وبحدٍ أقصى 800ألف ليرة للأسرة الواحدة، بالإضافة إلى مبلغ ثابت بقيمة 200 ألف ليرة لكلّ أسرة. وسيتم تحويل هذه المساعدات إلى بطاقة مسبقة الدفع تحصل عليها الأسر المستفيدة. ويمكن لهذه الأُسر سحب قيمة المساعدة إما نقداً عبر ​الصراف الآلي​، أو استخدامها لسداد مشترياتها.

كذلك الأمر، سيحصل نحو 78 ألف طفل لبناني تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً على تحويلات إضافية لتغطية النفقات المباشرة للتعليم، كرسوم التسجيل في المدرسة، ورسوم مجالس الأهل، وتكاليف الكتب المدرسية، بالإضافة إلى مصاريف التنقل والزي المدرسي، فضلاً عن الحاسوب والنفقات المرتبطة بشبكة ​الإنترنت​ خصوصاً في فترة التعلّم عن بُعد.

لا شكّ بأن هذا القرض قد يساعد لبنان في تأمين شبكة أمان اجتماعية في حدها الأدنى في حال تم صرفها على الأسر المحتاجة، خصوصاً وأن أكثر من نصف الشعب اللبناني بات يرزح تحت خطّ ​الفقر​، الا أنه من المؤكد لن يستطيع حلّ ​الأزمة المالية​ والإقتصادية والإجتماعية التي نعيشها والتي تتفاقم يوماً بعد يوم، في ظلّ ارتفاع غير مسبوق لسعر صرف الدولار في ​السوق السوداء​ والذي يتزامن مع فترة الإقفال التي فرضتها حكومة تصريف الأعمال مع تفشي فيروس "كورونا".

فالأزمات التي يُعاني منها لبنان اليوم باتت تُحتم وجود حكومة متجانسة وفاعلة بأسرع وقت، تكون أولوياتها العمل على وضع خطة إنقاذية بالتعاون مع ​صندوق النقد الدولي​. فالقروض لم تعد تنفع ان لم تكن مرتبطة بإصلاحات حقيقية، وهذا الأمر بات شرط أساسي من شروط المؤسسات الدولية أو حتى من جانب الدول التي ترغب في مساعدة لبنان، وأموال "سيدر" دليل واضح على التوجه الدولي والعربي فيما خصّ أزمة لبنان. فسياسة ​التسول​ لم تعد تنفع، ولبنان بات متروكاً إلى مصيره خصوصاً بعد فشل المبادرة الفرنسية.

إذاً لبنان اليوم أمام ​كارثة​ إجتماعية، صحية، واقتصادية مع تنامي نسب الفقر و​البطالة​، وقد جاءت كارثة "كورونا" لتُعقد الأمور أكثر فأكثر في ظلّ غياب أي حلول تذكر لإمكانية وجود حكومة في المدى المنظور.