نعم، قد تكون القرارات الخاطئة قد أوصلتنا الى هذه المرحلة من انتشار وباء "كورونا"، حيث تم التعامل مع الجائحة، كما كان يتم التعامل مع أي مشكلة أخرى تواجهنا، أي بالاستهتار، ​الفساد​، والطائفية، في ظل فقدان الدولة لهيبتها بين المواطنين.

ومع ذلك، هذا لا يعني أن جميع الأشخاص الذين طالبوا بفتح البلاد خلال الأعياد، في ظل إغلاق عام طال معظم الدول، أو هؤلاء الذين استضافوا الزيارات المزدحمة، أو حضروا حفلات رأس السنة، ثم تابعوا حياتهم بشكل طبيعي، لأن هذا الأمر كان ممكنًا ومتاحا لهم من الناحية القانونية، هم أبرياء. إنهم مذنبون وفاسدون مثل الطبقة السياسية تماما. فليتوقف البعض عن الدفاع عنهم. فهم أحد الأسباب في إفلاس العديد من الشركات، وفقدانها لسمعتها الدولية وحتى لاتفاقياتها الخارجية. هم أحد الأسباب في طرد عدد كبير من الموظفين، أو حصولهم على نصف رواتبهم. هم أحد الأسباب في موت الناس في منازلهم أو على أبواب المستشفيات، أو حتى وحيدين على أسرّة العناية الفائقة. هم أحد الأسباب في إنهاك القطاع الطبي واستنزاف موارده البشرية والمادية.

إن "تأثير الدومينو" في هذه المعادلة واضح وضوح الشمس. فمع فقداننا للثقة في مسؤولي البلاد - وهذه ليست بالمفاجأة الكبرى- لم نفكر مطلقًا في أننا سوف نفقد ثقتنا واحترامنا لشعبها. نعم لقد ارتكبوا جريمة!

فما هو وضع الصناعيين في ظل عدم استثنائهم من قرار الإقفال؟ كيف ستتحمل المصانع الخسائر التي ستتكبدها؟ وهل من حلّ فعال في الأفق؟

وانطلاقا من هذا الواقع، كان لموقع "الاقتصاد" مقابلة خاصة مع نائب رئيس جمعية الصناعيين، ​​​زياد بكداش​​​، أوضح فيها أن الاستثناءات التي كانت معطاة للصناعيين، حتى يوم أمس الاثنين، كانت محصورة ب​المواد الغذائية​ والطبية والاستهلاكية، وقال: "تمنى علينا وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال ​عماد حب الله​، التخفيف من هذه الاستثناءات، ونحن كجمعية صناعيين لم نقبل طبعا بهذا الأمر، لكننا تركنا مصيرنا للوزير في نهاية المطاف، الذي اضطر لاتخاذ هذا القرار بسبب الضغوط التي تعرض لها من جهة السرايا و اللجنة الصحية في ​مجلس النواب​".

وأضاف: "أغلقت ابتداء من يوم الاثنين، المعامل التي تصنع الكمامات ومواد التنظيف، مع العلم أننا بأشد الحاجة اليوم الى هذه المجالين بالتحديد. وقال الوزير حب الله، أنه بإمكان هذه الشركات والمؤسسات توزيع المنتجات من مستودعاتها ومخازنها دون مواصلة تعمل في المصانع".

كما لفت الى أن المصانع لم تعد تخزن البضائع والمواد الأولية، بسبب معاناتها في استيراد المواد الأولية، من جراء أزمة ​الدولار​، بالإضافة الى أن التاجر بات يعمل "كل يوم بيومو"، وبالتالي، فإن المخزون ليس كبيرا.

وتابع: "نحن ملتزمون تماما بالقرارات، لأن معظم الصناعيين هم تحت القانون وليس فوقه، ولكن بالتأكيد لا نوافق على قرار الإقفال، لأن هذا الأمر سيضر بموضوع تسليم البضائع، وخاصة لأن ​الاقتصاد اللبناني​ بات اليوم اقتصادا نقديا (cash economy)، أي أن المؤسسات والشركات تشتري حاجاتها كل يوم أو يومين، ولم تعد الأمور كما كانت عليه في السابق، حيث كانت تتم عمليات شراء البضائع وتخزينها لفترات".

كما لفت بكداش الى أن "المشكلة الأكبر اليوم، تكمن في إغلاق جميع المصانع باستثناء المواد الغذائية والطبية، ولكن خلال اجتماعنا مع الوزير حب الله، طلبنا عدم إقفال المصانع عامة، إسوة بكل دول العالم. فماذا سيحل بتلك التي لديها عقود للتصدير الى الخارج؟". وأكد أن بعض الشركات ستضطر الى دفع بنود جزائية من جراء التأخير الذي سيحصل في التسليم، أما تلك التي لا تخضع لبند جزائي، سوف يتم الاستغناء عن خدماتها، اذا لم تتسلم الدول البضائع المطلوبة على الوقت، كما ستتجه الى تأمين مصدر آخر بالنسبة الى الطلبيات المقبلة، ما سيؤثر سلبا على المصانع اللبنانية؛ فحتى ولو كانت أسواق بعض البلدان مغلقة، فهي تفضل استلام البضائع وتخزينها في المستودعات، لكي تكون موجودة لدى فتح الأسواق مجددا.

وتابع قائلا: "اتفقنا مع وزير الصناعة على اتباع آلية، تتعلق بالمصانع التي تصدر الى خارج لبنان. وعلى كل مصنع، تقديم كتابا، بشكل فردي، الى رئيس حكومة تصريف الأعمال ​حسان دياب​، يتضمن العقود الموقعة مع الزبائن، لكي يحصل على استثناء. لقد بدأنا أمس في هذا الإجراء، وتم تقديم الملفات الى وزارة الصناعة، ولكن ستتم دراستها من قبل الوزير حب الله قبل إرسالها الى رئاسة الحكومة، ما سيتطلب حتما وقتا طويلا".

من جهة أخرى، أوضح بكداش لـ"الاقتصاد"، أن المصانع ذات الإنتاج المتواصل (process production)، أي التي لديها أفران أو مواد أولية تحتاج الى أيام لإطفائها، كالكبريت على سبيل المثال، لا تستطيع إغلاق أبوابها عند الساعة الثالثة، لتعيد استعمال المواد الأولية في اليوم التالي، حيث أنها تعمل لمدة 24 ساعة، ولا تستطيع الإقفال. وقال: "المشكلة في لبنان أنه لا يتم البحث مع الأشخاص الاختصاصيين في الموضوع، قبل صدور القرارات المختلفة، ولهذا السبب، أتخوف دائما من تطيير القطاع الصناعي، كما حصل مع القطاعات الأخرى: السياحية، التجارية، والمصرفية".

وأضاف: "نحن نعلم جميعا أن الصناعة تقدم الى لبنان 3 مليار دولار سنويا، ومن هنا، اذا أغلقت المصانع أبوابها لمدة شهر، ستخسر البلاد نحو 225 مليون دولار. ولكن الخسارة المادية ليست المشكلة الوحيد، اذ أن الأزمة الحقيقية تكمن في فقدان أسواقنا وزبائننا، فالقطاع الصناعي لا يستطيع التوقف عن العمل، ليس من أجل تأمين رواتب الموظفين فحسب - إسوة بجميع القطاعات - ولكن بسبب عقودها الموقعة مع الخارج".

كما قال بكداش: "يجب أن لا ننسى أمرا أساسيا، لم يعِ المسؤولون في لبنان خطورته بعد، ويتمثل في موضوع التطبيع الذي حصل بين بعض البلدان العربية والعدو ال​إسرائيل​ي، والذي قد يؤدي الى اتجاه هذه البلدان نحو المصانع الإسرائيلية. ففي إسرائيل، هناك مصنع يقدم منتجا عليه أرزة لبنان، وفي ​تركيا​ أيضا، يوجد مصنع للمواد الغذائية، يعتمد لوغو بيروت. وبالتالي، يتم التلاعب بالمواطن العربي واللبناني في الخارج، وهذا ما يجب محاربته على صعيد الدول اللبنانية. ولكن بدلا من ذلك، يتم فرض الإقفال على المصانع، لمنعها من تسليم البضائع الى الخارج، ما يدفع البلدان الى الشراء من إسرائيل وتركيا وغيرها من البلدان".

وأكد أن حالة الطوارئ الصحية ضرورية في البلاد، حيث يجب أن تتواجد القوى الأمنية والجيش والبلديات على الأرض، من أجل قمع المخالفات بشكل جدي، بين المواطنين والمصانع أيضا. ولكن لا يمكن الاتجاه الى الإقفال التام بشكل فوضوي وعشوائي، كما لا يمكن فتح مصانع المواد الغذائية فقط، مع العلم أن هذه المصانع بحاجة الى تلك التي تهتم بالتعبئة والتغليف.

وأوضح بكداش أن الزيارات العائلية والحفلات هي التي ساهمت في انتشار "كورونا"، وليس المصنع المغلق الذي لا يسمح بدخول أي شخص الى مكان الإنتاج. وقال: "لا حياة لمن تنادي في هذه الدولة"، مع العلم أن الوزير حب الله يقف الى جانبنا ومتفهم لمطالبنا ويتكلم باسمنا، ولكن هل سيردون عليه؟".

كما ذكر أن "هناك ثلاث جهات مسؤولة عن الموضوع الصحي في لبنان: لجنة "كورونا"، واللجنة الصحية في مجلس النواب، ووزارة الصحة، وهذه الجهات الثلاث على خلاف مع بعضها البعض، وكل واحدة ترمي المسؤوليات على الأخرى. وبالتالي، يتم التعامل مع الموضوع بالسياسة و"الفزلكة" والتهرب من المسؤولية، ولهذا السبب، نطلب نزل الجيش والقوى الأمنية الى الشوارع، لأننا في وضع خطير جدا، ونتمنى أن يعي المسؤولون ذلك".