تعلم العزف باحتراف على 46 آلة موسيقية، كما أعاد إحياء آلات طواها النسيان، وأهملها التاريخ، وأضاف لمساته على آلات أخرى، من البيانو إلى الكمان والتشيللو والقانون والعود، وغيرها، وذلك من خلال العلامة التجارية "Peter’s"، التي أوصلها الى العالمية.

تربى في عائلة موسيقية، ولطالما حلم في صناعة الآلات، فاستوحى مساره من مهنة والده الذي كان يعمل في ​تصليح السيارات​، واستعان بقطع كانت موجودة في المرآب، وحولها إلى آلات. كما استخدم بعض أدوات المطبخ والمنزل، ليقوم أيضا بتحويلها إلى آلات موسيقية.

وبالإضافة الى نشاطه في تصنيع الآلات، والتعليم والقيام بالأبحاث، أطلق منذ حوالي سنة، صفحة "Green Concerto"، التي حازت في أيلول 2020، على ميدالية ذهبية في ​المغرب​.

فلنتعرف أكثر الى بيتر نعمة، في هذه المقابلة التي خصّ بها موقع "الاقتصاد":

- من هو بيتر نعمة؟

أنا موسيقي، باحث، مدرس، ومصنع آلات موسيقية. أعزف على 46 آلة موسيقية باحتراف.

بدأت بتطوير موهبتي في وقت مبكر، حيث كنت تلميذا مسجلا رسميا في المعهد الوطني ال​لبنان​ي العالي للموسيقى، بعمر سنتين ونصف. وما زلت الى حد اليوم، الشخص الوحيد الذي دخل الى المعهد بهذا العمر.

لقد أعطاني الله موهبة كبيرة، وتربيت في عائلة تهوى الموسيقى، وتضم أصواتا جميلة وعازفين محترفين. وبعمر خمس سنوات، أنهيت دراسة الـ" solfège"، وأصبحت أقرأ النوتات الموسيقية. أما بعمر سبع سنوات، فكنت أتعلم العزف على 16 آلة في الوقت ذاته.

كان شغفي منذ عمر ​الطفولة​، تصنيع الآلات الموسيقية، وما زلت الى حد اليوم، الوحيد في منطقة ​الشرق الأوسط​، الذي يمتلك شهادة في تصنيع الآلات. وقد وصلت علامتي التجارية "Peter’s" المسجلة في لبنان، الى العالمية. حيث أصنع جميع أنواع الآلات الموسيقية، كما أقوم بإحياء الآلات المنقرضة، والتي تضاءل وجودها عبر التاريخ.

- كيف قررت تأسيس صفحة "Green Concerto" التي حازت على الميدالية الذهبية في أسبوع الابتكار الثالث "2020IWA " الذي تنظمه جمعية "Maroc OFEED" في المغرب؟

خلال فترة الحجر الذي فرض في العام الماضي 2020، بسبب انتشار فيروس "كورونا"، اضطر مئات آلاف الأشخاص للبقاء في منازلهم. وبتاريخ 4 نيسان 2020، خطرت على بالي فكرة "Green Concerto"، التي تدل على الإصغاء والتأمل، وهي عبارة عن صورة من الطبيعة مع نغمة موسيقية، أنقلها الى منزل كل شخص.

فوسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مليئة بالأخبار السيئة والسلبية، ومن هنا، أردت إضفاء الروح الإيجابية، وتقديم الخبر الجميل، من خلال الصوت والصورة. وبفصتي مصور فوتوغرافي، وباحث ومتخصص في مدى تأثير الموسيقى على الانسان والكائنات الحية، وجدت أنني قادر على بث هذه الروح الجميلة. فأطلقت "Green Concerto" كحملة عنوانها: "عينك على الطبيعة قلبها عليك".

أردت من كل شخص يتعرف الى "Green Concerto"، أن يحصل على صورة من طبيعة من لبنان، ونغمة موسيقية، وقول أو مثل يقتضي فيه.

فعندما ابتعد الإنسان عن الطبيعة، خسر صحته وفكره، كما جف الحنان في قلبه. فقد قام بتشويه الطبيعة، والتعدي عليها، من خلال رمي النفايات في الأنهار وقطع الأشجار. ونحن اليوم ندفع ثمن إجرام البشر، والأمراض المنتشرة و​التلوث​ والحرائق، هي أكبر دليل على ذلك. فالإنسان حرق الطبيعة، وبات يدفع الثمن اليوم من صحته الجسدية والفكرية والنفسية.

- ماذا تعني لك هذه الميدالية التي حصلت عليها مؤخرا؟

هذه الميدالية هي بمثابة تتويج لأعمالي الموسيقية التي أصبحت عالمية، حيث أن آلاتي موجودة اليوم في مختلف دول العالم، قبل "Green Concerto" حتى. وقد حصلت على عشرات الشهادات من ​كندا​، المغرب، ​تركيا​، ​بولندا​، ​الهند​، ​إفريقيا​، كرواتيا،...

وفي حين أن كل العالم متوقف، ويعيش حالة من الخوف والرعب، تمكنت من إيصال مشروعي الى العالمية من خلال "Green Concerto". وبات الناس ينتظرون منشوراتي في لبنان والعالم؛ وبالتالي لم تنل الصفحة إعجاب الجمهور العربي والشرقي فحسب، بل حازت على اهتمام جميع الدول، لأنها تبث الأمل وسط كل السلبية الموجودة.

"Green Concerto" هي إصغاء وتأمل، لأن الانسان الذي لا يصغي لا يتعلم، والذي لا يتأمل لا يحفظ.

- أخبرنا أكثر عن عملك في صناعة الآلات الموسيقية. كيف تقيم وضع العلامة التجارية اليوم؟ وهل تأثرت نسبة المبيعات بالأوضاع الحاصلة على الساحتين الداخلية والعالمية؟

شركتي "Peter Music & More"، التي تمتلك العلامة التجارية "Peter’s"، باتت اليوم ذات توقيع عالمي. فقد وصلت آلاتي الى كل العالم، وعزفت عليها أهم الفرق والمدارس والمعاهد، كما باتت معتمدة في أوركسترات لبنانية وعالمية.

هذا الحلم يكبر معي منذ عمر الست سنوات، فقد عايشت الفن طوال حياتي، ولطالما حافظت على هذا الشغف التي ينمو ويكبر في داخلي.

أما بالنسبة الى الحالة في لبنان، فكان الوضع ممتازا، ولكننا تأثرنا حتما الى حد كبير، بسبب كل ما يحصل، وذلك لأن الموسيقى لا تعتبر سلعة أساسية. لكن الأمل يرافقنا على الدوام، لأن آلات "Peter’s" مميزة، ومصنوعة بحب وبجودة عالية جدا.

- ما هي الصفات التي ساعدتك على التقدم والنجاح وتحقيق حلم الطفولة؟

أولا، الإصرار.

ثانيا، الموهبة التي أعطاني إياها الله.

ثالثا، تغذية الموهبة بالعلم والثقافة لكي لا تموت؛ فقد توجهت نحو العلم والمعرفة، لأن الأشخاص المتعلمين كثر، في حين أن المثقفين قلّة.

- ما هي مشاريعك وتطلعاتك المستقبلية؟

ما حققته الى حد اليوم، ليس سوى نسبة 0.1% من ما هو موجود في قلبي وداخلي.

أنا ساعي خير، وهناك قدرة إلهية تحركني، وتحرك موهبتي، لكي أواصل مسيرتي في العطاء. لأن الانسان بذاته هو كائن ضعيف، ولحظة واحدة من الألم قد تنسيه عمره. إنما عندما يتحلى بالإيمان، سيتخطى كل الصعاب.

شعاري أن خط الدفاع الأهم في الحياة، هو الهجوم، والبحث عن نقطة القوة الموجودة في القلب، والنضال من أجلها. فالحياة بحد ذاتها، تستحق أن يضحي الانسان أمام قناعات، وتحديدا تلك المتعلقة بالموسيقى والفنون، التي تعتبر صوت الله على الأرض، وهي العلاج والدواء والراحة النفسية.

سأستمر في إظهار هذه الموسيقى، ووضعها في متناول الناس من خلال طلابي، محاضراتي، ابتكاراتي، وكل ما أقوم به. اذ أن همّي الوحيد هو أن يفرح الشخص الموجود أمامي، لأن فرحتي وضحكتي تبدأ بفرحة وضحكة محيطي.

- ما هي النصيحة التي تود إيصالها الى جيل الشباب اللبناني؟

الخوف أوصلنا الى هذه المرحلة، وبالتالي، علينا كسر حاجز هذا الخوف الموجود في داخلنا. ومن هنا، أقول لكل شاب وصبية، ولكل إنسان يتنفس: "هناك كنز كبير في قلوبكم. ابحثوا عنه ونظموا استراتيجية هجوماتكم من خلاله. تعلموا وتثقفوا ولا تخافوا، لأن الخوف هو أكثر ما يدمر الإنسان، ويمنعه من التقدم".

كما أقول لكل شخص: "من خلقك سيدبرك، ولكن عليك أن تشهد أنك واقف الى جانبه، وذلك من خلال العطاء، وعدم الاستسلام. اقرع الأبواب دائما، وتحلى بالإرادة التي تصنع المعجزات".

نحن بشر ضعاف، ولكن بالإيمان والإصرار وكسر حواجز الخوف، سنتمكن من الوصول الى طموحاتنا كافة. من لديه حلم سيحققه مهما طال انتظاره، ولكن عليه الإيمان بقدراته، ولو كانت صغيرة. فالأمور المادية التي يخسرها الإنسان، يمكن أن تعوض في يوم من الأيام، ولكن من يخسر نفسه وروحه، لن يربح شيئا. ما نفع الانسان اذا ربح العالم كله وخسر نفسه؟

لقد كتبت في كتابي "عيون عمري": "لحظات سعادة الجسد، سعادة الروح الى الأبد. ابحث عن سعادة روحك، وعندما تجدها التصق بها، وإلا ستقضي كل حياتك بفراغ وعزلة عن ذاتك".