تعدّ صناعة ​النبيذ​ في ​لبنان​ من الحرف التقليدية الواعدة، والتي تشتهر بها عائلات كثيرة في مختلف المناطق، حتى بات هذا المشروب منافسا قويا وأساسيا للمنتجات الأجنبية المستوردة من الخارج، بسبب جودته، وتنوع إنتاجه، ومذاقه المميز.

أما بالنسبة الى روبير عقيقي، فكانت صناعة النبيذ حرفة متوارثة في عائلته منذ سنوات طويلة. ومن هنا، عمد الى إعادة إحياء تراث أجداده، والحفاظ عليه وضمان استمراريته، فحوّل هوايته الى مشروع تجاري أطلق عليه اسم "Vignoble JOURA".

فلنتعرف أكثر الى هذا المشروع الحرفي، من خلال مقابلة خصّ بها عقيقي موقع "الاقتصاد":

- كيف قررت تأسيس "Vignoble JOURA"؟

يعمل أجدادي في صناعة النبيذ الحلو و​العرق​ والدبس منذ عقدين من الزمن، ولكن في ظل الحكم التركي، تم منعهم من إنتاج ​المشروبات الكحولية​، ولهذا السبب، ركزوا أكثر على إنتاج الدبس. وعندما وصلت شجرة التفاح الى المنطقة، ألغوا كروم العنب في جبل لبنان، واهتموا أكثر بزراعة التفاح والخوخ والدراق، لسرعة إنتاجيتها.

هذا التقليد موجود في عائلتنا منذ فترة طويلة جدا، وقد ورثت شغفي بصناعة النبيذ من أجدادي.

أما بالنسبة الى الانطلاقة، فكنت أعمل كمدير للمبيعات في شركة، حيث بقيت لمدة 28 عاما. إنما لطالما فكرت بتأسيس مصنع صغير لعصر العنب وصنع النبيذ، لكي أمارس هوايتي خلال فترة التقاعد، وأجعل منها مصدرا لزرقي ولقمة عيشي. ولكن بسبب الأوضاع الصعبة في البلاد، وانتشار فيروس "كورونا"، اضطررت الى ترك وظيفتي. ومن هنا، وضعت كامل طاقتي في هذا المشروع، وحولته الى علامة تجارية.

عام 2007، قررت اقتلاع شجر التفاح والخوج من بساتيننا، بهدف زراعة أصناف أوروبية من العنب. وقد دخلت رسميا الى مجال صناعة النبيذ، منذ عام 2014، حين قمت بتغليف الزجاجة الأولى، المصنوعة من عنب المرواح ذات الأصول اللبنانية، والتي كانت موجودة بالأساس في أرضنا وكرومنا.

بين عامي 2015 و2016، بدأت بقطف العنب الأحمر، وقمت بإنتاج أصناف أخرى من النبيذ، وهي الـ"syrah"، والعنب الأسود (pinot noir)، و"ميرلو" (merlot)، والـ"cabernet franc".

- متى بدأت ببيع النبيذ بشكل رسمي؟

إنتاجنا الأول كان بمعدل 200 الى 500 زجاجة، وقد وصلنا في الوقت الحاضر الى صناعة ما بين 2500 و3000 زجاجة؛ حيث أن الإنتاج يتأثر بعوامل عدة، مثل الطقس، والموسم، والقطاف.

نحن نبيع حاليا من منزلنا الموجود في منطقة كفرذبيان، وبالتالي، لا نسوق لمنتجاتنا في السوق اللبناني، كما لا نصدرها الى الخارج.

- من ساعدك على إطلاق هذه العلامة التجارية؟

أنا بالأساس أقوم بالرسم والنحت، وبالتالي، أتمتع بحس فني، ولهذا السبب، خلقت العلامة التجارية "Vignoble JOURA" بنفسي، مع الاستعانة بالطبع بمصمم غرافيكي لتحسين تصاميمي من الناحية التقنية.

كما أنني عملت في مجال المبيعات والتسويق، لسنوات طويلة، واكتسبت خبرة غنية. بالإضافة طبعا الى تخصصي في صناعة النبيذ، من خلال متابعة الدروس عبر الانترنت، في جامعة أسترالية.

- ما هي المنتجات التي تقدمها "Vignoble JOURA" اليوم؟

نحن نعمل حاليا على صناعة ثلاثة أنواع من النبيذ، هي الأحمر، الأبيض، والوردي.

ننتج من عنبة المرواح - ذات الأصول اللبنانية 100%، والتي كانت موجودة تحديدا في جبل لبنان منذ أيام الرومان - نوعين من النبيذ: الأبيض، والأبيض المخمر بقشره (skin contact).

كما ننتج النبيذ الوردي (Rosé)، من العنب الأسود (pinot noir).

أما بالنسبة الى النبيذ الأحمر، فنقدم أربعة أنواع، هي "Syrah"، و"Pinot Noir"، و"Cabernet Franc"، و"Merlot".

ولا بد من الاشارة الى أن نبيذنا عضوي 100%، اذ لا نستخدم في كرومنا المبيدات الحشرية، مبيدات الأعشاب، المواد الكيميائية، أو ​الأسمدة​. أما في مرحلة الصناعة، فنتكل على الخميرة الطبيعية الأصلية الموجودة على قشور العنب، ولا نزيد الخمائر أو الانزيمات، كما لا نستخدم مواد التنقية (clarifying agents)، ولا نضيف الكبريت لحفظ الإنتاج.

- كيف تصف إقبال الناس على منتجات "Vignoble JOURA"؟

بات عدد الأشخاص الذين يزرعون العنب وينتجون منه النبيذ، كبيرا جدا في السوق المحلي. ونحن أيضا نعمل بالطريقة ذاتها، ولا نستعين بحبة واحدة من خارج كرومنا، حيث أن كل إنتاجنا من أرضنا.

لكنني أصنع النبيذ بطريقة مختلفة عن جميع الخمارات الموجودة في لبنان، حيث حصلت "Vignoble JOURA" على شهادات عضوية للزراعة من أوروبا. ومن هنا، لا نزيد على نبيذنا الخمائر أو الكبريت، أو الانزيمات، أو الفيتامينات.

فكل المصنعين الكبار مجبرين على الاستعانة بهذه المواد من أجل حفظ إنتاجهم، ولكن بسبب صغر خمارتنا، نعمل بطريقة طبيعية 100%، وبرقابة عالية. ومن هنا، فإن الإقبال يعتبر جيدا جدا، فالزبائن يحبون نبيذنا، الذي يتيح لهم عيش تجربة جديدة: تجربة الصناعة الحرفية، التي تقدم طعمة جديدة مصنوعة يدويا، ولمسة منزلية دافئة.

- من هم زبائن "Vignoble JOURA"؟

90% من زبائننا هم من بيروت، لكننا وصلنا الى مختلف المناطق اللبنانية، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

- كيف تحدد الأسعار بطريقة عادلة لك وللزبائن أيضا؟

أسعارنا تعتبر عادلة حاليا للزبائن، وغير عادلة نسبيا بالنسبة لنا. ولكن بسبب الأوضاع القائمة، نستطيع القول أن أسعار منتجاتنا مقبولة بالمقارنة مع غيرنا.

نحن نعمل في الوقت الحاضر من أجل الاستمرار، وليس بغية تحقيق الأرباح المادية، وبالتالي، لا نستطيع اتخاذ خطوة التوسع في المستقبل القريب.

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟

كان طموحنا بناء قبو ومخزون من الخمر تحت الأرض، وزيادة عدد الخمارات، واستئجار الأراضي، وزراعة المزيد من الكروم. ولكن في الوقت الحاضر، جمدنا كل الخطط بانتظار ما ستؤول إليه الأمور.

لكن المشروع موجود ولقد قمنا بالدراسات كافة، وهدفنا الوصول في المرحلة المقبلة الى 20 ألف زجاجة. وسنكتفي بهذا العدد، لأن تخطيه سيزيل عنا صفة الحرفيين، ليصبح بعدها مشروعنا تجاري.

- ما هي الصعوبات التي تواجهك خلال العمل؟

من الناحية التقنية، لا نواجه أي صعوبات على الإطلاق، والأمور تسير على أفضل ما يرام.

لكن المشكلة الأساسية تكمن في عدم قدرتنا على استيراد بعض المنتجات من الخارج؛ فعلى سبيل المثال، أجد نفسي مضطرا الى شراء الفلين المستورد، المخصص لإغلاق الزجاجة، وبالتالي، علي تأمين الدولار أو اليورو الـ"fresh". ورغم أن إنتاجنا لبناني 100%، إلا أن الزجاجة، والفلينة، الملصقات و​الطباعة​ والأوراق، والآلات والصيانة والفلاتر، وغيرها من الأمور، ليست من لبنان.

- ماذا تقول للقراء من أجل تشجيعهم على شراء الصناعات اللبنانية؟

بإمكان كل الراغبين في تجربة نبيذ "Vignoble JOURA"، زيارة خمارتي للتعرف الى طريقتي في العمل، وحينها سيتشجعون أكثر على شراء المنتجات المحلية. فنحن نعمل بشكل منظم للغاية ونتبع المعايير الأوروبية.

أتمنى أن تهتم ​الشركات اللبنانية​ الصغيرة بتنظيم عملها، وتتعامل بصدق وشفافية مع الزبائن، لكي تكتسب المزيد من الثقة، وتكوّن قاعدة أكبر من العملاء الأوفياء.

- لم تترك لبنان رغم كل الظروف الصعبة، وقررت إطلاق مشروعك في بلدك وبلدتك. بماذا تنصح جيل الشباب اللبناني من خلال تجربتك المهنية الخاصة؟

ما دفعني الى البقاء في لبنان هو تقدمي في العمر، وتعلقي الكبير ببلدي وأرضي. وبالتالي فإن بقائي مرتبط بأمور عاطفية ووجدانية.

ولكن للأسف، فإن الأوضاع في لبنان هي نفسها منذ أن ولدنا؛ من سرقة، وفوضى، وحروب، وفساد،... وبالتالي، اقتنعت أن الوضع سيبقى على ما هو عليه، وعلينا التأقلم معه ومحاولة تخطيه على الصعيد النفسي، من أجل تحقيق ما نبتغيه.

هذا هو لبنان، ورغم ذلك، أتمنى دائما أن يتحقق التغيير فيه!