يستعد الطلاب الجامعيون لتظاهرة احتجاجية على دولرة الأقساط في الجامعات الخاصة، بعد أن بدأت ادارات هذه الجامعات باحتساب الدولار على أساس 3900 ليرة بدلاً من السعر الرسمي 1515 ليرة.

التظاهرة التي تجري السبت (19 كانون الأول 2020)، تأتي بدعوة من "مدى"، وهي شبكة شبابية طلابية هي هيئة تنسيق بين مختلف النوادي العلمانية في الجامعات ال​لبنان​ية الخاصة، والمجموعات الطلابية المستقلة.

تحركان استباقيان

الشبكة هي تجربة مميزة تحيي تاريخ الحركة الطلابية اللبنانية المستقلة عن الأحزاب السياسية كافة، وخصوصاً الأحزاب الطائفية المهيمنة حالياً على الحياة السياسية اللبنانية. وقد جاء رد هذه الأحزاب سريعاً على نشوء حركة مستقلة ترفع المطالب الطلابية المحقة،فنظمت كل من ​حركة أمل​ والحزب التقدمي الاشتراكي، مسيرتين نحو وزارة التربية ترفع شعار رفض الدولرة.

بطبيعة الحال، يحق لاي حزب ولاي مجموعة طلابية حزبية ان تطالب وان تتحرك في الشارع لنيل مطالبها، ولكن مشكلة التظاهرتين المذكورتين انهما جاءتا من حزبين في السلطة منذ عقود، وهما مسؤولان بالدرجة الاولى عن تدهور الاوضاع المالية في البلد، ووصول طلاب لبنان الى هذه الكارثة الخطيرة المتمثلة بالدولرة. كما ان التظاهرتين تميزتا برفع ​اعلام​ والوان الحزبين المذكورين بشكل فاقع، فبدا وكأنهما رسالة تذكير باننا هنا، وبان الشارع لنا.

الطلاب المستقلون نظموا لقاء حاشدا في الطيونة تلي خلاله" اعلان طلاب لبنان"،وجاء فيه: "طوال المرحلة السابقة ضُربت ​النقابات العمالية​ وجميع الهيئات النقابية التي تمثل مصالح الأكثرية الساحقة من شعبنا. وكان ضرب العمل النقابي الطلابي، والهيمنة التي نجحت أحزاب السلطة في فرضها على الهيئات التمثيلية الطلابية، بمثابة الكارثة. الطلاب، بما يمثلونه من زخم وروح نقدية وأمل في المستقبل، شُطبوا من المعادلة، وهذا كان يعني أن المجتمع اللبناني تعرض لاغتيال وعيه وتهميش طاقاته المستقبلية".

تاريخ معاصر

التحرك الطلابي المستقل يأتي بعد ​انتخابات​ جرت في ​الجامعة الاميركية​ في بيروت، وجامعة القديس يوسف (اليسوعية ) وجامعة سيدة اللويزة، وحقق فيها المستقلون فوزا كاسحا على جميع الاحزاب، وتستعد شبكة "مدى" المستقلة الى تشكيل هيئات للطلاب المستقلين في سائر الجامعات الخاصة، وفي ​الجامعة اللبنانية​ ايضا.وهذه التجربة اذا نجحت ستعيد احياء الحركة الطلابية على حقيقتها،والتي عرفها لبنان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، فكانت لها نشاطاتها المميزة وتحركاتها التي احدثت ثورة في الوعي اللبناني عموما.

مع الحرب الاهلية عام 1975 انهارت الحركة الطلابية، وتشرذم الطلاب في الاحزاب المتحاربة،وبعد نهاية الحرب عام 1990 عجز هؤلاء عن اعادة تشكيل حركتهم المستقلة. واقتصرت التحركات الطالبية على مطالب سياسية، وخصوصا رفض الوصاية السورية، ولكن الشأن النقابي الخاص بالطلاب وهمومهم ظل مغيبا، ساهم في تغييبه القمع السوري وسلطة امراء الحرب والمال الحاكمة بقوة الوصي السوري، وبقوة التحريض الطائفي والمذهبي.

يضيف "اعلان طلاب لبنان" : "منذ إنتهاء الحرب الأهليّة، لم يتعامل النظام السياسي مع طالبات وطلاب لبنان إلا بوصفهم مشاريع ​هجرة​ جماعيّة. فالإقتصاد الريعي لم يترك لهذه الفئة فرص للعمل بعد التخرّج، والدولة اللبنانيّة أهملت، بل وقامت بتدمير، التعليم الرسمي والجامعة اللبنانيّة من جميع النواحي، فيما تُركت إدارات الجامعات الخاصّة لتدير شؤونها دون أي تدخّل أو رقابة من قبل الدولة. ببساطة، أصبح التعليم في بلادنا سلعة تُباع وتشترى، بدل أن يكون حقا مكرّسا ومكفولا لكل إنسان".

الطلاب والثورة

ما يجري اليوم من نمو واعادة تأسيس للحركة الطلابية المستقلة بدأ قبل 10 سنوات بتأسيس النادي العلماني في الجامعة الاميركية في بيروت، وقد دأب النادي على تنظيم مسيرة سنوية ترفع مطلب الغاء النظام الطائفي، وبناء الدولة المدنية العلمانية الليبرالية. وقد ظهرت نتائج تراكم نضال هذا النادي بان امتدت تجربته الى جامعات أخرى، والنجاح الانتخابي الاخير الذي تحقق.

لا شك ان ثوة 17 تشرين التي شارك فيها الطلاب بفعالية كبيرة الهبت حماس ​الشباب​ ومختلف الشرائح الاجتماعية اللبنانية، ولكنها شجعت بشكل خاص طلاب لبنان على تجذير حركتهم ودفعها الى مستويات اعلى من التنسيق. وبعد انحسار مد 17 تشرين، وفشله في اسقاط النظام الطائفي، جاء دور الطلاب لرد الجميل لثوار الشارع، بان يحيوا هم هذه الثورة ولكن هذه المرة على اساس واع ومنظم. فلطالما كانت الحركات الطلابية في العالم هي ملهمة الثورات.

تاريخ الحركة الطلابية

يقول الدكتور نزار يونس،وهو احد المؤسسين الرئيسيين للحركة الطلابية اللبنانية الموحدة:"في عام 1960، توافقت قيادات الحركة الطلابية على توحيد صفوفها في ​كيان​ واحد، وأُنتخبتُ رئيساً للمكتب التنفيذي الأول للإتحاد الوطني للطلاب الجامعيين.

لم يكن عدد الطلاب حينذاك – في الجامعات الأربع القائمة وفي الكليات الجامعية الملحقة- ليتعدى الثمانية آلاف. الأقساط الجامعية كانت معتدلة ومستوى التعليم كان مقبولاً، وإن بقي دون الطموحات. في البداية سعينا لتوحيد الحركة الطالبية حول القضايا المطلبية المرتبطة بقضايا التعليم وبالجامعة، ولكن سرعان ما تحولت أهدافُنا وتطلعاتُنا، إلى تصدر حراك المجتمع المدني دعماً للقضايا الوطنية والإجتماعية.

في تلك الحقبة التأسيسية، برزت تنظيمات تولت قيادة الحراك الاجتماعي للتغيير الديمقراطي، الذي كاد أن يطيح بنظام ​المحاصصة​ وبالمواقع السياسية الطائفية النافذة المحكومة بلعبة التوافق والتصارع معاً. أعني بذلك التوافق على تقاسم الوطن أوطاناً بين الطوائف والقبائل، والصراع بين المواقع النافذة في الطوائف على حجم الحصص وعلى المغانم والمكاسب المغتصبة من الحيّز العام."(نهاية الاقتباس).

في العام 2017 عقد ملتقى التأثير المدني ​ندوة​ حول الواقع الطلابي في لبنان،وتحدث الدكتور يونس،واستهل كلمته بالقول:"لن نثور لنتبع سياسياً محترفاً يستغلنا ويغدر بنا، او لنؤيد فكرة تقسّمنا وتفرقنا. كذلك لن نعالج مظهراً فرداً لمأساة شاملة نعيشها ودوامة يكاد يجرفنا تيارها ويغرقنا...

فالتعليم في لبنان ما عاد يلائم روح العصر الذي نعيش،وما عاد يجاري التقدم في وطن ما أراده أبناؤه الا نبراسا ونورا وهداية...

أما الدولة فهي غافلة متناسية ان العلم حق مقدس يجب ان يؤمن للجميع وأن لا معنى لعدالة اجتماعية لا يؤمن بظلها هذا الحق. فالاقساط المدرسية تجعل من مناهل المعرفة دكاكين أو ​مخازن​، يباع فيها لمن أكثر العرض وأجزل، ويُحرم منها من حُرم المال... ولم يُحرم ذكاءً او كفاءة."

مفاجاة الحاضرين كانت كبيرة عندما اوضح يونس ان هذه الفقرة الافتتاحية لخطابه،كتبت قبل 55 سنة، وتحديدا في خطاب افتتاح مؤتمر تاريخي للإتحاد الوطني للطلاب الجامعيين عقد في بيروت ما بين 27 و29 كانون الأول من عام 1961.

لو قيض للطلاب المستقلين اليوم عقد مؤتمر يوحدهم مع زملائهم في كل الجامعات اللبنانية لصحت الفقرة نفسها، شعارا لوحدتهم. فالنظام الطائفي هو عدو التقدم، وهو المسؤول عن التخلف المقيم عندنا، بحيث يتكرر خطاب التغيير نفسه، عقدا بعد عقد. وها هو النظام اياه اليوم اوصل البلد الى حافة الانهيار، وهو يحتاج الى تدخل دولي لانقاذه من الزوال. الا ان هذا التدخل قد لايحصل، وقد شاهدنا كيف تعاملت الطبقة السياسية، ولا تزال، مع المبادرة الفرنسية.واذ تعجز هذه الطبقة على تفاهم الحد الادنى، اي تشكيل حكومة، فانها تثبت مرة جديدة انها العائق الاول لقيامة لبنان.

نهضة جديدة

العمل النقابي الطلابي اليوم مطلوب بقوة، واذا كانت مجموعة صغيرة في بعض الجامعات الخاصة قد اطلقت النفير فينبغي على كل طلاب لبنان تلبية النداء، وخصوصا طلاب الجامعة اللبنانية، لانها الجامعة الاساس، وهي تحتضن اكثرية شباب لبنان، من مختلف الشراح والطبقات الاجتماعية.

هذا التحرك الطلابي الجديد مطالب بالتركيز اولا على حقوق الطلاب وحاجاتهم،وعلى الدفاع عن حق التعليم للجميع، وعلى توحيد الطلاب، وانهاء التشرذم الطائفي والمذهبي، نحو الذهاب الى تأسيس الحركة الطلابية الموحدة. لتنطلق لاحقا في معركة التغيير الكبير الذي يسقط النظام الطائفي ويؤسس لنظام جديد.

رفع طلاب لبنان في اعلانهم ثلاثة اهداف اعتبروها ردا طبيعيا على المخاطر الداهمة التي يواجهها كل طالب على مستوى لبنان اليوم. والاهداف هي:

1-فرض تدخّل وزارة التربية والتعليم العالي، لإجبار إدارات الجامعات الخاصّة على التراجع عن قرارات دولرة الأقساط، على أن يتم تجميد أي زيادة خلال الفصل القادم بإنتظار التفاوض جماعيّاً بين الطلاب والإدارات وإتخاذ القرار المناسب في ضوء حاجة الجامعات الفعليّة فقط.

2- بدء العمل على تشريع مناسب في المجلس النيابي، لفرض مبدأ العقد الطلابي في جميع جامعات لبنان. مع العلم أن هذا العقد يُفترض أن يوقّع بين إدارة الجامعة والطالب أو الطالبه عند دخولهم إلى الجامعة، على أن يحدد العقد نسبة الزيادة القصوى المتوقعة في الأقساط، بالإضافة إلى حقوق الطالب وحرياته في العمل النقابي داخل الجامعة، وحقة في الإدارة التشاركيّة التي تضمن مشاركته في إتخاذ القرارات الحساسة والمصيريّة على مستوى الجامعة.

3-وضع رؤية متكاملة للنهوض بالجامعة اللبنانيّة، خصوصاً في ظل التقديرات التي تتوقّع زيادة هائلة في أعداد طلابها بالتوازي مع الإنهيار المالي والإقتصادي الحاصل اليوم. على أن تشمل هذه الرؤية تأكيد استقلاليتها واخراج هيئتها التعليمية من نظام المحاصصة المدمر، وتعزيز ميزانياتها وإعطائها الموارد الماليّة الكفيلة بتحقيق جميع حاجاتها الأساسيّة، من دون أي نقصان ومن دون أن يتأثّر واقع الجامعة بأي سياسات تقشّفية. كما ينبغي أن تحقق هذه الرؤية إستقلاليّة الجامعة الإداريّة، بالتوازي مع إجراء الإنتخابات الطلابيّة ليكون الطلاب والطالبات شركاء في القرارات الحساسة والأساسيّة من خلال المجالس المنتخبَة.