لاشك ان ​القطاع المصرفي​ في لبنان سيبقى في قلب ​العاصفة​. فهو بين سندان الالتزام بالمؤونات المطلوبة منه وفقاً للمعايير المحاسبية الدولية ومطرقة تنفيذ القرارات العشوائية السياسية، التي تمعن في القضاء على آخر وديعة مصرفية.

فزمن الرفاهية والتوسّع والارباح الطائلة مكث في تاريخه بالأمس القريب دون ان يضمن لكل المنضويين فيه حق البقاء في السوق في المستقبل، مستعيداً ثقة العملاء والمباركة الدولية التي تبقى صمام امان.

من الطبيعي ان لا تكون ​المصارف​ اليوم في وارد ضخّ أموالها في المجهول. وهي تراقب متريّثة اي زيادة لرساميلها لدى ​مصرف لبنان​ أو إعادة تكوين حساباتها لدى البنوك المراسلة. فإنها تربط ذلك بنجاح السلطة السياسية في تشكيل حكومة قادرة فعلياً على الانقاذ، وعلى إشراكها في خطوات عملية تزيل القيود عن تداولاتها والأهم الخناق الذي تمارسه على المودعين.

ما هو مصير تطبيق تعاميم المصرف المركزي بإعادة تكوين المصارف التزاماتها، وزيادة رساميلها بنسبة 20 %، وإعادة الاموال المحوّلة بنسبة 15 الى 30%، واعادة تكوين نسبة 3% في حساباتها لدى المصارف المراسلة؟

ما هو حجم ​التحويلات​ ؟ وما هي المخاوف لدى المصارف؟

ما هي معوقات إعادة تكوين نسبة 3% من الحسابات لدى المصارف المراسلة؟

هل سيشهد العام 2021 خروج مصارف من السوق؟

هناك عتب كبير الى حد الاتهام ان القطاع المصرفي استمرَّ بضخّ اموال المودعين لمصرف لبنان مستفيداً من الفوائد المرتفعة . متى سيتم الافراج عن اموال المودعين ولاسيما منها التي هي ب​الدولار​ من قبل المصارف؟

هل نحن بانتظار المزيد من القيود على السحوبات والتحاويل المصرفية في ضوء التعقيدات السياسية المتلاحقة وتجميد المفاوضات مع ​صندوق النقد​ خلال العام 2021؟

الصبّاح

برأي امين الصندوق في جمعية المصارف في لبنان تنال الصّباح انه من المفترض ان تكون اكثرية المصارف قد التزمت بتعميم مصرف لبنان القاضي بزيادة رساميلها بنسبة 20% مع نهاية العام الجاري.

اما في ما يتعلق بتعميم ضرورة اعادة تكوين نسبة 3% في حساباتها لدى المصارف المراسلة فإن موعد الاستحقاق هو نهاية شباط 2021. ولا يخفي الصباح قلق القطاع من هذا الإجراء، سيما وان هناك صعوبات في تأمين هذه المداخيل، وفي جلب الاموال الجديدة Fresh Money، وفي البحث عن الوسائل المتاحة لشراء العملة الصعبة.

وفي مسألة إعادة الاموال المحوّلة بنسبة ما بين 15 الى 30% فإن الموضوع طويل. المصارف التزمت بواجباتها، ووجهّت الكتب المناسبة الى كل العملاء. ولكن لغاية تاريخه، لا نستطيع تقويم مدى التجاوب، خصوصاً ان هذا الموضوع لا يخرج عن نطاق ​السرية المصرفية​ والأمور التي يحترم خصوصيتها القطاع المصرفي، وفق ما يقول الصبّاح "للاقتصاد".

ويتابع: لا استطيع تأييد ما قرأناه في وسائل الاعلام من ارقام حول هذا الموضوع، ولكن ما استطيع قوله ان التجاوب ليس معدوماً رغم الصعوبة في الوصول الى النتيجة المرجوة.

فهذا خيار مرتبط بقناعة وحرية كل فرد توجّه الى الخارج بودائعه.

وعن التوقعّات حول خروج مصارف من السوق خلال العام 2021، يقول الصبّاح: نسمع تهديدات من مختلف الجهات السياسية والاقتصادية والاعلامية. ولكن، لا ننسى ان المصارف خرجت من ازمات اقتصادية متتالية عصفت بلبنان علماً ان ما نعيشه اليوم هو ازمة مميتة.

وليس مستغرباً خروج بعض المصارف من السوق إسوة بخروج شركات تجارية وتأمين وغيرها... تحت وطأة الضغوطات والمشاكل المتواصلة. الأزمة كبيرة ولا نستطيع بالتالي تقدير حجمها. ربما تعودّنا في لبنان على التعايش مع الازمات دون التمكّن من تقدير حجم الخسائر الناتجة عنها.

ويرى الصباح ان إفراج المصارف عن اموال المودعين مرتبط بقيام الدولة القوية القادرة على تنظيم أمورها وإدارة شؤونها. لابل عندما تسدّد الدولة ديونها الى مصرف لبنان والمصارف. وليس طبعاً، في ظل الفوضى العارمة المسيّطرة اليوم.

ورغم ان حجم التحويلات الى المصارف لم يكن بالمستوى المطلوب هذا العام، يكشف الصّباح الى انه يناهز الـ4 مليارات دولار، لافتاً الى وجود عقبات من اجل تأمين ​العملات​ الصعبة وخصوصا منها الدولار الطالبي ، بعد طلب "المركزي " من المصارف استلام طلبات التحاويل من ذوي الطلاب اللبنانيين وتنفيذها وفقاً لأحكام القانون رقم 193 ولأحكام النصوص التنظيمية التي يصدرها مصرف لبنان في هذا الخصوص، على أن يتم تأمين العملات الأجنبية من حساباتها لدى مراسليها في الخارج. وأشار الى ان المصارف مضطرة اليوم الى شرائها من السوق.

ورداً على الاتهامات الموجهّة الى المصارف حول استحواذها على اموال المودعين عن طريق الفوائد المرتفعة التي اعتمدتها في السابق، يقول الصّباح: ​الدولة اللبنانية​ مديونة وبحاجة الى ​دولارات​. واي فرد يملك وديعة كان من الطبيعي ان يعمل على توظيفها في مصارف لبنان، وبالتالي، فإن المادة 91 من قانون النقد والتسليف تلزم مصرف لبنان على ​إقراض​ الدولة ، خصوصاً في الحالة التي يثبت فيها انه لا يوجد اي حلّ آخر.

اليوم، فرضت الحكومة على مصرف لبنان تمويل الدعم المطبّق على ​السلع الغذائية​ و​الادوية​ وغيرها... معتمدة سياسات شعبوية، دون الأخذ بعين الاعتبار بأن الاموال المستعملة تعود للمودعين في المصارف وليست ملحوظة في نفقات ​الموازنة العامة​ كما من المفترض ان تكون. للأسف، لا يوجد موازنة في الدولة. وحتى رواتب القطاع العام تتحملها المصارف. هذه هي معاناة مصرف لبنان  مع الدولة.

وأخيراً، يربط الصبّاح استعادة الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني بوجود دولة قوية ، يثق بها ابناءها.

الثقة تعيد الأموال

الثقة كلمة صغيرة قليلة الحروف، ولكن تحمل المضمون الأكبر.

في الشهر الاخير من العام 2020، لا يبدو ان السلطة السياسية مهتمة بانتزاع الثقة الدولية بها فكيف سيتمكّن القطاع المصرفي بدوره من استعادة الثقة من قبل المودعين في 2021؟

صحيح ان المصارف اخطأت في تسليف الدولة، ولكن التمعّن في جلدها سيزيد الأمور سوءاً بعد التزام حالة النكران لما حققته للاقتصاد الوطني. يضاف الى ذلك، ان هاجس المواطن يبقى في حصوله على جنى عمره اليوم وليس في الغد المنظور، اي "أكل العنب وليس قتل الناطور ".