بانتظار قرارات لجنة ترشيد الدّعم الأسبوع المقبل، تبدع السلطة السياسية بآليات النصب على المواطن اللبناني، عبر تمهيدها لرفع الدّعم عن السلع الأساسية أو "ترشيدها" بالوقت الحالي - كما يحلو لهم تسميتها- مستعينة بحيتان مال جشعين يتاجرون بانسانيتهم لتكديس ثرواتهم وبمصارف حاكمها "​رياض سلامة​".

خَلّاقة هي دولتنا بتدجين المواطن، وتمهيده تدريجياً لتقبل ما آلت إليه الأوضاع. فبدعة رفع الدّعم عن ال​طحين​ غير المدعوم أساساً إلا للخبز العربي مسرحية لرفع سعر "المنقوشة" القوت اليومي للعامل الفقير!

من ينهب الطحين المدعوم؟ وكيف ستكون تبعات قرارات ترشيد الدّعم على المواطن؟ هذه الأسئلة وغيرها أجاب عنها رئيس جمعية ​المستهلك​ في لبنان د. زهير برو في مقابلة خاصّة مع"الاقتصاد".

ترشيد أو رفع الدّعم هاجس كل مواطن لبناني الآن، ما هي آخر التطورات حول هذا الملف؟

"لا أحد يطرح رفع الدعم، ما يطرح عبارة عن "خلطة" من الدعم القديم، أي البقاء على دعم ​التجار​ مع تخفيض نسبة معينة من عدد السلع المدعومة، إذ يجري الحديث عن 50 سلعة بدلاً من 300، لكن على نفس النهج والآلية السّابقة، وبالتالي المشكلة ذاتها حتى وإن كانت بمقاربة جديدة، أي دعم العائلات الفقيرة (تقريباً 400 ألف عائلة) بمبلغ 600 ألف ليرة للعائلة الواحدة، وهذه بالنسبة لنا مقاربة خاطئة أيضاً ومغلوطة.

لذلك يجب البناء على دراسة تحسب عدد أفراد الأُسرة وفقاً لوضعها وإنتاجها شهرياً، ومنها السكن وعناصر أخرى كوجود مرضى. ونحن بانتظار اجتماع اللجان المتخصصة التي يفترض أن تتخذ بعد أسبوع قرارها بعد دراسة الملف."

الكثير من الجدل شهدتها أولى خطوات رفع الدّعم والتي بدأت بالطّحين.. ما أسباب ذلك؟

"أكبر عملية نصب واحتيال حذرنا منها منذ 20 عاماً وبشكل دائم، بأن الطحين المدعوم للخبز العربي حصراً يُستخدم للحلويات والكعك والمعجنات.. وكانت الأفران تكذب وتقول غير صحيح. الآن يثبت لنا التجار والأفران أن ما قلناه صحيح، لماذا كل هذا الكلام عن رفع الدعم وهو أساساً غير مدعوم؟ كل ذلك تكملة لعملية النصب والاحتيال.

في الحالتين هناك كذب واحتيال: لنفترض أن أصحاب الأفران لا يستخدمون الطحين المدعوم للحلويات والمعجنات، لماذا إذاً يروجون لفكرة ارتفاع الأسعار!؟

وفي الحالة الثانية، إن كانوا يستخدمون الطحين المدعوم، إذاً كانوا يستغلون أموال الناس والخزينة ويجب محاسبتهم على هذا الشيء.

أين القضاء لمطالبتهم بالـ 20 عاماً لاستغلالهم الدعم على طحين ​الخبز​ الأبيض لاستعمالات أخرى، نحن في بلد النصب والاحتيال. وما قلته يشير إلى حجم العصابات والمافيات المسيطرة على البلد."

أسعار المواد الغذائية​ أساساً مرتفعة، لكن هناك حديث عن عدم ارتفاعها فوراً بعد ترشيد الدعم، ما تعليقك؟

"الحديث عن عدم ارتفاع الأسعار هو وهم، وهذا الارتفاع غير مرتبط بترشيد الدعم أو برفع الدعم. أبسط مثال على ذلك ارتفاع أسعار الخضار و​الفواكه​ المنتجة محلياً، هناك بعض العناصر المستوردة من الخارج كمواد الرش والسماد، رغم ذلك ارتفعت الأسعار بطريقة جنونية غير مسبوقة، كيلو البندورة بـ 8000 ليرة !؟ هذا يعني أن كل شيء يسير بذات الاتجاه إن رفع الدعم أم لم يرفع، وهذا كله مرتبط بسعر صرف ​الدولار​ في ظل الأزمة وعدم ثقة الناس بدولتهم."

ماذا ينتظر المواطن في ظل هذا التخبط بين "رفع" و"ترشيد" الدّعم؟

"حالياً السلطة هدفها الترويج تدريجياً للكوارث التي ستحصل، لا يستطيعون أن يقولوا مثلاً سيصبح الدولار بـ 20 و30 ألف ليرة بعد مدة من الزمن، يبدأون تدريجياً بذلك ويقولون سنبقي الدعم على 3900، ثم يدعون المواطن إلى الإنتظار! هدفهم الاستيلاء على ما تبقى من ودائع ودولارات ومن ثم التحكم بارتفاع الليرة وبالتالي التحكم بإدارة البلد وتأسيس ثروات جديدة ويختفي ما تبقى من طبقة وسطى.

الطبقة السياسية ذاتها ورثة الحرب مسيطرة على الاقتصاد بالتعاون مع ​المصارف​ والتجار الكبار، ويشكّلون بذلك حلفاً ثلاثياً، وأحزاب الطوائف تعرف كيف تدجن المواطن اللبناني، ولم تظهر قوى معارضة فعلية على الأرض بل ارتفعت نسبة الهجرة كما حصل خلال الحرب الأهلية."

ما هي الخطوات التي ستقوم بها جمعية حماية المستهلك مع المعنيين لوقف التدهور الحاصل؟

"الحلف الثلاثي الذي تحدثت عنه قبل قليل هدفه الآن اللاحل، إذ لا يريدون حلاً للمسألة المالية.

لدينا معلومات الآن أن المصارف عززت وضعها خلال هذه السنة وتخلصت من جزء لا بأس به من الودائع تقدر بأكثر من 30 مليار دولار وأصبحت خارج الودائع، والسلطة السياسية أعطتهم الوقت الكافي لذلك.

هم يرفضون أي حل مع "​صندوق النقد الدولي​" الذي بدأنا نترحم عليه بعد أن اتضح لنا أنه أرحم من أحزاب الطوائف والمصارف التي تريد الاستيلاء على ما تبقى.

لذلك أدعو الناس أن تواجه هذه الطبقة السياسية وتطالب بحقوقها، ونحن كـ "جمعية حماية المستهلك" سنبقى على تواصل دائم مع المواطنين والاستماع إلى شكاويهم ومحاولة الضغط على الحكومة لاتخاذ قرارات تصب في مصلحة الناس."