في بلاد الاغتراب كما في لبنان أزمة الطلاب الساعين الى العلم والتقدم ومعاناتهم واحدة وان كانت بشكلين مختلفين. التعليم الجامعي في خطر، والطلاب يواجهون خطرا داهما اسمه الجهل.

الطلاب المغتربون

في الخارج ينتظر الابناء أن يستلموا أموال وتحويلات الأهل من أجل متابعة تحصيلهم العلمي وحياتهم الكريمة، و​المصارف​ ترفض حتى الآن الرضوخ لقانون ​الدولار​ الطالبي الذي أقره ​مجلس النواب​، علما أن الأموال التي ستحول على أساس ​سعر الدولار​ الرسمي، هي من ودائع الأهل في لبنان، وليست منة أو هبة أو شفقة...

المصارف والمركزي

آخر حلقات مسلسل إذلال الطلاب في الخارج وذويهم في لبنان تعميم جديد ل​مصرف لبنان​ يطلب من المصارف استلام طلبات التحاويل من ذوي الطلاب اللبنانيين وتنفيذها وفقاً لأحكام القانون رقم 193 ولأحكام النصوص التنظيمية التي يصدرها مصرف لبنان في هذا الخصوص على أن يتم تأمين العملات الأجنبية من حساباتها لدى مراسليها في الخارج.

المصارف ترد بالتذرع بأنها تحتاج الى الدولارات من مصرف لبنان، وهو غير قادر على تأمينها. وهذا يعني بكل بساطة أن المصارف تتمرد على البنك المركزي وتخالف القانون.

دولرة الأقساط

في الداخل بدأت ملامح أزمة خطيرة تبرز بوقة وقد تهدد مستقبل عشرات آلاف الطلاب، اذ أعلنت ​الجامعة الأميركية​ في بيروت نيتها احتساب القسط الجامعي الثاني للعام الدراسي الجاري على أساس دولار المنصة، أي 3900 ليرة بدلا من السعر الرسمي 1515 ليرة. أي أن الزيادة ستكون بنسبة 160%. وعندما تعلن هذه الجامعة قرارا فإن سائر الجامعات الخاصة ستتبعها، وهذا ما حصل عندما اعتمد ​المركز الطبي​ التابع لها سعر دولار – المنصة ، فتبعته المستشفيات الأخرى.

وبالفعل تبلغ ذوي الطلاب في جامعة القديس يوسف (اليسوعية) قرارا مماثلا بحيث ستتضاعف الأقساط مرتين ونصف، وتستعد جامعات أخرى لفعل الامر نفسه وإن بنسب متفاوتة.

وفي السياق نفسه، تبلّغ طلّاب الجامعة اللبنانيّة الأميركية "LAU"، قرار الإدارة بدَولَرة الأقساط كذلك، وذلك "لحماية الجامعة ومعاييرها العالية من التهديدات الوجودية التي تهدّدها". ومع أنّ رسالة الـ"LAU" لم تفصح عن سعر الصرف الذي ستعتمده، إلّا أنّها عدّلت أسعار اعتمادات الطلّاب ليتناسب مع سعر المنصّة 3900 ليرة لبنانية.

لا تعليم للفقراء

الجامعات الخاصة تريد تحميل الطبقات الفقيرة وزر الهندسات المالية وفساد الطبقة السياسية ومصرف لبنان الذي أدى الى تراجع احتياطياته وضياع ودائع اللبنانيين. وكل ذلك بذريعة أن الكثير من مصاريف الجامعات بالعملة الصعبة.

وكانت رابطة جامعات لبنان، مهدت في اجتماع عقدته في 20 تشرين الثاني الماضي، لهذه الخطوة بإعلانها أنها "تحترم حرية كل جامعة من الجامعات الأعضاء واستقلالها في درس القرارات الملائمة، من أجل الحفاظ على استمرار المؤسسات التعليمية في التعليم العالي، واثقة بأن الجامعات الأعضاء ستبذل كل ما في وسعها لضمان تخرج الطلاب".

والواقع أن هذه الرابطة لا تمثل الجامعة الأميركية أو أي جامعة أخرى ككل، وإنما تمثل أصحاب الجامعات من دون هيئات الأساتذة والطلاب و​نقابات العمال​ والموظفين.

ثورة الطلاب والأساتذة

وقد رد الطلاب عبر ممثليهم على مزاعم ادارة الجامعة الأميركية بأنها تشاورت مع الحكومة الطالبية حول القرار، بتنظيم عدد من التحركات أمام الجامعة، "رفضاً لسياسات القمع والتهميش الممنهج من الجامعة الأميركية"، معلنين أن تسعير الأقساط على سعر المنصّة 3900 ليرة لبنانية لن يمرّ.

لعل الحكومة الطالبية التي تشاورت معها الإدارة هي الحكومة التي سقطت في الانتخابات الأخيرة، وهي حكومة أحزاب السلطة وتوابعها، في حين الحكومة الجديدة ستعكس نتائج الانتخابات بتولي الطلاب المستقلين والنادي العلماني مسؤوليتها، الذين سيعقدون مؤتمرا صحافيا يوم السبت 12 كانون الأول الجاري في الطيونة، لاتخاذ الموقف المناسب من مختلف القضايا الطالبية ومنها قضية الأقساط.

كذلك، أعلن اتحاد أساتذة الجامعة الأميركية في بيروت رفضهم على هذا القرار "الذي يضرب هدف الجامعة المتمثل بتعليم الطلاب من مختلف الطبقات الاجتماعية وعدم اعطاء استثناءات".

وينتظر أن تمتد الحركة الاعتراضية للأساتذة الى مختلف الجامعات.

أزمة شاملة

بطبيعة الحال، لا يمكن فصل هذا الملف سائر الملفات فكلها تشكل أزمة وطنية كبيرة تتمثل في إفلاس الدولة وعجزها عن تثبيت سعر الصرف للدولار وغيره، ولذلك، فإن المعالجة لا يمكن أن تكون مجزأة، فالحل يبدأ بإعادة التوازن الى المالية العامة باجرءات سياسية حازمة تفرض على كل الذين استفادوا من الفوضى السابقة، سواء عبر الهندسات المالية، أو الفوائد المضخمة لكبار المودعين، أو الاعفاءات غير المبررة، أو التنفيعات والهدر و​الفساد​.

لا يكفي أن يعمم مصرف لبنان متمنيا على البنوك لزيادة رأسمالها باستعادة أمول من الخارج، اذ ينبغي فرض ذلك بقوة القانون. ولا يكفي النواب أن يتغنوا باقرار قانون استعادة ​الأموال المنهوبة​، اذ ينبغي أن يطبق ممثلوهم في الحكومة هذا القانون... وغيرها كثير من الأمثلة.

أما بالنسبة للجامعات، فيجدر بوزارة التربية والتعليم العالي أن تتدخل لتفرض ​رقابة​ صارمة على موازناتها وعلى ماليتها لمعرفة حقيقة الوضع قبل اتخاذ القرار بتحميل الطلاب وغالبيتهم أصبحوا من الطبقات الفقيرة وزر الأزمة.

ما ينبغي التدقيق به حقيقة مصاريف الجامعات وهل هي كلها بالعملات الصعبة، وهذا غير صحيح، لأن رواتب الأساتذة والموظفين والعمال فيها لا تزال بالليرة. لذا ينبغي التدقيق بالنسب الفعلية لتوزع التكاليف بين الليرة والدولار، وعلى هذا الأساس، يمكن تحديد نسبة الزيادة المطلوبة على الأقساط. أما أن يتحول القسط كله الى الدولار، فهذا غير مقبول.

ومن جهة ثانية، تعلن الجامعات أنها ستفرض على بعض الطلاب الدفع بالدولار، لأنهم يقدرون، إما بسبب أنهم أثرياء، وإما أنهم طلاب أجانب يتلقون تمويلهم من الخارج. وهذا أمر جيد لإدخال "fresh ​money​" الى البلد، وفيه نوع من العدالة الاجتماعية، ولكن السؤال يبقى حول من يراقب كم ستؤمن هذه الدولارات الطازجة من نسبة في ​موازنة​ الجامعة.

في كل الأحوال، القانون اللبناني يحظر التسعير بالعملات الاجنبية ويعرض مخالفيه للعقوبات، ويتوجب على الجامعات الخاصة، كما على كل الشركات والمؤسسات التجارية التسعير بالليرة اللبنانية فقط. أم أن لمافيا الجامعات الخاصة حماية سياسية تجنبها المساءلة و​المحاسبة​، تماما كما تتوفر الحماية السياسية لسائر المافيات في قطاعات حيوية مثل الغذاء والدواء و​المحروقات​... الخ؟