تنطلق مساء اليوم (الأربعاء) في الإليزيه أعمال مؤتمر الدعم الدولي الثاني، الذي دعت إليه ​فرنسا​، للبحث في سبل تقديم مساعدات إنسانية للبنان، عبر تقنية "الفيديو"، وذلك بعد أربعة أشهر من إنعقاد المؤتمر الأول في التاسع من آب الماضي، الذي أتى بعد إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب، حيث رُصد للبنان مساعدات طارئة قُدرت بـ252.7 مليون يورو، بينها 30 مليون يورو من جانب فرنسا.

يهدف المؤتمرالذي يُعقد بالتعاون مع الأمم المتحدة، إلى جذب أرفع تمثيل ممكن، بهدف الحصول على أكبر كمية من ​المساعدات​.

وقد ​علم​ موقع "الإقتصاد" أن حوالي ثلاثين شخصية، قد تمت دعوتهم للمشاركة في هذا المؤتمر، بينهم رؤساء دول وحكومات، ووزراء، ومؤسسات دولية، ومنظمات غير حكومية.

وسيتولى ​الرئيس الفرنسي​ إيمانويل ماكرون، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رئاسة المؤتمر. ومن المتوقع أن يحصل لبنان على مساعدات ربما تتجاوز قيمتها ما تم رصده في المؤتمر الأول.

ولكن السؤال الأهم يبقى، هل سيستفيد ​الإقتصاد اللبناني​ من هذه المساعدات؟

كما بات معلومًا أن هذه المساعدات لن تمرّ عبر مؤسسات الدولة، نظرًا لعدم ثقة ​المجتمع الدولي​ بها. إنما ستتولى الجمعيات والمنظمات الأهلية توزيعها، بإشراف الأمم المتحدة. لكن بطبيعة الحال لن تُشكل جرعة دعم للإقتصاد المنهك أساسًا، كون هذه المساعدات ستكون عينية، وبالتالي لن يستطيع الإقتصاد اللبناني الإستفادة منها.

لكن المساعدة الأهم الذي ينتظرها لبنانتكمن في الداخل، وتحديدًا من الطبقة السياسية، من خلال الإفراج تشكيل حكومة متجانسة ومتحررة من القيود الطائفية والمذهبية والمناطقية، قادرة على وقف مسلسل الإنهيار، الذي بات يهدد الوجود اللبناني، وهذا ما حذر منه سابقًا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.

إذًا، رغم محاولات الأفرقاء السياسيين، إجهاض المبادرة الفرنسية الداعية إلى تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات والنهوض مجددًا بالبلاد، يُصرّ الرئيس إيمانويل ماكرون على إنجاح مبادرته، التي كان قد أعلن عنها إبان زيارته إلى لبنان في آب الماضي بعد إنفجار المرفأ.

مصادر متابعة لهذا الملف أكدت لـ"الإقتصاد" أن "الرئيس الفرنسي، يأمل من الأفرقاء السياسيين العمل على تشكيل حكومة قبل نهاية العام الجاري، بمهمة ​إنقاذ​ محددة".

تضيف: " تدرك فرنسا أن المماطلة التي تحدث اليوم في الملف الحكومي، بدأت تنعكس سلبًا على لبنان، إن لجهة الثقة الداخلية والخارجية بإمكانية النهوض مجددًا من هذه الكبوة، أم لجهة ​الوضع المالي​ المتأزم، خصوصًا وأن احتياطي ​مصرف لبنان​، لم يعد يكفي للإستمرار بعملية الدعم. لذلك يحث الرئيس الفرنسي المجتمع الدولي على مساعدة لبنان بهذه المرحلة.هو الذي وعد الشعب اللبناني بالوقوف إلى جانبه خلال زيارته الأولى والثانية إلى لبنان، ومؤتمر اليوم هو خير دليل على ​صدق​ الرئيس ماكرون. إلا أن المشكلة تكمن في الطبقة الحاكمة، التي يجب أن تدرك أن المبادرة الفرنسية التي لا تزال قائمة حتى اليوم لن تستمر إلى الأبد، وأن فرنسا لن تبقي أبوابها مفتوحة إلى أجل غير مسمة. فربما تتغير المعطيات الدولية، خصوصًا وأن العديد من الأوراق سيُعاد خلطها مع الرئاسة الاميركية الجديدة، وربما لن تكون هذه الأوراق في مصلحة لبنان. لذلك على جميع الأفرقاء، تدارك هذا الموضوع جيدًا قبل فوات الأوان، لعل هذه الفرصة هي الأخيرة لإنقاذ الوضع من الإنهيار التام".

إذًا،لبنان اليوم أمام إختبار جديد وربما يكون الأخير، لذلك لابد من إستغلال هذه الفرصة التي ربما لن تتكرر في ظلّ التغيرات التي قد تحصل في المنطقة وفي العالم. فخطة الإنقاذ تبدأ مع تشكيل حكومة مصغرة ومتجانسة بأسرع وقت ممكن، وبصلاحيات إستثنائية تكسب من خلالها ثقة الداخل والخارج، تكون مهمتها إيقاف الإنهيار الحاصل، عبر تطبيق الإصلاحات التي سبق وتم الإتفاق عليها في مؤتمر "سيدر"، على رأسها ملف الكهرباء، الذي لم يعد يحتمل أي تأخير. فضلًا عن ضرورة إستكمال المفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​، والذهاب اليه بأرقام دقيقية ومتقف عليها بين البنك المركزي و​وزارة المال​، لأن نجاج مثل هذه المفاوضات، قد يفتح الباب أمام الصناديق الأخرى لمساعدة لبنان.

ولكن الأهم من ذلك كله، يبقى بضرورة العمل على تحسين العلاقات اللبنانية – الخليجية، فلبنان لا يستطيع أن يبقى معزولًا عن محيطه العربي، خصوصًا في هذه المرحلة الدقيقة وهذا ما يجب أن يكون ضمن أولويات الحكومة الجديدة. فحكومات ​الدول العربية​ عمومًا والخليجية خصوصًا وتحديدًا المملكة العربية ​السعودية​ و​الإمارات​ و​الكويت​ وقطر، كانت سندًا للبنان في أحلك الظروف وأصعبها، حيث وفرت حكومات هذه الدول الدعم لاستقراره النقدي، وساهمت في تمويل الكثير من مشاريع البنى التحتية بهبات وبقروض ميسرة، ويمكن القول وبكل موضوعية، بأن هذه المواقف الخليجية تجاه لبنان لم تكن مقابل ارتهان سياسي، بل حرصًا على استقرار لبنان سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وسعيًا إلى الإفادة من مزاياه ومن دوره الإقليمي على الصعد كافة. لذلك، على الحكومة المقبلة التحرك سريعًا من أجل إزالة الغمامة السوداء في هذه العلاقات، ووضع حدًا لهذه الحالة الظرفية التي تجافي مشاعر ​الخليجيين​ تجاه لبنان، والتي هي في الأساس مشاعر محبة وصداقة. وتعيد بالتالي صفو علاقات مع إقليم عربي شكل على مدى العقود الماضية العمق الاقتصادي للبنان، ولعب دورًا كبيرًا في نهوض اقتصاده وتعزيز مداخيل أبنائه. فتحول لبنان، حتى في أصعب الظروف، واحةً للاستثمارات الخليجية، ومقصدًا للسياحة والطبابة والاستشفاء والتعليم.