في الوقت الذي تتخبط فيه ​المصارف​ بأزمات داخلية وخارجية، جاء إعلان حاكم مصرف ​لبنان​ رياض سلامة، عزمه إطلاق عملة رقمية جديدة في السوق اللبنانية العام المقبل، ليُشكل صدمة حقيقية لدى المودعين، الذين بالكاد يستطيعون سحب ودائعهم.

خطوةٌ أثارت قلق معظم الاقتصاديين، خصوصًا وأن هذا المشروع لا يزال حتى الساعة غامضًا. إلا أن سلامة، سبق وأكدّ أن الهدف من إطلاق هذه ​العملة الجديدة​، هو إستعادة الثقة بالقطاع المصرفي، إضافةً إلى تحريك سوق النقد محليًا وخارجيًا، هذا فضلاً عن التحوّل إلى نظام جديد غير نقدي.

ولكن ماهي العملة الرقمية؟

العملة الرقمية (Digital currency) هي نوع من ​العملات​ المتاحة فقط على شكل رقمي، أي ليس لها وجود مادي (مثل الأوراق النقدية والنقود المعدنية). ولها خصائص مماثلة للعملات المادية، وتسمح بالمعاملات الفورية ونقل الملكية بلا حدود.

ليبقى السؤال هل تُعيد هذه الخطوة الثقة المفقودة بالقطاع المصرفي؟

مصادرمتابعة لهذا الملف،استغربت طرح سلامة لمشروع العملة الرقمية في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرُّ بها لبنان. وقالت لـ"الإقتصاد": "على الرغم من أهمية هذه الخطوة، الا أن طرحها بهذا التوقيت يطرح علامات إستفهام عديدة، خصوصًا وأن معظم اللبنانيين، لا يستطيعون سحب ودائعهم".

أضافت:" مشروع كهذا، يحتاج إلى أرضية مالية متينة، وإلى وضع نقدي سليم، إضافةً إلى العنصر الأهم الا وهو الثقة. فكيف ستنجح هذه العملة في ظلّ انعدام هذه العناصر!".

الخوري: لا يمكن حلّ مشكلة الثقة عبر المزيد من التكنولوجيا

من جهته، يعتبر ​الخبير الاقتصادي​ البروفسور ​بيار الخوري​ أن "العملة الرقمية اللبنانية المتوقع إطلاقها خلال العام 2021 لا يزال يكتنفها الكثير من الغموض". ويقول في حديثه لـ"الإقتصاد": "لا أعتقد أن هذه العملة، ستكون كالعملات المشفرة المعروفة اليوم عالميًا مثل البيتكوين وأخواتها. إنما هي استمرارٌ رقمي للنظام المصرفي القائم حاليًا في لبنان. بمعنى، أنها ستقوم هذه العملة بتحويل بعض الخدمات من خدمات مادية الى خدمات الكترونيةأو رقمية".

يضيف: "أعتقد أن هذه العملة ستقوم بحل مشكلة المقاصة التقليدية، عبر تحويلها الى مقاصة الكترونية شاملة بين المصارف. كما ستعمد إلى حل مشكلة الدفع من حساب إلى آخر، والتي كان يجبأن تمر بالمقاصة التقليدية".

يتابع :" سيكون من الممكن وعبر التطبيق الالكتروني الهاتفي المزمع ادخاله، القيام بعملية التحاويل أو الدفع في السوق الداخلي وفي نقاط بيع معينة. ما خلا ذلك، فإن هذه العملةالجديدة لن تضيف أي جديد بالنسبة للخدمات الإلكترونية في السوق اللبناني. كما أن الطرف الثالث سيبقى موجودًا، وأقصد هنا المصارف المحلية والمصرف المركزي، كوسطاء في اي عملية تبادل، وكنتيجة لعدم تأسيس هذه العملة على تقنيه الـ"بلوك تشين" ".

برأي الخوري أنه "وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة، الا أنها ستبقى قاصرة جدًا عن استيعاب تقنيات العملات في العصر الحديث من جهة، كما أنها لن تستطيع الإجابة عن المشكلة الرئيسية الموجودة اليوم في سوق النقد في بيروت والتي يمكن اختصارها بالتالي:

- اولًا عدم حرية تداول العملات في سوق بيروت.

- ثانيًا عدم حرية سحب الودائع الموجودة في المصارف.

يضيف: " لقد حاولت كل من ​فنزويلا​ و​اليمن​ اللجوء إلى إصدار عملة رقمية، وذلك لتجاوز أزمة ​السيولة​ التي كانت تُعاني منها تلك البلاد. لكن نتائج هذه الخطوة كانت كارثية، لأن الناس لم تتقبلها ولم تثق بها. لذلك هناك تخوف من أن يتكرر هذا السيناريو في لبنان، خصوصًا في هذه المرحلة الدقيقة التي نمرُّ بها اليوم. فالحاجة إلى السيولة ستدفع الوحدات الاقتصادية في لحظة ما الى رفض قبول العملة الرقمية، لكون هذه الوحدات سوف تحتاج الى "الكاش" لأسباب عديدة. عندها سيصبح هناك سعر لهذه العملة الرقمية مختلف عن سعر النقد الملموس، تمامًا كما حصل في موضوع الدولار الأمريكي، ودولار بيروت (اللولار)، وكما يحصل اليوم في تداول الشيكات بالليرة اللبنانية و بالدولار الامريكي".

يتابع: "لذلك هناك تخوف كبير من فشل هذه الخطوة وتكرار سيناريو فنزويلا أو اليمن بسبب أزمة الثقة بالقطاع المصرفي الموجودة أصلاً في لبنان، وفي عدم تقبل هذه العملة الجديدة سواء كانت موجودة على كونتوارات المصارف أو في العالم الافتراضي الرقمي. فالأساس هي القدرة الشرائية والتحويلية للودائع الموجودة في المصارف".

يختم الخوري حديثه بالقول: "لو كان لدينا أسرع كمبيوتر في العالم وخدمة الإنترنت ضعيفة فإننا لن نحل مشكلة فعالية الإتصال بالشبكة، هذا ما ينطبق تمامًا على مشروع العملة الرقمية، حيث لا يمكن حلّ مشكلة الثقة بالليرة اللبنانية عبر المزيد من التكنولوجيا، إنما عبر المزيد من السيولة الدولارية وفك حجز الودائع".