كما كان مرتقباً طار ملف التدقيق الجنائي واصبح في خبر كان ، ليس لأنه لم يسلّم الى الشركة المولجة "الفاريز و مارسال" المستندات اللازمة لاصطدامها بقانون ​السرية المصرفية​، بل لأن تلزيم الشركة نفسها لم يتم أصلاً ليستمر.

ولعلّ الجلسة التي عقدت في ​مجلس النواب​ الاسبوع الفائت للبحث في تعديل بعض بنود السرية المصرفية بما يتلاءم مع امكانية تحرّك الشركة وإزالة العراقيل من امامها كانت كفيلة بإنهاء مهمة "الفاريز ومارسال" التي استسهلت إحضار حجة عدم ايداعها المستندات المطلوبة.

وفي المعلومات، فإن الشركة المذكورة لم تكن مقبولة سياسياً. اي ان احداً من الفرقاء السياسيين لم يؤيد تسليمها هذا المشروع.

إفشاء المعلومات!

واستناداً الى خبير مصرفي واكاديمي، فإن المشكلة الأساسية هي في القانون الخاص ب​مصرف لبنان​ و​المصارف​ اي قانون السرية المصرفية الذي يمنع الإفشاء بأي معلومات حول العملاء لديهم.

فالمادة 158 من قانون النقد والتسليف تحظّر حتى على لجنة الرقابة على المصارف الاطلاع على الحسابات التي تتحوّل من المصرف المركزي إلا بشكل مرّمز.

وكذلك الأمر بالنسبة لحسابات المصارف والدولة.

فإن الإلتزام بالمادتين 44 و51 من قانون النقد والتسليف يحول دون الإطلاع على حسابات الغير.

فوفقاً للمادة 44، لمفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان ولمساعده حق الاطلاع على جميع سجلات المصرف المركزي ومستنداته المحاسبية، باستثناء حسابات وملفات الغير الذين تحميهم سرّية المصارف المنشأة بقانون 3 أيلول سنة 1956.

ووفقاً لأحكام المادة 51 من هذا القانون، فقد فرض على كل شخص ينتمي الى المصرف المركزي، بأية صفة كانت، أن يكتم السر المنشأ بقانون 3 أيلول 1956، ويشتمل هذا الموجب على جميع المعلومات وجميع الوقائع التي تتعلق ليس فقط بزبائن المصرف المركزي والمصارف والمؤسسات المالية، وإنما أيضاً بجميع المؤسسات المذكورة نفسها والتي يكون قد اطّلع عليها بانتمائه الى المصرف المركزي. إن المادتين المذكورتين أعلاه، هما من أحكام قانون النقد والتسليف، وتطبيقهما خاضع لرقابة وزارة المالية بحكم القانون ذاته، ولا سيما المادة 42 منه التي فرضت على مفوض الحكومة السهر على تطبيق قانون النقد والتسليف.

كما ان قانون النقد والتسليف الذي يعمل "البنك المركزي" في إطاره يمنحه فعلاً استقلالية مالية كما تقول المادة 13 من قانون النقد والتسليف... هذا القانون الذي يؤكد أن المصرف لا يخضع لقواعد الإدارة وتسيير الأعمال وللرقابات التي تخضع كل لها مؤسسات ​القطاع العام​، ولا تطبّق عليه أحكام ​قانون التجارة​ المتعلقة بالتسجيل في سجل التجارة، ولا يفصل في نزاعاته مع الغير سوى محاكم بيروت.

ولابد من الإشارة الى انه لا يمكن الدمج بين موجودات مصرف لبنان ودين الدولة، لأن هذا يسهّل الطريق امام الدائنين بالاستيلاء على ممتلكات "المركزي" من احتياط ​ذهب​ وغيره...

ويشير الخبير الى ان الشركتين اللتين كانت تدققان في حسابات مصرف لبنان و هما "Deloitte" و"Ernest & Young" لم يكن على اطلاع بالأسماء.

ولكن مع بروز اي مشكلة كان يمكن اللجوء الى طلب رفع السرية المصرفية، وهذا ما هو متاح اليوم.

إفلاس الدولة

ويرى الخبير انه اليوم عندا أقرّ التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان لم تُحدد الأهداف . ما هي الغاية ومن هي الجهة المُستهدفة من التدقيق؟

تسجّل حركة حسابات بالألف يومياً في مصرف لبنان. ولكن ماذا نريد ان نعرفه بالتحديد؟

فاذا عرفنا الهدف، بالامكان الطلب من قاضي الأمور المستعجلة برفع السرّية المصرفية.

ما يتم التحدّث عنه اليوم هو جدل بيزنطي لإلهاء المواطن بأمور سطحية. "لقد بدأوا بالتدقيق بالمقلوب"، وفق ما يصفه الخبير نفسه.

ويرى ان المطلوب اليوم حكومة طوارئ انقاذية تضم نخبة من اصحاب الكفاءات غير المرهونين للقوى السياسية ، حكومة لا تشبه الحكومة الحالية التي قدمت ورقة ​اقتصاد​ية غير مجدية ، لم تأت فيها على ذكر الانضباط المالي سوى مرة واحدة ، متغاضية عما يتم انفاقه في وزارة المال حيث تذهب المليارات. كما انها تريد وضع اليد على الودائع باساليب مختلفة تارة بال "بايل إن" وطوراً "بالهيركات".

والأخطر الإمتناع عن تسديد استحقاقات اليوروبوندز الذي مهّد لإعلان إفلاس الدولة بامتياز ، سيما وإنه بعد إنقضاء فترة 6 أشهر على اعلان تعليق الدفع دون المباشرة باي مفاوضات مع الدائنين تُعتبر الدولة حكماً مفلسة، وفق ما هو مُتعارف عليه عالمياً ومعمول به.

عادة الدَين في اي دولة ليس مستغرباً. وهناك دول عدة عندها ​ديون​ بمن فيها ​اليابان​. وهذا الدين يبقى قائماً، وبالتالي الدولة لا تفلّس، وإنما بامكانها استعادة نشاطها والنهوض مجدداً.

واما القول اليوم انه اذا طار التدقيق الجنائي لن يعرف المودعون اين ذهبت اموالهم ولن يستطيعوا استردادها فهذا كلام في غير محله، برأي الخبير. ولكن الحقيقة التي يجب على المودعين معرفتها هي ان الدولة تقوم بدعم السلة الغذائية والدوائية من اموالهم اليوم.

ونسأل في هذا السياق، اذا نفدت هذه الأموال كيف سيستطيع المواطن المودع تأمين قوته وحاجاته ومن اين، مع وجود اكثر من 350 الف عاطل عن العمل ونسبة ​بطالة​ تتراوح بين 30 و40% وقد تصل الى 50% في بعض المناطق؟

باختصار، لبنان يسير في طريق الانهيار. واذا كان التدقيق الجنائي بندا رئيسياً في ورقة ​الرئيس الفرنسي​ ​ايمانويل ماكرون​ ومن شروط ​صندوق النقد الدولي​ للحصول على اي مساعدات خارجية او تمويل دولي فلماذا لم يلحظ العقد المّوقع مع الشركة كل هذه العوائق مسبقاً؟ وهل في نيّة الحكومة ومعها القوى السياسية إجراء التحقيق والوصول الى الحقيقة فعلياً؟

لماذا لا يتم الإعتراف ان الدعم الذين يتباهون به واموال المودعين التي تضخّ من اجل تأمينه يذهب الى خارج لبنان وهويموّل اقتصاد آخر خارج الحدود اللبنانية؟

بعد الإفلاس وتعثّر التدقيق الجنائي هل نفدت اموال المودعين في الدعم اليوم؟