لا شك أن الصناعة هي قطاع حيوي، يعدّ ركنا أساسيا من أركان الاقتصاد الوطني، وبالتالي، فإن دعمه يشكل وسيلة للنهوض الاقتصادي والاجتماعي. فهو تقريبا القطاع الوحيد اليوم، القادر على استقطاب ​العملات​ الصعبة الى الداخل، عبر تصدير المنتجات المختلفة الى دول عدة، إضافة الى قدرته على تأمين حاجة السوق اللبناني، الذي بات يثق أكثر فأكثر بهذا المنتج المصنع محليا، وبجودته وقدرته على منافسة أكبر ​الشركات العالمية​.

وفور الحديث عن اتخاذ القرار بالإقفال التام في البلاد، للحدّ من انتشار فيروس "كورونا" المستجد، نفذت ​​جمعية الصناعيين​​ وقفة احتجاجية أمام وزارة الصناعة، للتأكيد على رفض شمول المصانع بهذا القرار. وبالفعل، استجابت القوى السياسية لهذه المطالب، حيث كشف ​وزير الصناعة​ في حكومة تصريف الأعمال ​عماد حب الله، عن استثناء المعامل من الإقفال​، على أن توازي القدرة الاستيعابية الثلث، مؤكدا على أن "​الدولار​​ الصناعي" يخفض ​سعر الدولار​ في ​السوق السوداء​، كونه يؤمن "الدولار الطازج" الى السوق المحلي.

فكيف جاءت ردة فعل الصناعيين على هذا القرار؟ هل ستلتزم المصانع بالإجراءات الوقائية؟ ما هو وضع هذه المصانع اللبنانية اليوم؟ هل هي قادرة على الاستمرار؟ ماذا عن الموظفين؟...

وللإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، كان لموقع "الاقتصاد"، مقابلة خاصة مع نائب رئيس جمعية الصناعيين، ​زياد بكداش​، الذي أكد على أن "الاستثناء كان مطلبنا الأساسي، وبالتالي، نحن راضون تماما عن هذا القرار، مع العلم، أننا كنا نعمل بثلث الموظفين في المصانع، قبل صدوره حتى؛ اذ عمدنا الى تخفيض عدد الموظفين في مراكز الإنتاج والإدارة، من أجل المحافظة على التباعد الاجتماعي".

وأضاف: "نشكر وزير الصناعة عماد حب الله، لأن بجهوده وجهود جمعية الصناعيين، تمكنا من الحصول على هذا الاستثناء. فالصناعة هي القطاع الوحيد القادر على استقطاب الـ"fresh money" اليوم، وهو يؤمن نحو 3 مليار دولار سنويا".

وتابع بكداش قائلا: "سنواصل العمل خلال الإقفال، كما كنا نفعل في الأيام الماضية، مع الطلب من المصانع الالتزام بالحد الأدنى من الموظفين، وبالمعايير الوقائية المفروضة". وأضاف: "لن نتكبد الخسائر في هذه الفترة، ولكن قد تزيد مصاريفنا بعض الشيء ، بسبب عمل بعض الموظفين لنوبات عمل إضافية، من أجل سدّ النقص".

كما قال: "بهذه الطريقة، سنحافظ على زبائننا في الخارج، فحتى لو كانت بلدان العالم مغلقة أيضا، نحن ملتزمون بعقود محددة في موضوع التسليم، لأن الزبون في الخارج، يريد أن تصل بضاعته وتكون موجودة فور إعادة فتح بلاده".

وأكد لـ"الاقتصاد"، أن الخوف اليوم هو من خسارة الزبائن في الخارج، كونهم يشكلون المصدر الرئيسي لإدخال الـ"fresh money" الى لبنان، ولتحريك العجلة الاقتصادية، الى حد ما، لافتا الى أن القطاع الصناعي هو الوحيد القادر على جلب الأموال الى الداخل. وتابع: "أما الخوف الأكبر، فيتمثل في موضوع تطبيع بعض البلدان العربية مع العدو الاسرائيلي، وبالتالي، نخشى أن تتجه بعض البلدان صناعيا نحو تلك البلدان، لكي تأخذ الحصة التي كنا نبيعها إياها. ولهذا السبب، نحن مضطرون للإبقاء على التزاماتنا مع جميع الدول وعدم التأخر في التسليم".

وفي ما يتعلق بالتزام المصانع بالعدد المحدد من الموظفين، وبإجراءات السلامة، أشار بكداش الى أن "جمعية الصناعيين تدافع عن الصناعيين، لكنها غير قادرة على مراقبة المصانع، ولكن اذا علمنا أن بعضها لا يلتزم بإجراءات الوقاية أو بالعدد المحدد، سنكون مضطرين لتبليغ وزير الصناعة، لأننا لا نريد أن يتم إلغاء الاستثناء، بسبب مخالفة بعض الأشخاص وإهمالهم. ومن هنا، نطلب من الجميع الالتزام بشكل كامل، وقد عممنا توصيات وإجراءات صحية، من وزارة الصناعة والـ"UNIDO"، يمكن للصناعيين تطبيقها، كما طلبنا أن يكون العدد الأقصى من الموظفين هو الثلث من أجل المحافظة على ديمومة العمل".

أما بالنسبة الى أزمة المواد الأولية العالقة منذ فترة، فأكد بكداش أن "هذه المشكلة ما زالت موجودة، لأننا نحاول اليوم قدر المستطاع، أن نحصل على دعم ​مصرف لبنان​، الذي لا يسير بشكل جيد، كما لدينا مشروع "Oxygen Fund"، بين جمعية الصناعيين ومصرف لبنان وصندوق تمويلي في الخارج، بالإضافة الى مشاريع عدة، لكن الصعوبات موجودة حتما".

وأكد أن "عام 2020 لم يكن صعبا للغاية، من ناحية استيراد المواد الأولية لأن مبيعات كل الصناعيين تراجعت الى النصف، ولكن فور انتهائنا من جائحة "كورونا" وعودة المبيعات الى حركتها السابقة، قد نواجه مشكلة أكبر بالنسبة الى إمكانية تأمين المواد الأولية".

كما بشّر بكداش بأن المصانع اللبنانية صامدة، ولم تقفل أي مؤسسة أبوابها، ولكن العديد منها عمد الى خفض عدد العمال والموظفين، كما أن معظمها استغنى عن ​المياومين​ – فبعض المصانع كانت تستعين بالطلاب للعمل بشكل يومي خلال ​العطلة الصيفية​ - ويعود ذلك الى ​الوضع الاقتصادي​ المتأزم، إضافة الى وباء "كورونا".

وكشف لـ"الاقتصاد" أيضا، أن بعض المصانع عمدت الى تطوير خطوط إنتاجها وتجديدها، كما أن بعضها الآخر بدأ بتصنيع الكمامات وأجهزة التنفس. وبالتالي، اذا فُتحت المجالات أمام القطاع الصناعي اللبناني، فبإمكانه التطور والتوسع والنمو بشكل غير محدود. وتابع: "لكننا نعاني من مشكلة المواد الأولية، ونتمنى إيجاد الحلول المناسبة لها في أقرب وقت ممكن".

أما بالنسبة الى الأسعار، فلفت بكداش الى أنه عندما ارتفع الدولار الى الـ7500 ليرة، لم تقم المصانع بالتسعير على هذا المعدل، بل التزمت بالتسعير بين 4500 ليرة و6000 كحد أقصى؛ فالكلفة مقسمة على هذا الشكل: 40% مواد أولية بحاجة الى دولار طازج، و60% يد عاملة لبنانية تدفع بالليرة اللبنانية. وبالتالي، بات المنتج اللبناني اليوم أرخص من المنتج المستورد، والأهم من ذلك، أن حجم الاستيراد تراجع بشكل ملحوظ، والمصانع اللبنانية غطت هذا الفرق.

كما ذكر أن الجانب الإيجابي من هذا الموضوع، هو أن المواطن اللبناني بعد أن اضطر الى شراء المنتجات اللبنانية، تبين له أن هذه المنتجات، بمعظمها، بالجودة ذاتها للبضائع القادمة من الخارج؛ ففي البداية، كان ​المستهلك​ يحب شراء كل ما هو مستورد، كونه قد وضع أحكاما مسبقة عن الصناعة اللبنانية، باعتقاده أنها ليست بالمستوى المطلوب، ولكن اليوم، ولو بعد 30 عاما، بات فخورا بالمنتج اللبناني.

وتابع قائلا: "أصبح لدينا ثقافة "صنع في لبنان" لدى المواطن اللبناني، وبات هذا الأخير، لدى ذهابه الى السوبرماركت، يبحث عن المنتج اللبناني لكونه أرخص من المستورد، وبالتالي يشتريه ليجربه، ومن ثم، يعود مجددا لشرائه بسبب رضاه عن نوعيته".

وأضاف بكداش: "تجدر الاشارة الى أن أي منتج لبناني نشتريه من الأسواق، نحول 40% من قيمته الى الخارج لشراء المواد الأولية، في حين أن 60% تبقى موجودة في السوق اللبناني، بعكس المنتج الأجنبي، الذي يؤدي الى خروج بين 60% الى 90% من قيمته، الى الخارج. وفي الاقتصاد، مطلوب أن يبقى الدولار في لبنان، ولا يتسرب الى الخارج، ولهذا السبب، عندما نشتري المنتج اللبناني نساعد في الحفاظ على الأموال في الداخل".