بانتظار سريان قرار مجلس الدفاع الاعلى بالاقفال في 14 تشرين الثاني ولغاية 30 منه على كافة الاراضي اللبنانية تواصل ​الهيئات الاقتصادية​ الممثلة للقطاعات المنتجة فعليا في البلد المطالبة بحلول تمنع انتشار وباء كورونا اي تمنع حدوث المشكلة التي فاقمت عدد الاصابات ورفعت نسبة الوفيات بدل الاكتفاء باللجوء الى تدابير لمعالجة الوضع الخطير الذي وصلنا اليه.

ربما من غير المجدي الحكم على اداء السلطة في مواكبة هذا الفيروس الذي شلّ حكومات بلدان كثيرة متقدمة ، كما اننا نعجز عن تطبيق المقولة الآتية :" عين الحكومة بصيرة ويدها قصيرة فعليا "، سيما وان التراخي في بعض الاجراءات الذي تقابله تدابير غير مقنعة في اماكن أخرى لا يبعد عنها وصف الفشل .

للوقاية من انتشار الفيروس تفرض الدولة الاقفال في اماكن خاصة تحسن التحكّم بالتباعد الاجتماعي وباصول التطهير والتعقيم . وفي المقابل ، تترك الابواب مشرعّة في الاماكن العامة ، اي الدوائر الرسمية حيث تجري المعاملات ، العقارية، النافعة والمعاينة الميكانيكية ، فروع الضمان وغيرها... من الاماكن ذات الاكتظاظ ، طمعا ً بتحسين ايراداتها التي عودتنا على انفاقها هدرا على حساب صحة المواطنين .

وقد كشفت ​جمعية تجار بيروت​ ان اثبات الالتزام التجاري هو نتيجـة الزيـارات السـرية التي قـامت بهـا شـركة "G.W.R Consulting" على ما يقارب 1000 مؤسسة في مناطق مختلفة على الأراضي اللبنانية والتي حققّت نتيجة التزام بلغت 91.75% من حيث ارتداء الكمامة والتباعد الإجتماعي واستعمال المطهّرات والتحقّق من الحرارة.

هل جاء قرارالاقفال العام بعد هذه الارقام ؟

اولا : نقص في الأسرة والعناية الفائقة :

يقول وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن: الإقفال لمدة أسبوعين هو أمر منطقي، وصحيح هناك هواجس حياتية واقتصادية ، لكن وصلنا إلى مرحلة يصعب فيها تأمين سرير لمرضى "كورونا" ، وخلال أسبوعين سنكون قد جهزنا 60 سريرا للعناية الفائقة في المستشفيات الحكومية."

راهنا ، بلغت نسبة اشغال اسرّة العناية المرّكزة ٩٤٪ . وتعدى معدل وفيات الكورونا اليومي العشرة. وتدل نسبة الفحوصات الموجبة التي تعدت ١٤٪ ان الوباء ينتشر من غير رادع.

في سياق مواز ، يقول نقيب المستشفيات الخاصة المهندس سليمان هارون : "عدد الأسرة المخصصة لمرضى كورونا في ​القطاع الخاص​ يبلغ حوالي 400 سرير من ضمنها أسرة العناية الفائقة، وهذا العدد يوازي عدد الأسرة في ​المستشفيات الحكومية​، في وقت تم صرف ملايين الدولارات لتجهيزها بينما المستشفيات الخاصة مرهقة". واكد السعي "لتوفير أكبر عدد ممكن من الأسرة لمرضى كورونا، لكن مقدرة المستشفات محدودة جدا مع وتيرة الدفع البطيئة من الجهات الضامنة".

ثانيا : زيادة في حالات الوفاة :

لم تعد الوفيات محصورة بالمسنين ذوي الامراض المزمنة، بل شملت الشباب، ومن هم في منتصف العمر، وشملت الغني والفقير، ولم توّفر حتى الاطباء او الممرضين. بالمعدل الحالي ١٠ وفيات في اليوم، هي ٣٠٠ في الشهر، او ١٨٠٠ في ستة اشهر الى ان يتوفر اللقاح.

ثالثا : انهاك الطاقمين الطبي والتمريضي :

يكشف نقيب اطباء لبنان في بيروت البروفسور شرف أبو شرف مؤخرا أنّ 3 وفيات طاولت الطاقم الطبي في لبنان، في ظلّ وجود 17 إصابة في العناية المشدّدة، وحوالي 200 حالة تلتزم الحجر سواء في المستشفيات أو ​المنازل​. لافتاً إلى أنّ 3 أضعاف الأرقام المشار إليها يمكن ربطها بالطاقم التمريضي، أي لناحية إصابات الممرضين والممرضات التي تخطّت ألف إصابة.

ووفق نقيبة الممرضات والممرضين الدكتورة ميرنا ضومط أنّ عدد الإصابات بكورونا في الجسم الطبي والتمريضي يصل إلى حوالى 1500، مشددة على ضروة الاقفال التام، مطالبةً بأن يكون لأكثر من أسبوعين، مع ضرورة العمل على القطاعات التي تُسبب الانتشار.

صحيح ان هذه الارقام صادمة ، الا انه كان بالامكان الحؤول دون الوصول اليها لو ان التشدد بالالتزام بالسلامة العامة، و التباعد الاجتماعي وتطبيق معايير الصحة والوقاية الضرورية قد نُفّذ كما يجب، الى جانب امداد المستشفيات الخاصة ب​السيولة​ الضرورية وتحريرها من قيود ​مصرف لبنان​ والمصارف على السحوبات النقدية ، وتسديد مستحقاتها التي تعود الى سنوات مضت مما سيمكنها بدون اي شك من تجهيز اقساما فيها لإحتواء الإصابات ومعالجة المرضى بدون تردد، فضلا عن حل معضلة "الكاش " لدى مستوردي المعدات والمستلزمات الطبية .

التمويل ؟

أنّ السرعة في تأمين التمويل الميسّر حاجة ملحة لإحتواء انتشار المرض. في لبنان، تم تخصيص ٦٨٦ مليار ليرة لبنانية لموازنة وزارة الصحّة العامة عام ٢٠٢٠. وفي دراسة لمعهد باسل فليحان المالي والاقتصادي قدّرت الكلفة الإضافية لعلاج المصابين بفيروس كورونا على مدى ٦ أشهر ، بحسب معدل الانتشار الحالي بنحو ٤٣ مليون دولار ليرة لبنانية. وفي حالة تفشي الفيروس بشكل كبير، يمكن أن تصل الكلفة الإضافية إلى ٦٥ مليون دولار أميركي . من شأن هذا الأمر أن يفاقم من حدّة الأزمة المالية لأنّ الحيّز المالي ضيّق أصلًا بسبب العجز المالي المتراكم والذي بلغ في العام ٢٠١٩ ١١.٣٪، (علمًا أنّ المعايير الدولية لا توصي بتجاوز حدّ الـ ٦٪).

ماذا عن الارقام بعد الاقفال ؟

مع قرار الاقفال الذي اثار استهجانا واسعا داخل اوساط القطاعات التجارية والصناعية والسياحية يقول الوزير حمد : " أصرّيت على توفير الظروف المواتية للإقفال وطلبت من وزارة الدفاع تفقد الحصص الغذائية ليجري تأمينها للعائلات الأفقر، ويجب أن نُنجح هذا الإقفال" .

انعكست الأزمة المالية والاقتصادية بشكل دراماتيكي على نوعية حياة اللبنانيين، وفاقمتها أزمة وباء كورونا والتعطيل الذي فرضه . فال​انكماش​ الحاصل في ​الناتج المحلي​ الإجمالي بنسبة ١٢٪ بحسب تقديرات وزارة المالية من المتوقّع أن يتواصل في السنوات الثلاث القادمة ليصل إلى نسبة تراكمية قد تتخطى ٣٠٪. وبالتالي ، فان ارتفاع الأسعار ينهش القدرة المعيشيّة للمقيمين ، ويوسّع بوتيرة سريعة نسب وجغرافية ​الفقر​ التي تصيب نصف إجمالي عدد السكان فيما نسبة من يعيشون تحت خط الفقر المُدقع تنفلش بدورها بشكل واسع (٢٢ % الإجمالي نفسه). وثمة عدد كبير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تشكّل أكثر من ٩٠ في المئة من المؤسسات والتي كانت أساسًا تواجه صعوبة في الصمود وتعتمد على مبيعاتها في السوق للحصول على السيولة المفقودة في المصارف، مهدّد بالإفلاس أو بالإقفال. الزيادة القياسية في نسبة البطالة التي تعدّت نسبة الـ ٣٦ في المئة (للعمالة النظاميّة) تُنذر بالارتفاع مع إقفال المرافق التجارية والسياحية وبعض الصناعات. .

نعم ، هناك قطاعات متضررة وهي تشمل من يمارسون الأعمال الحرة والأعمال غير الرسمية، من جراء الاقفال ، لأنّ عملهم يعتمد على نشاطهم اليومي وحصادهم. اذا ، نحن في نزاع مرير لناحية تحديد الضرر الأقل من أجل ضمان صمود البقاء خلال الأزمة ، خصوصًا أنّ نطاق التغطية لأنظمة الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر فقرًا من السكان لا تتعدّى ٢٦٪ ، بحسب تقديرات ​البنك الدولي​، و نتائج مسح الأسر لعام ٢٠١٨ الصادر عن إدارة الاحصاء المركزي، تلحظ أنّ ٥٨.٧٪ من الأسر تعتمد على الأجور الشهريّة أو الاسبوعيّة أو اليوميّة فيما تعتمد ٩.٥٪ من الأسر في معيشتها على ​معاشات التقاعد​.

جميع القطاعات الإقتصادية، ولا سيما التجارية منها، تعاني من تدهور خطير، بلغ ما بين 70 و90% بحسب المناطق والقطاعات التجارية المختلفة، وذلك وفقاً لمؤشر جمعية تجار بيروت، توازيه حركة إقفال نهائي للعديد من المؤسسات التجارية العريقة.

هذه القطاعات معنية بتحريك الإقتصاد المركزي و المناطقي، و أي تدبير مجحف وغير مدروس يطال نشاط المحلات والمؤسسات والمجمّعات وقطع الأرزاق وشلّ العجلة الإقتصادية، خصوصا اننا على مشارف ​موسم الأعياد​ الذي يمثل 30% من الدورة التجارية. وفي هذا السياق ، تكشف جمعية الصناعيين ان معظم المصانع التي تلتزم بالشروط الوقائية ، منفصلة كليا وجغرافيا عن المناطق السكنية في النطاق البلدي الواحد. وهي القطاع الوحيد اليوم الذي يؤمن 3 مليارات دولار سنويا Fresh Money من خلال التصدير لتعزيز الاقتصاد.

والأخطر انه لدى الصناعيين التزامات قاسية من حيث موعد تسليم البضاعة الى الخارج وخصوصا الى البلدان المقفلة، واي إخلال بهذه الالتزامات يفقدهم الاسواق الخارجية ويدخلهم في نزاعات قضائية وجزائية.

يعلّق محللون مختصون" إن ​الاقتصاد العالمي​ لا يتحمل موجة ثانية لتفشي كورونا، وهناك توافق دولي على عدم تكرار سيناريو الإغلاق الكامل إلا أنه قد يكون مطروحاً حسب قوة الموجة، موضحين أن عقاراً فعالاً هو الأمل الوحيد لاستمرار وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي وتعويض الخسائر التي تكبدها. وكان صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير أكثر تشاؤماً حول الاقتصاد العالمي، متوقعاً أن يكون الركود الاقتصادي هذا العام أعمق مما كان متوقعاً في بداية أزمة كورونا، بينما قدّر البنك الدولي أن فيروس كورونا سيتسبب في تقلص الناتج العالمي بـ5.2 في المئة خلال 2020، وهو ما سيكون أعمق انكماش منذ الحرب العالمية الثانية.

بعض الدول لجأ اليوم الى الأغلاق لوضع حد لانتشار الفيروس ولرفع القدرة الاستيعابية في المستشفيات وتعزيزجهود الطواقم الطبية والتمريضية التي هي في الصفوف الامامية . ولكن في موازاة هذا القرار ، حصنّت حكوماتها الاوضاع المعيشية للمواطنين ، وهذا ما لا تستطيع حكومة لبنان القيام به ، بعدما جفّت خزينتها وخسرت مصداقيتها .

فاي مصير ينتظرنا بعد هذا الاقفال خصوصا وان ثمة من يقول بان المدة هي غير كافية ليؤتي بالنتائج المطلوبة منه ؟ واين الخطة ب للحكومة ؟