لا تستسلم شركات التأمين اللبنانية في تفويت الفرص من اجل رفع قيمة بوالصها في كافة الفروع تحت حجج مختلفة وان كان اهمها ارتفاع سعر صرف الدولار وتداعياته على نفقات التغطية التي تتحملها ، بغياب شبه كلي لوزارة الاقتصاد التي تكتفي بالتصريح عند المراجعة بوجوب موافقة الزبون او حامل البوليصة على اي تعديل يطرأ على ​اسعار​ البوالص.

في وقت سابق، اقترحت جمعية شركات التأمين على كل من وزير الاقتصاد و لجنة الرقابة على هيئات الضمان اجراء بعض التعديلات على سعر بوليصة التأمين حسب كل فرع من فروع التأمين شرط الاتفاق مع الزبون المؤمن وارسال الاتفاق الى وزارة الاقتصاد لكي يكون ساري المفعول وتمكين هذه الشركات من العمل دون اي خسارة خصوصا في ​قطاع التأمين​ على ​السيارات​.

ولكن ما شهده السوق عكس فوضى في زيادة الاسعار التي لم تقف عن حد ادراج زيادة على عقود جديدة قيد الابرام، بل شملت بوالص مدفوعة عن العام 2020. وحدد بعض الشركات قيمة البوليصة على سعر معّين تجاوز السعر الرسمي الذي ما زال معتمدا في الدوائر الرسمية ، بينما عمد البعض الآخر الى تحديد قيمة البوليصة على قاعدة ٥٠ في المئة بالليرة اللبنانية و50% بالدولار الاميركي وفق سعر المنصة المحدد من ​مصرف لبنان​ بـ3800 ليرة لبنانية. وفي موازاة ذلك، عمد البعض من الشركات الاخرى الى تحميل الزبون فروقات الاسعار خصوصا بالنسبة لقطع السيارات او الاستشفاء او مطالبة حامل البوليصة بفارق جديد على سعر البوليصة التي تم تسديدها بعد ما كان تم الاتفاق معه في السابق على السعر الاول.

وفي هذا السياق ، وجه بعض شركات التأمين الى عملائه ​رسائل نصية​ بوجوب تعديل قيمة بوالص التأمين على سياراتهم الموقعة حالياً من اجل الحصول على التعويض الفعلي للتغطية ، مع تعرّض مركباتهم لأي حادث. وفي غضون ذلك ، يلجأ عدد منها إلى تحميل المستفيد من التأمين قسم من كلفة اضرار الحادث، حتى وإن كان العقد لا يلزم الزبون بذلك، وهو ما يسمى بخصم التأمين Franchise.

في المبدأ، من المفترض ان يتم اخضاع اي زيادة للاتفاق بين الشركة المعنية والزبون المؤمن. وان كان هذا لم يحصل مع كل الشركات فهي ستكون شروطا جديدة تضاف الى عقد التأمين، مع تحدد كيفية بيع البوالص و​آلية​ سدادها، ولفترة زمنية محددة، وفق بعض المعلومات المتناقلة.

اليوم، قبل التوصّل الى اي اتفاق ينطوي على رضا الطرفين، بعض الشركات سارع الى فرض شروطه على عملائه مطالبا بالزيادة على اقساط سددها هؤلاء بحجة الفارق المستمر في سعر الصرف . فهل هذا الاجراء قانوني؟

وبالتالي، هل يحق لشركات التأمين بفرض استيفاء البوالص بغير العملة الوطنية؟

الكك:

الاستاذة المحاضرة في ​الجامعة اللبنانية​ والباحثة في قانون الاعمال الدكتورة سابين الكك تقول لـ"الاقتصاد"، مسألة أحقية الإيفاء بالليرة اللبنانية هي خارج البحث لناحية مشروعيتها وقانونيتها، وذلك انطلاقاً من أحكام النظام العام كما بيّنتها المادة 301 موجبات وعقود، إضافة إلى المادتين 7 و192 من قانون النقد والتسليف ، والمادة 356 من ​قانون التجارة​ اللبناني. في الموازاة، أكدت دائرة التنفيذ في بيروت أنه "لا يمكن فرض الدفع بالعملة الأجنبية، لا بل على العكس، لا يمكن رفض الإيفاء بالعملة الوطنية". وكرسّت بذلك المحكمة مبدأ القيمة الإسمية النقدية كوحدة إبراء ملزمة للدائن معتبرةً أن الاختلاف بين قيمتها الحقيقية وقيمتها الشرائية عند الإيفاء يبقى غير مؤثر طالما أن "المدين بدين نقدي يتحرّر من الموجب الملقى على عاتقه بمجرد دفع قيمته الاسمية"، أي دفع قيمتها بالليرة اللبنانية حسب سعرها الرسمي- القانوني يوم الدفع وفي محل الإيفاء. وبالتالي، أية خطوة من قبل شركات التأمين تخالف النصوص والاجتهاد تعتبر غير واقعة في محلها القانوني الصحيح.

وعما اذا كان من حق شركات التأمين تعديل اسعارها بدون العودة الى لجنة الرقابة على شركات الضمان في وزارة الاقتصاد توضح الكك: "انه لمّا كان قانون حماية ​المستهلك​ ذات أهمية خاصة من الناحتين الاقتصادية والاجتماعية لارتباطه المباشر بكل ما يستهلكه المواطن من سلع وخدمات، تبدو العودة في هذا الصدد لأحكام المادة 26 منه ملحة، خصوصا لناحية، بطلان البنود النافية للتبعة بطلاناً مطلقاً. اذ تمنع المادة المذكورة منعاً باتاً المحترف (هنا شركات التأمين)، من ايراد بند يتيح له اجراء اي تعديل للالتزامات العقدية بشكل منفرد، لا سيما تلك المتعلقة بتعديل الثمن. من هنا، يبدو من باب أولى وأشمل طرح اشكالية اجراء أي تعديل في موجبات المؤمن لناحية اسعار البوالص اذا ما تمّ بإرادة الشركات الاستنسابية، ولو تحت سقف اسعار لجنة الرقابة. هذا الأمر سيرتد سلباً على استمرارية قطاع التأمين ومحفظته التشغيلية، كون الشركات هي المحترف الواجب عليه تحصين نفسه ضد مخاطر تقلّبات سعر صرف العملات في مقابل المستهلك اللبناني العادي ، غير القادر على تحمّل تقلبات هذه الاسعار بعد ما فقد قدرته الشرائية لأّن مدخوله الفردي هو أساساً بالعملة الوطنية".

بالتأكيد، ان شركات التأمين تسعى الى تكبير محفظتها التأمينية في كل المراحل. وهي اليوم تتمسك بنسخة عقود مختلفة تتضمن شروطاً جديدة قد يضيع معها العميل الذي غالباً لا يهتم بقراءة وتفحّص بنود عقود التأمين، خصوصا اذا كان الوسيط ناشطا في اسلوب الاقناع.

ان شركات التأمين ليست جمعيات خيرية، بل انها شركات خاصة تسعى للربح والانفلاش في السوق، ولكن هذا لا يمنعها من الايفاء بالتزاماتها كاملة بعد اتقان حماية منتجاتها من اي طارئ وخصوصا تقلبات سعر الصرف بشكل عادل وبحرفية مطلقة، بعيدا عن الطمع الشرس ضمن الأطر القانونية.