يستمر الوضع الإقتصادي والمالي والإجتماعي في لبنان بمساره الإنحداري، من دون وجود أي مقومات أو إجراءات تحدُّ من الإنزلاق أكثر نحو الهاوية.

مسارُ تشكيل الحكومة يُراوِحُ مكانه، المحاصصة والتوزيع الطائفي يعيقان عملية التأليف، دون الإكتراث إلى هموم ومشاكل الشعب، الذي يعاني من أزمات عديدة.. ف​الدولار​ عاد ليتخطى مستوى الـ7000 ليرة، فيما أسعار السلع على حالها، والتراجع الوحيد محصور بالقدرة الشرائية.

لبنان يحتاج للمساعدات الدولية لكي يخرج من أزمته، لكن بشروط محددة، ومنها السير في التدقيق الجنائي، وفي هذا السياق وصل مدير شركة التدقيق المالي والجنائي "ألفاريز آند مارسال" إلى بيروت، للدخول أكثر في عمق هذه العملية، والوصول إلى المعلومات المطلوبة.

إلى ذلك ودولياً، ينتظر العالم واللبنانيون خصوصاً نتائج الإنتخابات الأميركية، لمعرفة الرئيس المقبل (إن كان بايدن أو ترامب)، وكيف ستؤثر على عملية ترسيم الحدود البحرية، والمفاوضات مع "​صندوق النقد​"، وأيضاً على السياسة الأميركية على المستوى الإقتصادي، تجاه المنطقة وخاصة لبنان.

وفي هذا السياق، يؤكد الباحث في العلاقات الدولية والإقتصادية، علي حمود في مقابلة مع "الاقتصاد"، أن "التدقيق المالي الجنائي، يجب أن يحصل في كل المؤسسات الدولة، لكن تَذَرُع حاكم المركزي ​رياض سلامة​ بموضوع قانون النقد والتسليف والمادة 151 بالنسبة للسرية المصرفية، لا يمنعان من الإستمرار بالتدقيق، أو أن يجيب على الأسئلة التي يتم طرحها عليه، فالمادة 117 تسمح لوزير المالية ومفوض الحكومة لدى "​مصرف لبنان​" (مادة 41- 42- 43- 44 من قانون النقد والتسليف، في ما يخص مفوض الحكومة)، بالإطلاع على أعمال الحاكم بالنسبة لعمليات الهدر في المالية، وكذلك في موضوع إعطاء ​قروض سكنية​ لأشخاص معينين أو لشركات".

وكشف حمود، أن "سلامة كانت تربطه علاقة جيدة بالشركة السابقة المولجة بالتدقيق الجنائي المالي "​ديلويت​"، ما يعني أنه حتى في التدقيق هناك خداع".

وقال: "حاكم المركزي يرفض التدقيق لأن هناك أموراً متعلقة بسياسيين ستكشف".

وسأل الباحث في العلاقات الدولية والإقتصادية: "إبراهيم كنعان، كرئيس لجنة مال و​موازنة​، لم يكن يعلم أن هناك مادة رقم 151 تمنع السير بالعملية؟! ألم يكن الأفضل تعديل هذه المادة؟".

وأشار إلى أن "عملية التدقيق كباقي الأمور، ستمتد لسنوات عديدة، ولن نصل إلى نتيجة، إلا إذا حصل ضغط شعبي".

وأضاف: "إذا أردنا أن نقوم بالإصلاحات، كما طلب الفرنسي في ملف الكهرباء و​النفايات​ والعدل والقطاع التعليمي، وأيضاً بالقطاع المالي، علينا معرفة كل التفاصيل عنه.. مثلاً الإحتياطات بالعملة الصعبة 19 مليار دولار، ولست متأكداً من وجودها، وإذا وجدت بالفعل لماذا نتجه دوماً إلى ​المساعدات​؟!".

وأوضح حمود، أن "إعادة الثقة هي الأهم حالياً، وإلا الـ100 مليار دولار لن تنفعنا، وعلينا التركيز على قانون الإثراء غير المشروع لمحاكمة المسؤولين.. فالقوانين المتعلقة بمحاربة ​الفساد​ موجودة، لكن لا تطبق".

وحول الجمود في تأليف الحكومة، وتأثيره على الوضع الداخلي، قال: "نحن في إنهيار حر للإقتصاد دون وجود قاع، (هذا ما أكدته "​الإسكوا​" عن إرتفاع نسبة الفقر إلى 55%)، وفي ظل هذا الإنهيار الإقتصادي والمالي والإجتماعي والأمني، يواصل السياسيون إنشغالهم في المحاصصة، وفي السجالات في ما بينهم".

ولفت إلى أن "الحكومة المقبلة ستكون شبيهة بالتي سبقتها، من دون تنفيذ أي إصلاحات، وستجد صعوبة في إيجاد حلول لبلد يستشري فيه الفساد منذ فترة طويلة".

واعتبر أنه "إذا أردنا الحديث، قبل إستقالة حكومة الحريري منذ سنة، عن 900 ألف وظيفة، فهذا أمر مستغرب، خصوصاً أننا لا نملك مؤسسات منتجة، وفي ظل إقتصاد ريعي غير منتج، فهذا أمر من الصعب أن يتحقق".

وعن الحلول الممكنة، أوضح حمود أنه "يجب توطيد العلاقات مع ​الدول العربية​، والعمل على إستدراج دعم دولي، والتفاوض مع "صندوق النقد"، لإعادة الثقة المحلية والخارجية. وشدد على وجوب الإستعداد في التفاوض، لكي لا تتأخر المساعدات، التي وإن أُقرت ستكون على دفعات. ومن الحلول أيضاً، يمكن الذهاب لإنشاء "مجلس للنقد" شبيه بالذي أنشأه الدكتور ستيف هانكي".

وسأل: "لكن هل سنقبل بالشروط التي سيفرضها "صندوق النقد" (سياسياً)، ربما يطلب منا التطبيع، أو شروط خفيفة، كالخصخصة أو طريقة الإستثمار الـ"BOT"، التي أُفَضِّل أن يكون العقد في هذا المجال أقل من 40 سنة وأن يكون هناك ربح مشترك، مع الرقابة على المعدات، وأن تبقى جديدة عند إنتهاء العمل، على أن تتولّى الشركة المشغلة تصليح أي عطل".

وحول ​سعر صرف الدولار​، أكد الباحث في العلاقات الدولية والإقتصادية، أن "سعر الصرف يخضع لعدة عوامل، ونحن في بلد ينهار ولا يوجد ثقة بالعملة اللبنانية.. وأول عامل: خروج الدولار أكثر من دخوله إلى البلد، ثانياً سحب العملة اللبنانية من البنوك وتحويلها إلى الدولار، ساهم في إرتفاع سعر الصرف، وكذلك كثرة طبع العملة الوطنية".

وعن تعاميم "مصرف لبنان" الأخيرة، رأى أنها "تخفف من صعود سعر صرف، ولكن في المقابل، تؤدي إلى إنكماش ينتج عنه ركود وكساد، وإنخفاض في الإستهلاك وزيادة في مستوى البطالة".

وعن الفائز في الإنتخابات الرئاسية الأميركية، وكيف ستتغير السياسة الإقتصادية تجاه لبنان والمنطقة، وكيف ستؤثر على عمليات الترسيم، والتفاوض، قال حمود: "نحن اليوم أمام مدرستين، المدرسة التقليدية بقيادة ​جو بايدن​، والمدرسة الشعبية (الخطابات الإرتجالية) بقيادة ترامب، وهذه الإنتخابات سترسم مساراً جديداً للسياسة الأميركية الداخلية، وربما الخارجية".

وأضاف: "أعتقد أن السياسة الخارجية الأميركية لن تتأثر، إن عاد ترامب للبيت الأبيض أو فاز بادين، ونحن ننتظر نهاية الإنتخابات لنرى كيفية البت بها".

وتابع: "التدهور الإقتصادي الذي حصل نتيجة "كورونا" وأعمال العنف الأخيرة، أثرت على ترامب، ويمكن أن تؤدي إلى إنحسار الهيمنة الأميركية كما إنحسرت الإمبراطورية البريطانية.. ولكن لا يعني إنهيار ​الولايات المتحدة​".

وأوضح حمود، أنه "رغم تداعيات "كورونا" والمشاكل الأخيرة التي حصلت في ​أميركا​، لا زال ترامب يحظى بشعبية، وهذا أمرٌ مفاجئ".

ولفت إلى أن "ترامب ساعد في خفض نسبة البطالة وحسّن الإقتصاد، رغم التداعيات الكثيرة لجائحة "كورونا"، فيما عَمِل بايدن لمدة أكثر من 40 سنة في السياسية، ولم يحقق أي إنجاز".

وعن السياسة الإقتصادية الخارجية، أضاف الباحث في العلاقات الدولية والإقتصادية، أن "أميركا هي دولة مؤسسات وإدارات، لا تُحكم من شخص.. وبذلك يمكن أن تتأخر مفاوضات ترسيم الحدود وللمفاوضات مع الصندوق، إن كان مع الجمهوريين أو الديمقراطيين".

وقال: "أكبر دليل على عدم تغيير السياسة الخارجية، عندما كشف بايدن، أنه يمكن الرجوع إلى الإتفاق النووي الإيراني، وأنه قد يلجأ أيضاً إلى فرض عقوبات عليها".

وأكد حمود، أن "الأهم بالنسبة لأميركا، هو الحفاظ على مصالحها الغازية والنفطية والحفاظ على أمن "إسرائيل"، في ​الشرق الأوسط​.. فيما عين واشنطن تتركز على ​الصين​".

وشدد على أنه "لا يوجد دول تستطيع التقدم، من دون وجود قواعد أساسية لبناء الإقتصاد، ومن أهمها: التمويل في النمو، وخلق قطاعات منتجة وتمويلها لكي تغطي السوق المحلي، ولإدخال عملات صعبة".

وختم بالقول، إن "التمويل في النمو أساسي، ليس فقط في الزراعة والصناعة، بل في ​البنية التحتية​ الأساسية في المستقبل، خصوصاً في ​تكنولوجيا​ ​الإنترنت​، التي تقوم عليها منافسة كبيرة، بين أميركا والصين، فهي تساعد على بناء مجتمعات وإقتصادات، بدلاً من سياسة "الإقتصاد يصحح نفسه" التي إتبعها الحاكم، لنصب وسرقة أموال المودعين".