تتخبط المؤسسات ​السياح​ية والمطعمية داخل النفق الأسود، منذ فترة ليست بقصيرة. حيث يعاني هذا القطاع من اشتعال أزمات كثيرة في آن واحد، ألقت ومازالت، بظلالها عليه، كما أثرت على حركته ووجوده؛ نذكر منها تراجع عدد السياح بشكل ملحوظ، تحركات 17 تشرين الأول، حجز ​المصارف​ لأموال المودعين، وجود نحو 6 أسعار لصرف الليرة ال​لبنان​ية، تدني القدرة الشرائية للمواطنين، ارتفاع ​أسعار السلع الغذائية​، انتشار فيروس "​كورونا​"، انفجار ​مرفأ بيروت​، وغيرها وغيرها...

فبين الخوف من المزيد من الارتفاع في الإصابات اليومية بـ"كورونا"، والتخوف من مستقبل قطاع يعتبر من المقومات الأساسية للاقتصاد اللبناني، يبقى الضياع سيد الموقف، بانتظار ما سيصدر عن لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس "كورونا"؛ هل ستتخذ قرار الإقفال التام لمدة أسبوعين؟ هل تؤيد النقابات السياحية هذا القرار؟ كيف تقبل ​القطاع السياحي​ والمطعمي قرار وزارة الداخلية بفرض حظر التجول عند الساعة التاسعة مساءً؟...

أسئلة كثيرة أجاب عليها نقيب أصحاب المجمعات السياحية البحرية والأمين العام لاتحاد ​المؤسسات السياحية،​ ​جان بيروتي​، في مقابلة خاصة مع موقع "الاقتصاد"، حيث لفت الى أن "النقابات أعطت الإرشادات المطلوبة للمؤسسات السياحية كافة، للوقاية من فيروس "كورونا"، كما أنها تقوم بزيارات دائمة للمراقبة، من أجل التأكد من تطبيق هذه الإرشادات. أما بالنسبة الى موضوع التخلف عن تطبيق إرشادات الوقاية، فمن واجبات الدولة اتخاذ الإجراءات بحق المخالفين. حيث أن مهمتنا تقتضي بتوجيه الناس وإرشادهم، في حين أنه على السلطة المعاقبة وقمع المخالفات". وقال: "نحن نشجع الأجهزة الأمنية على القيام بذلك في حال حصول أي مخالفة تهدد سلامة الناس وصحتهم، لكن هذه الإجراءات فردية وليست جماعية".

وأوضح أن قرار حظر التجول من الساعة التاسعة مساءٍ، هو ضربة قاسية وموجعة للقطاع، حيث لا يستطيع تقديم وجبة واحدة في اليوم فقط - أي وجبة الغداء - دون خدمة العشاء، ويتحمل بذلك تكاليف ثابتة وغير ثابتة، مثل مصاريف المطبخ، الموظفين، المنتجات،... وأكد أن هذا القرار سيعرض القطاع السياحي الى نكسة كبيرة.

وأضاف بيروتي: "نحن قادمون على موسم الشتاء، حيث ستظهر أزمة جديدة، تتمثل في استخدام المساحات الداخلية. فقد بادرت دول عدة في العالم، الى إعطاء المؤسسات المطعمية فسحات الأرصفة ومواقف ​السيارات​ الواسعة، من أجل إنشاء الخيم المؤقتة للحماية من الأمطار، واستقبال الناس في الخارج بدلا من حصول الاكتظاظ في الداخل".

كما تمنى من البلديات والمحافظين والمسؤولين، أن يعمدوا الى نسخ هذه التجربة ونقلها الى لبنان، من أجل إعطاء المطاعم فسحات خارج المؤسسة، لاستخدامها خلال فصل الشتاء القادم.

ولفت بيروتي لموقع "الاقتصاد"، الى أن القطاع السياحي ما زال يعاني من ​الأزمة الاقتصادية​، التي تمنعه، الى حد اليوم، من جني الأرباح والمداخيل العادلة، بسبب الفرق الشاسع في سعر الصرف ​الدولار​ مقابل الليرة؛ فالتجار يبيعون صاحب المؤسسة السلع بالدولار، في حين أنه يتقاضى الفواتير من الزبائن ب​الليرة اللبنانية​، مؤكدا أن القطاع لا يستطيع أن يكسر هذه الحلقة، بل إن من واجبات القيمين على الاقتصاد الوطني القيام بهذه الخطوة، إما من خلال الاتجاه بشكب كامل الى الدولرة، وإما الى الليرة اللبنانية، وذلك من أجل سدّ الهوة الكبيرة التي تلاحقنا على الدوام.

وذكر أن حركة المؤسسات السياحية والمطعمية ستتراجع تدريجيا خلال الأشهر المقبلة، أي خلال موسم الشتاء، موضحا أن المؤسسات المتضررة بشكل مباشر من توقف العمل السياحي، مثل ​الفنادق​، تعاني من أزمات كبيرة، حتى من ناحية الموظفين؛ فالرؤية السائدة في لبنان هي أن فرص العمل معدومة، في حين أن المؤسسات السياحية - والقطاع الفندقي بشكل خاص - تواجه مشاكل عدة في إيجاد الموظفين، كونها لم تعد قادرة على استقدام اليد العاملة التي تشترط عليها الدفع بالدولار، لأنها لا تجني مداخيلها إلا بالليرة اللبنانية.

وفي سؤال لـ"الاقتصاد"، عن ما اذا كان يؤيد نقابة أصحاب ​المطاعم​ والمقاهي والملاهي والباتيسري في ​لبنان​، التي أوصت في بيانها الصادر ليلة أمس، لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس "كورونا"، باتخاذ قرار الإقفال التام لمدة أسبوعين، يشمل كامل الأراضي اللبنانية ومن دون استثناء لأي قطاع كان، أكد بيروتي أنه يؤيد الإقفال التام 100%، وقال: "اذا كان هذا هو الحل لإنقاذ البلاد اقتصاديا وصحيا، فليكن!".

وأشار الى أن تكلفة الإقفال الجزئي للمناطق والبلدات، جاءت باهظة جدا؛ فعلى سبيل المثال، اذا كان المطعم قد اشترى مخزونه من السلع، ومن ثم صدر قرار وزارة الداخلية بالإقفال خلال الأسبوع المقبل، سيتكبد خسائر هائلة، بسبب اضطراره الى رمي هذه البضائع، بعد كسادها. وقال: "نفضل اتخاذ القرار بالإقفال التام لمدة أسبوعين، بعد فترة معينة، وذلك لمرة واحدة فقط، بدلا من الاستمرار بهذا النهج المتبع بشكل أسبوعي، لكي نعاود فتح مؤسساتنا بظروف أفضل وبمرحلة أكثر أمانا".

وتابع بيروتي قائلا: "يعيش المواطن في حالة من الضياع الكامل، حيث يجد شارعا مقفلا بقرار من الوزارة، مقابل شارع آخر مفتوح، وبالتالي، يخسر صاحب المؤسسة في المنطقة المقفلة زبائنه، الذين ينتقلون الى مؤسسة أخرى. وانطلاقا من هذا الواقع، لا يمكن الاستمرار بهذه الإقفالات للمناطق، خاصة في ظل المضاربة الموجودة، فصاحب المؤسسة الذي عمل لسنوات طويلة على تكوين قاعدة من الزبائن الأوفياء، لن يتحمل أن يراههم ينتقلون في ليلة وضحاها للشراء من مؤسسات أخرى، بسبب اضطراره الى الالتزام بقرار وزارة الداخلية".

وشدد على أن النقطة الأهم اليوم تكمن في إعادة إغلاق ​مطار بيروت​، حيث أن أعداد الوافدين اليوميين المصابين بفيروس "كورونا"، بات كبيرا جدا، ولبنان لا يستطيع تحمل ذلك.

وختم قائلا: "يجب إقفال كل البلد بدون أي استثناء، وبهذه الطريقة، بإمكاننا الانتقال الى المرحلة التالية، التي تتيح لنا تحضير أنفسنا أكثر، ومعالجة الأزمة من منظور جديد".