قطاع "الفرانشايز" من أكثر القطاعات المتأثرة بما يمر به ​لبنان​، حيث يعاني كغيره، من تدهور الحالة الاقتصادية، وتأزم ​الوضع المالي​، وضعف القدرة الشرائية، وتخبط سعر الصرف. هذا القطاع الحيوي والديناميكي، الذي تمكن من جذب ​الاستثمارات​ الداخلية والأجنبية، وتوفير آلاف فرص العمل، بات اليوم مهددا باستمراريته، بعد أن بدأت مؤسساته بالتهاوي تباعا.

فما هي أبرز التحديات التي يواجهها قطاع "الفرانشايز"، في ظل خروج العديد من الماركات العالمية من الأسواق؟ هل يعمد أصحاب ​الامتياز​ اللبنانيين للتوسع والانفتاح نحو الخارج في ظل ضعف الحركة في السوق المحلي؟ ما هي الصعوبات التي يعاني منها ​قطاع التجزئة​ في ظل أزمة ​المصارف​ و​الدولار​ وتراجع القدرة الشرائية؟ ما المطالب؟ ما الحل؟...

تساؤلات كثيرة طرحها موقع "الاقتصاد"، على رئيس الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز "الفرانشايز"، ​يحيى قصعة​، الذي أوضح أنه "في حال استمر الوضع على ما هو عليه، فمن المتوقع انسحاب المزيد من الماركات العالمية من الأسواق. فطالما أن مصير الحكومة ما زال مجهولا، والوجهة المستقبلية للبنان واللبنانيين، ما زالت ضبابية، لن تتشجع الشركات الكبرى على البقاء والاستمرار بالعمل في أسواقنا. فهذا القطاع الذي يشغل نحو 103 آلاف عامل، قد سرّح بالفعل نسبة 50% من عماله، الى حد اليوم".

وأشار الى أن "قسما كبيرا من قطاع التجزئة لم يعد يحقق أرباحا ومداخيل كبيرة، وبالتالي، عندما تلاحظ الشركات أن الأمور لن تتطور نحو الإيجابية بعد بضعة أشهر، فمن الطبيعي أن تقرر الحد من خسائرها، والتوقف عن العمل، والخروج من السوق غير المربح. لكن هيلكية هذه الماركات العالمية ما زالت موجودة، ما يدل على أن الأمل بإعادة النظر في هذا المجال، قائم أيضا، في حال تحسن الأوضاع بعد أشهر. إنما كلما طالت الأزمة أكثر، كلما أصبحت العودة أصعب. والخطورة تكمن في اعتقاد العاملين بالشأن العام، بأن الأمور قد تتحسن بعصا سحرية، أو عبر مواصلة مبدأ الاستدانة".

وتابع قصعة قائلا: "طالما أن لا أحد يتدارك وضعنا الحالي، ويعمل على إيقاف النزف الحاصل، فسيتطلب الأمر سنوات طويلة لعودة هذه الماركات، وذلك بالطبع بعد تأمين الثقة المطلوبة، وإظهار استدامة بهذه الثقة. ولهذا السبب، فإن كل جهودنا منكبة اليوم، على تفادي الوصول الى هذه المرحلة".

كما ذكر أن العالم بأكمله يعاني من جائحة "​كورونا​"، التي ألقت بظلالها وضغوطها على قطاع التجزئة، ولكن في لبنان بشكل خاص، نعيش حالة مالية معقدة، تتعلق بالمصارف والإجراءات التي تتخذها، ما أدى الى زعزعة الثقة التي تشكل عاملا أساسيا في الرغبة بالاستثمار. كما نواجه حالة اقتصادية صعبة للغاية، خاصة مع وجود أكثر من سعر واحد لصرف الليرة اللبنانية في السوق. لكن المواطن اللبناني مناضل ويتحلى بالليونة، وبالتالي يتدبر أموره كونه مضطرا للبقاء في بلده، ولكن المجموعات العالمية التي اختارت افتتاح فروع لها في لبنان، لن تتحمل ما يحصل، وستفضل حتما المغادرة، كونها غير قادرة على إدارة أعمالها بالطريقة الصحيحة".

وأضاف قصعة: "يتجه اقتصادنا للأسف نحو الفوضى الكاملة، وهذا الأمر لا يبشر بالخير، خاصة في ظل غياب التخطيط والرؤية عن القرارات السياسية؛ حيث لم يضع أي وزير خطة واضحة، خلال السنة الفائتة، تتيح لنا الوصول الى الأهداف المرجوة. والمشكلة أن البلاد تسير على "الهوارة". لا تخطيط، لا رؤية، ولا ثقة، وبالتالي لا أمل!".

كما أوضح أن "صاحب الامتياز اللبناني (franchisor) الذي انتشر في العالم، قد يقرر الخروج من السوق اللبناني، والإبقاء على فروعه الأخرى في البلدان المختلفة، ولكن هذه الخطوة ستكون حتما المسمار الأخير في اقتصادنا! فنحن نحاول جميعا مقاومة ما يحصل في البلاد، ولا يجوز أن نخسر العلامات التجارية اللبنانية التي أظهرت إبداعنا وقدراتنا". وأضاف: "صحيح أن القدرة الشرائية تراجعت، وخط ​الفقر​ تزايد، وحجم السوق تضاءل، ولكن في نهاية المطاف، يمكن الحصول على ميزات داخل لبنان، ما زالت الى حد اليوم، ورغم كل الصعوبات التي نمر بها، غير متوفرة بالكلفة ذاتها، في أي من البلدان الأخرى؛ من ناحية الإبداع، التصميم، التسويق،...".

وذكر قصعة لـ"الاقتصاد"، أن العدد الأكبر من أصحاب الامتياز اللبنانيين، يلجأون الى إغلاق بعض فروعهم، مع الإبقاء على تلك التي تحقق المداخيل الأكبر. وهذه البداية فقط، أي في حال استمرت الحالة على ما هي عليه، سيفضلون حتما إقفال الفروع المتبقية لتجنب تكبد الخسائر".

وشرح أنه "في عام 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، دخلنا في نوع من ​الركود​ والضياع حول مصير البلاد، الأمر الذي شكل فرصة للبنانيين، الذين اختاروا التوسع نحو الأسواق الخارجية، ما أدى الى ازدهار في قطاع التجزئة عام 2012. ولكن اليوم، الى جانب المشاكل المالية والنقدية، الاقتصادية، والاجتماعية، نعاني من أزمة إضافية، تتمثل في انتشار فيروس "كورونا" في مختلف دول العالم. وهذا ما يكبلنا، ويمنعنا من التحرك بحرية".

وقال قصعة: "اللبناني طموح، ويحاول دائما إيجاد الحلول، كما أنه يتحلى بالروح الإيجابية رغم كل المآسي التي يمرّ بها، لكن المشكلة أن فيروس "كوفيد-19" كبّل العالم بأكمله، وأدى الى تأخير الانطلاقة الضرورية لنا".

كما لفت الى أن صاحب الامتياز اللبناني الذي أسّس في الخارج، وضعه لا بأس به، وبإمكانه الصمود، رغم النتائج الصعبة التي يحققها، في حين أن شركات تراخيص الامتياز (franchisee)، أي أصحاب الامتياز الذين حصلوا على "فرانشايز" من الخارج، يعانون من مشاكل أكبر تتمثل في الرسوم والدفعات المفروضة عليهم. ومن هنا، طلبنا وقفها بشكل مؤقت، لكن "مجلس الامتياز العالمي" (World Franchise Council)، رفض هذا الطلب، خوفا من أن يتحول ذلك الى حالة تطال عدد أكبر من البلدان. لكننا نستمر بالضغط، ونحن على تواصل دائم مع المعنيين في هذا الموضوع، وقد لاقينا تجاوبا واسعا من بعض الجهات.

وكشف قصعة، أنه في عام 1998، كنا نشعر بسعادة وحماس عارمين، لدى افتتاح أي ماركة عالمية في لبنان، وقد نجحنا في خلق هذا الزخم التي استمر لحوالي 20 عاما، وأصبحنا قادة فيه على الصعيد العالمي. ومنذ نحو ثماني سنوات، أصبحت الماركة المفقودة من الأسواق اللبنانية، تعتبر غير موجودة فعليا في منطقة الشرق الأوسط. ولكن للأسف، وصلنا اليوم الى هذه المرحلة، التي أجبرتنا على خسارة بعض الماركات. وبالتالي، نتمنى أن تتحلى الأطراف السياسية كافة، بالوعي اللازم، لاتخاذ القرارات الحازمة، التي من شأنها انتشالنا من الهاوية.

أما بالنسبة الى المطالب، فقال قصعة: "نطالب بإعادة الثقة الى اقتصادنا. نريد مسؤولين سياسيين حققوا نجاحات على صعيد لبنان والعالم، وبالتالي، لا يتمتعون بسير ذاتية رائعة فحسب. نريد أشخاصا لا يخذلوننا، بل يضعون الخطط المفيدة والمدروسة، التي ستشكل خارطة الطريق لمستقبلنا. نريد أشخاصا ثابروا واجتهدوا وعملوا، وخلقوا مشاريعا ناجحة، وبالتالي، يعرفون حيثيات إدارة العمل الناجح".

من جهة أخرى، لفت الى أن "الإخفاق الأكبر في لبنان يتمثل في سياسة الدعم، وما يحصل حاليا، يشكل الخطر الأوسع على اقتصادنا الليبرالي. فالدعم يخدم ​الفساد​ والزبائنية، ولا يفيد المصلحة الكبرى على الإطلاق. كما أنه يعتبر سياسة غير مستدامة، وتخلق مشاكل عدة في جوانب كثيرة، قد لا نراها اليوم، بل بعد بضعة سنوات".

وختم قائلا: "اذا أردت أن تُطاع، فاطلب المستطاع"، وبناء على هذه المقولة، لا أضيع وقتي على خطة مؤقتة، قد تكون مفيدة لأشهر محددة فقط، وذلك في حال نجاحها. شبعنا من القرارات والمطالب العشوائية، ونريد اليوم نشاطا سليما، وحوكمة صحيحة".