ليس جديداً على منطقتنا أن تكون محط أنظار وأطماع الدول الكبرى وحلفائها، فموارد حوض الشرق المتوسط ​النفط​ية و​الغاز​ية المكتشفة جعلت من ​لبنان​ مركز ​ثقل​ هذه الأطماع، وذلك لما تحتوي أعماقه البحرية من ثروة طبيعية هائلة تستطيع تحويل هذا البلد المنهار اقتصاديا إلى بلد غني في المستقبل.

بالتالي لم يعد خافياً على أحد، أن أماكن تواجد ​الثروات​ الطبيعية تشكل عنصر جذب للنزاعات و​الحروب​، ما يجعلنا نربط تلقائياً حصار لبنان الاقتصادي بمحاولة إخضاعه للشروط الدّولية المنحازة لـ "​اسرائيل​"، والتي حاولت مراراً عبر وساطة أميركية التوصل لاتفاق مع لبنان على توزيع "​المياه​ الاقتصادية"، وذلك للبدء بالتنقيب عن الغاز عبر شركات ​الطاقة​ العالمية القلقة بسبب الوضع الأمني المتوتر في المنطقة.

وفي مقابلة خاصة مع "الاقتصاد" عن المشهد الجيو- اقتصادي الجديد، استهل الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين شرحه بالتأكيد، أن "ترسيم الحدود البحرية يهدف لاستعادة الحقوق اللبنانية التي تم الاعتداء عليها من قبل العدو الاسرائيلي وبمساحة 863 كلم مربع".

النقاش التقني حول ترسيم الحدود بدأ في الجولة الثانية من المفاوضات التي تستكمل على وقع أزمة اقتصادية - سياسية تعصف بلبنان

وفي ظل استكمال جولات التفاوض بين لبنان و"​إسرائيل​"، يؤكد ناصر الدين أنه "لا يوجد اتفاق مسبق وما من أماكن متفق عليها، وأن الخلاف واضح، فـ "إسرائيل" يعتدي على مساحة 863 كلم مربّع، تبدأ براً من النقطة B1، فعندما تقدم 30 متراً أدى ذلك إلى خسارة 17 كلم متر في البحر، بالتالي تم التراجع بحسب الخرائط الموجودة من النقطة 23 إلى النقطة 1 -هذا إذا ما اعتبرنا أن هذه الحدود هي المُرسمة بحسب قانون البحار وقانون اتفاقية الهدنة عام 1949 التي لم توقع عليها "إسرائيل"- أما الجيش اللبناني، فلديه وجهة نظر أخرى تتمثل بأن الانطلاق من آخر نقطة برية للوصول إلى النقطة البحرية يعني أن لبنان لديه حق داخل الأراضي المحتلة، كالأحقية في تقسيم حقل كاريش".

وحول هذا الموضوع، أشارت مصادر مطلعة على الملف لـ"لاقتصاد" إلى أن حق لبنان البحري هو 1700 كلم مربع، وأن رئيس مجلس النواب نبيه بري طرح ذلك خلال اجتماعه بمساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد.

لبنان يتعرض لحصار كبير من أجل عدم الاستفادة من الثروة الطبيعية المهمة إلا بالشروط الدولية المنحازة للعدو 

وأضاف ناصر الدين: "نعيش اليوم مرحلة تجاذب واستعادة حقوق، فلبنان معتدى عليه وهو لم يتوجه إلى هذا التفاوض من أجل إقامة اتفاقيات سلام أو الاتفاق على تطبيع معين في مجال النفط والغاز.

لبنان يحتاج إلى موضوع النفط والغاز، فهو يتعرض لحصار كبير من أجل عدم الاستفادة من هذه ​الموارد الطبيعية​ المهمة إلا بالشروط الدولية، لذلك الموضوع البحري اليوم له أبعاد على الداخل اللبناني اقتصادية واجتماعية مهمة ترتبط بموضوع ثروة الأجيال".

"اسرائيل" تحاول الحصول على منطقة غنية بالغاز والنفط وأقل التقديرات الأولية تقول إن قيمتهما 90 مليار دولار

أما فيما يخص اتفاق الإطار فيقول ناصرالدين، إنه "كان واضحاً أن الإنطلاق من آخر نقطة برية لتحديد الحدود البرية، وبالتالي النقطة البرية هي التي تحمي الحدود البحرية، من هنا نؤكد أن قانون البحار الذي ينص على أن الترسيم يجب أن يكون أُفقياً وينطلق من آخر نقطة برية للوصول إلى النقطة البحرية وهو الحق الذي يطالب به لبنان.

العدو اليوم يحاول الحصول على منطقة هو يعلم مسبقاً بأنها منطقة غنية بالغاز والنفط، وأن اقل التقديرات الأولية تقول بأن هناك ما قيمته 90 مليار دولار، وأن هذه المنطقة المختلف عليها بنحو 700 مليار متر مكعب من الغاز."

ويضيف: "لا يوجد منطقة متداخلة، وطرح خط هوف الذي قضى بتقسيم  المنطقة، يعطي للبنان  500 كلم مربع، و360 كلم مربع تعتبر منطقة مشتركة يتم تقاسمها عبر شركات التنقيب"، محذراً من أن يكون هناك بعض الفئات اللبنانية التي تتماهى مع هذا المشروع.

المسطح المائي اللبناني لديه بُعدٌ استراتيجي بنقل الغاز إلى ​أوروبا​ ولديه بُعدٌ اقتصاديٌ مهم بقيمة مالية كبيرة

ويلفت ناصرالدين، إلى "ضرورة التنبّه أن "إسرائيل" تشكل طرفاً مع ​الولايات المتحدة​، ونحن نقول منذ الأساس هي تشكل طرفاً ولا تشكل عامل حل، إذ سيحاولون إعادة فرض خط هوف على لبنان اعتباراً على أن هناك ترسيماً يتعلق بثلاثية الأبعاد:البري بآخر نقطة برية في لبنان وآخر نقطة برية في ​فلسطين​ المحتلة، وبالتالي يحاولون الحصول على 300 كلم على الأقل في هذه المنطقة  المعتدى عليها.

ومن هنا، فإن على لبنان الإنتباه لهذه النقطة ومن الواضح كثرة الكلام عن بلوك رقم 9، لكن العين هي على بلوك رقم 8 نظراً لأهميته بموضوع أنبوب المتوسط الذي سيتجه إلى ​قبرص​ ثم إلى أوروبا إنطلاقاُ من الأراضي البحرية اللبنانية، وبالتالي المسطح المائي اللبناني لديه بعدٌ استراتيجي بنقل الغاز إلى أوروبا ولديه بعدٌ اقتصادي مهم بقيمة مالية كبيرة، إضافة إلى ذلك لديه بعدٌ أساسي ومحوري في موضوع صراع شرق المتوسط الذي أصبح اليوم محط أنظار كل العالم، خاصة أن هذه المنطقة تقدر اكتشافاتها بنحو 120 تريليون قدم مكعب من الغاز، تبدأ من سواحل ​مصر​ وتنتهي عند السواحل السورية".

لبنان أمام منحى مهم جداً لتحديد مكاسب اقتصادية حالية ومستقبلية

ويختم الكاتب والباحث الاقتصادي مقابلته مع "الاقتصاد"، بالتأكيد أن "لبنان أمام مرحلة مهمة جداً إذا كان يريد الانتباه إلى ثروة الأجيال، وإذا كان يريد تحديد مكاسب اقتصادية ترتبط بتحسين تصنيفه المالي أولاً، وثانياً ترتبط بإعادة ارتفاع سعر السندات، وثالثاً ترتبط بشكل أساسي بأن أي توجِّه للحكومة اللبنانية إلى "صندوق النقد الدولي" مع تحفظنا على هذا التوجه، فإذا كنا نمتلك مصادر الطاقة يمكن التفاوض بطريقة أفضل مع الجهات الدائنة.