يعاني القطاع الزراعي في لبنان إهمالا مستمرا منذ سنوات طويلة، وبات يواجه اليوم المزيد من المشاكل المعقدة، والمرتبطة بشكل مباشر بالأزمات التي تشكو منها مختلف القطاعات، بسبب تراجع القدرة الشرائية، وحجز الأموال في ​المصارف​، وشح الدولار في السوق، وبالتالي، الاضطرار للجوء الى ​السوق السوداء​ من أجل تأمين العملة الصعبة للاستيراد.

ورغم توافر الظروف المناخية والزراعية الملائمة، بات عدد كبير من المزارعين يفضلون التخلي عن زراعة أراضيهم، بسبب تراجع قدرتهم على دفع تكاليف ​الأدوية​ و​الأسمدة​ والبذور، من جهة، وعدم إمكانية تأمين أرباح من شأنها التعويض عن هذه التكاليف باهظة الثمن، من جهة أخرى، خاصة في ظل استفادة فئات معينة فقط من الدعم، وحرمان الشريحة الأكبر منه، في بلد يسيطر عليه التهريب والاحتكار والجشع.

كان لموقع "الاقتصاد"، مقابلة حصرية مع رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع ابراهيم الترشيشي، للحديث عن أوضاع القطاع، وأسعار المنتوجات الزراعية، وغيرها من الأمور العالقة.

- هل يحصل المزارعون اليوم على الأسمدة والبذور والأدوية الزراعية المدعومة؟

الى حد اليوم، سمعنا أن بعض ​التجار​، وهما تاجران بالتحديد، قد أحضرا أسمدة مدعومة، لكنها فقدت من الأسواق فور وصولها، دون أن نعلم من اشتراها، أو حصل عليها، أو استفاد منها؛ مع العلم أن الدعم المقرر هو على سعر 3900 ليرة وليس 1500. وبالتالي، كانت تجربة فاشلة للغاية، وأعتقد أن كل تجربة سيقوم بها وزير الاقتصاد، ستتسم بالفشل مثل سابقاتها، لأن الدعم بهذا الشكل العشوائي، لن يعود بأي فائدة على المزارعين.

فبعض التجار يوزعون البضائع المدعومة على معارفهم وأقاربهم، وعلى أسماء وهمية، وأشخاص لا علاقة لهم بالقطاع الزراعي، لكي تستفيد هذه الشركات وحدها من الدعم. كما أن مؤسسات عدة تقدمت بطلبات للحصول على الدعم، في حين أن عدد ضئيل جدا منها تم قبول طلبه، ما يعني أن هؤلاء الأشخاص "محظوظين" ومدعومين، إما في وزارة الاقتصاد أو في ​مصرف لبنان​. وبالتالي، لن يعطوا الدعم للمزارع، ولن يسمحوا له الاستفادة منه.

أما الطريقة الأفضل لمساعدة المزراعين، فتكمن في:

أولا، دعم كل الأسمدة والأدوية والبذور المستوردة.

ثانيا، إعطاء المصارف للشركات دولاراتها الخاصة، دون الحجز عليها، لكي تستورد البضائع، وتقوم بتوزيعها على المزارعين بسعر موحد لدى الجميع. وبهذه الطريقة، نكون قد منعنا الغش والاحتكار والتهريب.

- طلب وزير الإقتصاد من وزير الزراعة اصدار قسائم خاصة بالمزاعين لتأمين المواد المدعومة. هل هناك أي تقدم على هذا الصعيد؟

كل هذه الطلبات لا تغني، ولا تقدم أي فائدة، لأن المزارع يقدم طلبات الدعم في وزارة الزراعة، لتتم تصفيتها في وزارة الاقتصاد، ليصبح بعد ذلك، قرار القبول أو عدمه لدى مصرف لبنان، وحينها "القوي بقوته والشاطر بشطارته"؛ فمن يتمتع بالنفوذ والدعم، سيكون محظوظا، وستتم الموافقة على طلبه، أما البقية، فترد طلباتهم وترفض.

وطالما أن جزء من الأسمدة مدعوم، وجزء آخر غير مدعوم، فإن 90% من المنتجات الزراعية في الأسواق ستباع بالسعر غير المدعوم؛ فالغش قائم للأسف، وهو سيد الموقف.

- لماذا نشهد على ارتفاع ملحوظ في أسعار الخضار والفواكه في السوق؟

هناك هوة كبيرة بين المستهلك والمزارع، اذ يرى المواطن أن المزارع يبيع منتجاته بأسعار مرتفعة، لكنه لا يعلم أنه مهما ارتفعت أسعارها بالنسبة اليه، ستبقى غير كافية للمزارع، ولن تغطي تكاليفه؛ حيث أن 75% من المزروعات، يتم دفع رأسمالها بالدولار من السوق السوداء.

ولهذا السبب، نجد هوة كبيرة بين أسعار المنتوجات الزراعية والقدرة الشرائية للمستهلك. ونجد المستهلك يبكي ويشكي، في حين أن المزارع لا يجني الأرباح الكافية، رغم الأسعار المرتفعة؛ فكل المنتجات التي يبيعها، لا تغطي 50% من التكاليف التي يدفعها بالدولار. ومن هنا، يفضل البعض التوقف عن الزراعة بشكل نهائي، ما يؤدي الى تراجع العرض في الأسواق – وهذا ما يحصل في الوقت الحاضر. اذ أن أكثر من 50% من المزارعين تركوا حقولهم، وفضلوا عدم الزراعة، ولهذا، نجد طفرة ملحوظة في الأسعار. فالعرض أقل من الطلب، ما يبرر عمليا السعر المرتفع.

ومن أجل ردم هذه الهوة، طلبنا من وزير الاقتصاد دعم جميع البذور والأسمدة والأدوية، ووقف آلية الدعم القائمة حاليا، والتي تخدم التجار والمحتكرين، ولا تفيد المزارعين على الإطلاق؛ فلا يجوز أن يستفيد 10% فقط من الأشخاص من الدعم، وأن يعاني 90%.

- ما هو مصير الأسعار في المستقبل القريب؟

حال الأسعار في المستقبل، ستكون أصعب بكثير من ما هي عليه اليوم، وبالتالي من المرجح أن نشهد على المزيد من الارتفاع للأسف. فالمزارع يسير نحو المزيد من ​الانكماش​، ولم يعد يتحلى بالحماس من أجل الزراعة بكثرة، خاصة أن مصير البلاد مجهولا، والاقتراض لم يعد خيارا، كما أن الوصول الى أمواله في المصارف مستحيل.

فعمليات التسليف والدين للأشهر القادمة لم تعد متبعة أو حتى موجودة في القطاع الزراعي، بل أصبح البيع يتم نقدا 100%. كما أن شراء المستلزمات الزراعية يتطلب أيضا الدفع نقدا وبالدولار بحسب سعر الصرف اليومي في السوق السوداء.

- هل تحسنت حركة التصدير مع فتح الحدود ​الاردن​ية؟

لقد تحسنت الحركة حتما، حيث أن فتح الحدود يعد بادرة جيدة جدا وبشرى سارة. اذ عدنا الى تحميل أكثر من 20 سيارة يوميا، أي ما بين 600 الى 700 طن، كما أن منتوجاتنا عادت مجددا الى مسار التصدير، بدون أي عراقيل في الاردن. ولكننا نشكي من الضريبة التي فرضتها ​سوريا​ على السيارات اللبنانية التي تحمل المنتوجات. ومن هنا، نتمنى إلغاء هذه الضريبة، لنقول حينها أن عملنا عاد الى مساره الطبيعي على الطريق البرية.

فعندما نشجع التصدير، سيشعر الفلاح والمزارع براحة أكبر، وسيتمكن من تصريف إنتاجه بطريقة أفضل.