"الأزمة الحادة باتت وراءنا" و"الليرة بألف خير". هل تجدون أي رابط بين هاتين العبارتين؟ قد يكون الرابط الوحيد هو الشخص الذي صرّح بهما، ما يطرح شكوكا حول صدقيتهما. فبعد أن تبين جليا أن الليرة ليست بخير على الإطلاق، هل سنصدق حقا أن الأزمة الحادة باتت وراءنا بالفعل، وأن المسار اليوم يتجه نحو الحل؟ وما هو التفسير الاقتصادي لكلام الحاكم؟

فالخوف من رفع الدعم، يشكل الهاجس الأكبر الذي يسيطر على يوميات اللبنانيين، خاصة مع الحديث عن الاقتراب من نفاد احتياطي ​مصرف لبنان​. ذلك بالإضافة إلى العديد من المشاكل العالقة والمقلقة، والتي تهدّد مستقبل لبنان وكيانه، مثل استمرار تمويل الدولة عبر طباعة الليرة، والفلتان في سعر الصرف في ​السوق السوداء​، وتجميد الخطة الإنقاذية والمفاوضات مع "صندوق النقد"، إضافة إلى تصاعد منحى ​التضخم​ بشكل كارثي، والافتقاد لأي خطة حول كيفية التفاوض مع الدائنين بعد التعثر، واستمرار التهريب والاحتكار،...

وفي هذا الإطار، يقول الخبير في الأسواق الناشئة، د. باتريك مارديني، في مقابلة حاصة مع موقع "الاقتصاد"، أن كل الأمور نسبية في الحياة، اذ كان من المتوقع حصول التدهور الأكبر عام 2020، وقد حصل ذلك بالفعل. لكن هذا لا يعني أن الاقتصاد سيعود لتحقيق النمو والازدهار، ابتداء من الآن.

وأضاف: "لا أوافق حاكم مصرف لبنان في قوله أن الأزمة برمتها، باتت وراءنا؛ فالجزء الأكبر منها قد حصل، ولكن ما زال بانتظارنا جزء آخر. ونستطيع القول أننا قطعنا 80% من التدهور، وبقي لدينا 20%. ومن هنا، أتوقع استمرار التدهور و​الانكماش​ حتى منتصف عام 2021".

وتابع د. مارديني قائلا: "حتى ولو سلّمنا جدلا أن الأزمة باتت وراءنا بالفعل، لكن هذا لا يعني أننا سنتمكن من الصعود، بعد وصولنا الى القعر؛ حيث يمكن البقاء في هذا القعر لسنوات عدة. وحتى أن انتهاء التدهور لا يعني بالضرورة، أن الوضع سيشهد على تحسن بشكل تلقائي. فعبارة "الأزمة باتت وراءنا"، لا تدل على أن القدرة الشرائية سترتفع، والشركات ستعود للتوظيف مجددا، والنمو سيستعيد منحاه التصاعدي الإيجابي".

وأشار الى أن ما يساعدنا على الصعود من أسفل القعر الذي وصلنا اليه، هو القيام بالإصلاحات الاقتصادية التي تبدأ بالتفاوض مع الدائنين، وإعادة هيكلة ​المصارف​ اللبنانية، وخفض الحكومة لنفقاتها عبر اتفاقية مع ​صندوق النقد الدولي​. ولدى تحقيق هذه النقاط، سنشهد حتما على المزيد من التدهور، ولكنها ستكون بمثابة القاعدة للخروج من الأزمة. وبدونها لن نخرج من أزمتنا أبدا!".

وفي ما يتعلق بسعر الصرف، أوضح د. مارديني لـ"الاقتصاد"، أن سعر الصرف يتحدد من خلال العرض والطلب، وبعد اعتذار رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب وسقوط المبادرة الفرنسية، اعتبرت شريحة كبيرة من اللبنانيين أن الإصلاح لم يعد ممكنا. فقبل ذلك، شهدنا على نوع من الطمأنينة بسبب ما عرضته ​فرنسا​، والحديث عن ضخ العملة الصعبة في البلاد من خلال المشاريع التي ستنفذها، ما سيسهم في تحسن ​الوضع الاقتصادي​، وسيكون مفيدا لليرة اللبنانية.

وتابع: "نتيجة لذلك، من يمتلك ​الدولار​ات لم يعد يريد بيعها، بسبب الخوف من المزيد من التأزم في المرحلة المقبلة. أما من يمتلك الأموال ب​الليرة اللبنانية​، فعمد الى تحويلها للدولار خوفا من المزيد من التدهور في قيمة الليرة، ورغبة منه في المحافظة على قدرته الشرائية في الأيام والأشهر المقبلة. وبالتالي، زاد الطلب على الدولار وتراجع العرض، بسبب تخوف الناس من المرحلة الصعبة التي تنتظرنا".

وأكد أن حدة هذه الأزمة ستتزايد في المستقبل، وخاصة مع رفع الدعم. اذ أن تجار ​الأدوية​ و​المحروقات​ و​القمح​ والسلع الأخرى المدعومة، كانوا يتوجهون الى المركزي للحصول على دولاراتهم للاستيراد، ما أسهم في تثبيت سعر صرف الدولار في السوق السوداء، ما بين 7500 و8000 ليرة للودلار الواحد. ولكن مع وقف الدعم، لن يكون بإمكانهم الحصول على هذه الدولارات إلا عبر السوق الموازي. ومن هنا، سيزيد الطلب على الدولار، ما سيؤدي الى ارتفاع سعر الصرف أكثر فأكثر، وتدهور قيمة الليرة اللبنانية.

ولدى سؤاله عن إمكانية استمرار الدعم حتى شباط 2021، كما حكي، أوضح د. مارديني أن هذا الأمر غير ممكن، وقال: "لا يمكن أن يستمر الدعم حتى نهاية العام الحالي، في حال مواصلة النهج المعتمد في الوقت الحاضر. أما اذا تم تخفيض عدد السلع المدعومة، واعتماد سياسة انتقائية في الدعم، فمن الممكن حينها أن يستمر لفترة أطول. كما يمكن أيضا، دعم بعض السلع على سعر 3900 بدلا من الـ1500".

وفي ما يتعلق بالحل لأزمة سعر الصرف، وتفادي الوصول الى السيناريو الأسوأ، كشف أن هذا الأمر قابل للتحقيق، في حال تم وقف طباعة الليرة اللبنانية. حيث أن مصرف لبنان يطبع الليرة بسبب عجز الدولة، وعدم قدرتها على دفع نفقاتها المرتفعة والتي تفوق مداخيلها. ومن هنا، يتم اللجوء الى ​الطباعة​ لتمويل الفرق بين النفقات والإيرادات، كونها باتت غير قادرة على الاستدانة بعد الإعلان عن التخلف في دفع ديونها.

وقال: "كلما زاد مصرف لبنان ​الكتلة النقدية​ بالليرة اللبنانية، كلما شهدنا على المزيد من التدهور في سعر الصرف. وبالتالي، فإن نفقات الحكومة هي المسؤولة عن إفقار اللبنانيين؛ اذ أن هذه النفقات تمول عن طريق طباعة الليرة، التي تزيد بدورها من التضخم ومن تدهور سعر الصرف، ما يؤدي تلقائيا الى فقدان القدرة الشرائية للمواطنين؛ وهذا أكثر ما نتخوف منه".

وشدد د. مارديني لـ"الاقتصاد"، أنه لا يمكن أن تتحسن الأوضاع وتستقر الليرة، قبل القيام بالإصلاحات الاقتصادية؛ أي تخفيض نفقات ​الدولة اللبنانية​.

وأضاف: "من جهة أخرى، يعمد المصرف المركزي الى طباعة الليرة، لكي يسمح للشعب اللبناني بسحب الودائع من المصارف بالليرة. وبالتالي، يجب اليوم إعادة هيكلة هذه المصارف لكي تؤمن الأموال الكافية للدفع للمودعين، من جهة، وتخفيض نفقات الحكومة، من جهة أخرى. وكلما تأخرنا في تنفيذ هاتين الخطوتين، كلما استمرينا بالغرق أكثر".